هل يشهد الاقتصاد الأميركي ركودا في 2001

TT

تحليل اقتصادي واشنطن ـ رويترز: لم تمض بضعة اسابيع على تحذير نائب الرئيس المنتخب ديك تشيني من ركود محتمل في الولايات المتحدة الا وصارت كلمة الركود تتردد على الالسنة في وقت زادت فيه المخاوف بخصوص حالة الاقتصاد بعد ان تراجعت اسعار الاسهم وجاءت مبيعات التجزئة في موسم العطلات مخيبة للامال.

وعلى الرغم من ان بعض الاقتصاديين يقولون جازمين ان الحديث عن الركود مبالغ فيه فقد سارعت بعض شركات الاستثمار الضخمة في وول ستريت الى تخفيض توقعاتها للنمو الاقتصادي مرجحة التوقعات بان تشهد الولايات المتحدة هبوطا حادا للنمو في وقت ما عام 2001.

ويقول الاقتصاديون في كثير من الشركات الكبرى انه ما زال من المرجح ان يشهد الاقتصاد تراجعا سلسا للنمو دون ان يعني ذلك حالة من الركود لكنهم يرون مع ذلك ان الاقتصاد الاميركي الان اكثر عرضة للخطر من اي وقت مضى منذ بدء التوسع القياسي قبل عشر سنوات.

وقال ريتشارد بيرنر كبير خبراء الاقتصاد الاميركي في مؤسسة مورجان ستانلي دين ويتر «لا اتوقع ركودا لكنه خطر حقيقي». ونادرا ما يذهب الاقتصاديون الى حد توقع الركود الفعلي وهو ما يعرف بالانكماش الاقتصادي على مدى ربعين متتاليين من العام وينتج عادة عن ترافق عدة حوادث سلبية او صدمات. فعلى سبيل المثال يعزو كثير من الخبراء ركود 1990/1991 الى ارتفاع اسعار النفط نتيجة حرب الخليج وازمة في الائتمان سببتها ازمة المدخرات والقروض.

ويلجأ الاقتصاديون عادة بدلا من ذلك الى الحديث عن احتمالات الركود.

وزادت كثير من شركات وول ستريت تقديراتها لفرص حدوث انكماش على مدى الاثني عشر شهرا القادمة الى ما يتراوح بين 25 و40 في المائة بالمقارنة مع ما بين خمسة وعشرة في المائة قبل عام.

ومن العوامل التي تؤثر سلبيا على الاقتصاد هبوط اسعار اسهم شركات الانترنت وتشديد معايير اقراض الشركات وارتفاع اسعار الطاقة.

وكانت سوق الاسهم ساعدت في السنوات الاخيرة على زيادة ثقة المستهلكين ومعدلات الانفاق اما الان فهي مسؤولة عن جانب من تباطؤ النمو بعد ان ادى تقلص المحافظ المالية لاصحاب الدخول العليا من المستهلكين الى خفض انفاقهم.

كما ادت الظروف المحيطة بالنشاط التجاري الى تقليص قدرتهم على الحصول على اموال مما اضطرهم لخفض الانفاق على المنشات والمعدات المكلفة.

وفي الجانب المشرق ما زالت سوق الاسكان متماسكة بعد ان عززها انخفاض اسعار الفائدة على القروض العقارية كما لا يزال بعض المستهلكين يقبلون على المتاجر الامر الذي يبعث على الامل في الا تظل مبيعات التجزئة في موسم العطلات عند المستوى المحدود الذي ورد في تقارير سابقة.

وفضلا عن ذلك يوفر انخفاض التضخم الاميركي شبكة امان للاقتصاد اذ يفسح المجال لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) لخفض اسعار الفائدة دون خوف من انفلات الاسعار.

والذين يعربون عن تشككهم في احتمال حدوث انحفاض في الناتج المحلي الاجمالي يشيرون الى ان الاقتصاد كان بسبيله في الربع الثاني من عام 2000 قبل ستة اشهر الى تحقيق معدل للنمو السنوي يبلغ 5.6 في المائة.

ويضيفون انه ليس من المألوف ان يتبدد النمو تماما بعد تحقيق معدل للنمو يزيد عن اربعة في المائة سنويا على مدى سنوات. وقد تراجع النمو في الربع الثالث الى 2.2 في المائة. ولم تتوفر بعد الارقام الخاصة بالناتج المحلي الاجمالي في الربع الرابع.

