حالة فزع في إسرائيل لهجرة مئات الشركات إلى أميركا

TT

جيمس كوكس * يعيش رئيس الوزراء الإسرائيلي في حالة قلق هذه الأيام، حيث تتواصل الجلسات التي تعقدها حكومته بشكل عاجل. وكما أشارت إحدى الصحف الإسرائيلية، فإن الحالة مخيفة جداً، إلى الحد الذي جعل البعض يعتقد بأن الاقتصاد الإسرائيلي مهدد بكارثة.

أما السبب في ذلك، فليس الأشهر الأربعة الأخيرة من الأحداث الدامية التي دفعت بالفلسطينيين والإسرائيليين إلى حافة الحرب، وإنما الهجرة الجماعية للعديد من شركات التقنية المتطورة الناشئة الإسرائيلية إلى ولاية ديلاوير، والتي تعد أكثر مناطق الجذب لهذا النوع من الأعمال في الولايات المتحدة. فالمئات من هذه الشركات الإسرائيلية هاجرت إلى ديلاوير ـ ولو على الورق ـ برسم ترخيص قد يصل إلى 74 دولاراً وخلال وقت قصير لا يزيد عن الوقت الذي تستغرقه عملية استخراج عقد زواج.

فديلاوير تقدم تسهيلات رائعة وقوانينها ومحاكمها مرنة، ولا تضع شروطاً تعجيزية أمام الشركات التي ترغب في تسجيل نفسها بالولاية، وهو الأمر الذي جعل مسؤولين إسرائيليين يطرحون بأن تسجيل الشركات في ديلاوير يساعدها على الحد من التزاماتها الضريبية، ويؤدي إلى خدمة المواهب الإدارية الأميركية. والأهم من ذلك، إنه يمنح الشركات شرعية في عيون طرف مهم في السوق، وهم أصحاب رؤوس الأموال المغامرون والضامنون والمستثمرون في أسواق المال.

وكما قال ليني روث، نائب رئيس إحدى الشركات ذات العلاقة ومقرها هرتسيليا في إسرائيل: «فإن جميع شركات التقنية المتطورة في إسرائيل تقريباً والتي أعرفها لديها مقار في الولايات المتحدة وفي ديلاوير على الأرجح».

وهذا هو ما دفع المسؤولين الإسرائيليين للقلق الشديد، إذ توجد في هذا الكيان الصغير أكثر من 4 آلاف شركة متخصصة في التقنية المتطورة، الأمر الذي يجعلها ثاني أهم دولة في العالم بعد الولايات المتحدة في احتضان هذا النوع من التقنية. ومعظم هذه الشركات تأسست على أيدي أشخاص عملوا في القوات المسلحة الإسرائيلية التي تتمتع بخبرة تقنية متطورة، أو على أيدي مهاجرين يهود تركوا وظائفهم السابقة كعلماء في الاتحاد السوفياتي السابق.

بين عشية وضحاها، أصبحت التقنية الحديثة واحدة من أهم مقومات الاقتصاد الإسرائيلي. والشركات التي تأسست في إسرائيل ثم نقلت أوراقها إلى ديلاوير تقوم أيضاً، في واقع الأمر، بتصدير دخل الضرائب، وفرص العمل والخبرة للولايات المتحدة. وقيام الشركات الإسرائيلية بهذا العمل يحيل الأبحاث الإسرائيلية والوحدات الخاصة بتطويرها إلى مجرد أفرع للمقر الرئيسي في ديلاوير، ويتيح إنشاء مكاتب رئيسية في الولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال، تقدمت شركة إيرسلايد الإسرائيلية، التي تعد رائدة في تقنية الهواتف النقالة، بطلب التسجيل في ديلاوير خلال عام 1999. ثم نقلت مراكزها الرئيسية من إسرائيل إلى نيويورك وتركت جزءاً بسيطاً من نشاطها في هرتسيليا.

وعمليات الفرار هذه من الأرض المقدسة إلى ديلاوير، والتي لم تلفت الاهتمام في الولايات المتحدة، بدأت خلال عام 1998 عقب تحرير إسرائيل للقوانين المتعلقة بالرقابة النقدية، وتيسير مسألة تأسيس المواطنين الإسرائيليين لشركات عبر البحار. منذ ذلك الحين قررت أكثر من 1000 شركة إسرائيلية متخصصة في التقنية الحديثة ـ وهي نسبة يعتقد أنها تشكل ما بين 60 إلى 90 في المائة من الشركات التي أعادت ترتيب أوضاعها بشكل رسمي ـ اختيار ديلاوير كمقر رئيسي لها.