وقال كين جولدشتاين الخبير الاقتصادي في مجموعة كونفرنس بورد للابحاث «كل هذا الحديث عن الركود او الاقتراب من الركود مبالغ فيه الى حد كبير بل ويكاد يكون عدم تقدير للمسؤولية». وعلى الصعيد السياسي اتهم مسؤولو ادارة الرئيس بيل كلينتون الرئيس المنتخب جورج بوش الابن وتشيني بعدم تقدير المسؤولية رغم ان تشيني خفف تصريحاته منذ ذلك الحين بخصوص الركود محذرا من تباطؤ اقتصادي.

واتهم مسؤولو كلينتون الاقتصاديون فريق بوش بمحاولة رسم صورة سلبية للاقتصاد من اجل تمرير خطة مقترحة لخفض الضرائب 1.3 تريليون دولار. كما يقولون ان بوش يثير خوف المستهلكين دون مبرر.

لكن معسكر بوش رد بانه يتحدث بصدق عن الاخطار الحقيقية التي تواجه الاقتصاد. ويعتزم بوش ان يعقد يومي الثالث والرابع من كانون الثاني (يناير) مؤتمرا لمناقشة حالة الاقتصاد.

ويقول بعض الاقتصاديين ان تحذيرات بوش من التباطؤ قد يكون لها دور في زيادة المشكلة لكن اخرين يرفضون هذه الفكرة.

وقال جيمس جلاسمان الاقتصادي في تشيس سيكيوريتيز في نيويورك «الناس لا ينصتون الى الساسة بحثا عما يرشدهم في فهم ما يحدث في الاقتصاد» مضيفا «ان المعيار الاهم بالنسبة للمستهلكين هو ما اذا كان لديهم عمل واموال في البنك او في صورة محفظة من الاوراق المالية».

وتتوقع شركة جلاسمان ان ينمو الاقتصاد بنسبة تدور حول واحد في المائة في النصف الاول من عام 2001 متفاديا الركود بفارق صغير. ويسمي بعض الاقتصاديين هذا المعدل البطيء «النمو الركودي» حيث ما زال الاقتصاد يسجل نموا لكن البلاد تعاني بشدة مع فقدان الوظائف وتراجع الانفاق.

غير انه سواء اكان الاقتصاديون يتوقعون انكماشا ام لا فقد فاجأتهم السرعة التي فقد بها الاقتصاد القوة الدافعة.

وقال بيرنر بمؤسسة مورجان ستانلي «التباطؤ في النشاط الاقتصادي هو اكبر حدث من نوعه نشهده منذ 1981/1982». مشيرا الى الركود الذي شهدته البلاد في اوائل الثمانينات في اعقاب تضخم كبير وحملة من مجلس الاحتياطي الاتحادي لمكافحة الغلاء.

وفيما يبرز سرعة التباطؤ اجرى مجلس الاحتياطي الاتحادي يوم 19 كانون الاول (ديسمبر) تغييرا جذريا في توقعاته الاقتصادية الرسمية.

فبعد ان قال المجلس في اجتماعه في تشرين الثاني (نوفمبر) ان التضخم والنمو الاقتصادي التضخمي يمثلان اكبر تهديد للتوسع غير موقفه ليشير الى الضعف الاقتصادي على انه اكبر خطر ماثل.

غير ان المجلس تجنب خفض اسعار الفائدة على الفور في اجتماع كانون الاول (ديسمبر). وربما ينتهي به الامر الى الندم على هذا القرار الذي ادى الى موجة من الاقبال على البيع في سوق الاسهم استمرت عدة ايام.

الا ان كثيرا من الاقتصاديين يعتقدون ان بوسع مجلس الاحتياطي ان يعوض الوقت الضائع بسرعة. فسوق السندات التي كثيرا ما تضع في حسابها للاسعار خطوات البنك المركزي مسبقا تفترض انه سيحدث خفض حاد لاسعار الفائدة قد يصل الى نقطة مئوية كاملة او اكثر على مدى الاثني عشر شهرا القادمة.

وقال مارتي ماورو كبير الاقتصاديين في ميريل لينش «اعتقد ان مجلس الاحتياطي الاتحادي سيخفض اسعار الفائدة بحدة بدءا من اوائل العام واعتقد ان هذا بالاضافة الى انخفاض اسعار السوق بالقدر الذي شهدته سيكون كافيا لتمكين الاقتصاد من تفادي الركود».