وقد قال ديفيد شيرتوك، المحامي اليهودي المولود في الولايات المتحدة ويعمل في تل أبيب واصفاً تلك المرحلة بأنها «تلك التي مثلت انهيار بوابات الفيضان».

بماذا تمتاز ديلاوير؟

تعد ديلاوير موطن ما يقرب من 323 ألف شركة، ونصف قائمة أغنى 500 شركة حسب تصنيف مجلة «فورتشن»، لديها مقار هناك. وبتسجيل نفسها في ديلاوير وتحولها إلى شركات أميركية، تستفيد المؤسسات الإسرائيلية من التالي:

ـ تحصل على رأس المال، فمعظم الشركات الإسرائيلية المتخصصة في هذا المجال، شأنها شأن مثيلاتها في كل مكان، تبحث عن التمويل من مصادر مالية مغامرة، على أساس أنها ستعلن عن نفسها في ما بعد.

فالأسلوب المغامر لشركات التقنية المتطورة الإسرائيلية أدى إلى ظهور صناعة رأسمالية تبحث عن التمويل، لكن الأموال المتوفرة في إسرائيل ليست كافية مقارنة بما هو متوفر في الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة تعد موطن أكبر رؤوس الأموال المغامرة، وأكثر الجماعات المستثمرة في القطاع الخاص نشاطاً.

وكما قال بن ستروس، المحامي الأميركي المولود في إسرائيل والمتخصص في قوانين إنشاء الشركات التضامنية في مكتب بيبرهاميلتون بمدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير: «هناك أموال لا ترغب في الاستثمار في شركات غير أميركية.. وهذا يمكنهم من البحث عن التمويل من مصادر لا يمكنها أن تستثمر أموالها في شركات من خارج ديلاوير، إنه يوفر لهم فرصة الدخول إلى أسواق الأموال الأميركية، التي تعد أكبر حافز لهم».

وهناك ما يقرب من 130 شركة إسرائيلية تمكنت بالفعل من عرض أسهمها على الجمهور وسجلت نفسها في سوق ناسداك المتخصص في أسهم شركات التقنية المتطورة. وهذه الأيام تتفوق فقط الشركات الأميركية والكندية على مثيلاتها الإسرائيلية، في سوق الأسهم.

ـ الجمهور. قال يورام تيتز، المحاسب لدى شركة كوت فورر وغابي بتل أبيب: «أطرح على الزبائن أن يسألوا أنفسهم عن نوعية ومكان جمهورهم، لأن نصف السوق بشكل عام يوجد في الولايات المتحدة».

ـ الضرائب والقيود. يواجه أصحاب رأس المال الذين يؤسسون تجارة في إسرائيل، ضرائب دخل تصل إلى 50 في المائة، عندما يتسنى لهم تحقيق الدخل على هيئة مدفوعات أو استثمار رأس المال أو حصص في الأسهم، وهذا يعادل حوالي ضعفي ما يمكن أن يدفعونه لو كانت لشركاتهم مكاتب رئيسية في الولايات المتحدة.

يقول مسؤولون في ولاية ديلاوير انهم غير متأكدين من عدد الشركات الإسرائيلية التي أسست مكاتباً لها في الولاية. لكن من المؤكد أن الإسرائيليين لم يكتشفوا ديلاوير مصادفة، فقد عقد مسؤولو الولاية ورشتي عمل في هذا المجال هناك، واستقطبوا مئات المحامين والمحاسبين ورجال الأعمال. يضاف إلى ذلك أن الولاية لديها ممثل في إسرائيل يوفر للشركات المحلية ما تحتاجه من المعلومات والدعم الذي يرفع من مستوى مبيعاتها.

وتبذل الولاية قصارى جهدها لجعل العملية غير مؤلمة، حيث يمكن لأصحاب طلبات التسجيل التقدم بطلباتهم عبر شبكة الانترنت بواسطة مندوبين يقدمون خدمات عديدة من بينها تلقي رسائل زبائنهم على عناوينهم الخاصة، كما أن مكتب التسجيل في الولاية يعمل من الساعة السابعة صباحاً حتى منتصف ليل معظم أيام الأسبوع.

* خدمة «يو. إس. آيه توداي الدولية» و«توزيع لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»