مخاوف من انهيار «البنك العربي ـ الإسباني» اليوم في مدريد»

TT

من المقرر أن يصدر «البنك العربي ـ الاسباني» ورقة نعيه بنفسه اليوم اذا ما خرج مجلس ادارته بعد اجتماع حاسم يعقده في مركزه الرئيسي بمدريد هذا الصباح، من دون التوصل الى رفع رأسماله، المتوقع أن لا يتم، لأن المساهمين الاسبان لا يريدون الاقدام على هذه الخطوة، ومصرفهم المركزي لم يسمح لهم حتى أمس ببيع حصتهم لليبيا، وليس هناك راغب آخر بشراء قنبلة موقوتة من هذا العيار الثقيل، لذلك فان ARESBANK يعيش الآن أعنف أزمة سيولة عرفها منذ تأسس قبل 25 سنة بمساهمات من حكومات الكويت وليبيا والجزائر واسبانيا كمصرف جملة يهدف الى تمويل التجارة والمشاريع بين العرب والاسبان، وفق ما وصل صداه الى «الشرق الأوسط» من مصادر مالية متنوعة في مدريد.

وبدأت مشكلة «العربي ـ الاسباني» الذي تملك الكويت 30 في المائة من أسهمه، ومثلها لليبيا، مع 6 في المائة للجزائر و34 في المائة لاسبانيا، منذ عامين تقريبا، حين ربح رجل الأعمال اللبناني الناشط منذ 19 سنة في قطاع العقارات بماربيا، رضا عليوان، دعوى قضائية رفعها ضده في المحاكم، وزجه على أثرها وسط أزمة في السيولة خانقة، لم يتملص منها الا بعد أن رفع المساهمون قبل 3 أسابيع رأسماله بمقدار ما كان ينقصه لاكمال ما هو ملزم بموجب أمر قضائي بدفعه لعليوان، أي تقريبا 70 مليون دولار. الا أنه لو دفع الآن فستبقى خزائنه فارغة من أي سيولة وينهار. من هنا الطلب الأخير بأن يوافق المساهمون اليوم على ضخ المزيد من المال في الخزائن الفارغة، وهي محاولة أخيرة للبنك لينقذ نفسه.

وقد اتصلت «الشرق الأوسط» أمس برجل الأعمال اللبناني، رضا عليوان، الناشط الآن في 7 مشاريع عقارية ضخمة على سواحل الجنوب الاسباني، عبر شركة «دايلونغ آيلاند اسبانا» التي يملك أسهمها بالكامل، فشرح أنه أقام في 1985 أحد أكبر المشاريع السياحية في أوروبا، وكان عبارة عن مدينة للملاهي تقع على أرض مساحتها 70 مليون متر مربع في مشاع 5 بلديات، أهمها مدينة ماربيا، حيث يعمل ويقيم، ودفع ثمنها في ذلك الوقت أكثر من 35 مليون دولار، تساوي ضعفها الآن على الأقل.

وكان «العربي ـ الاسباني» قد وافق على تمويله بحوالي 250 مليون دولار، أي تقريبا ثلث كلفة المشروع البالغة في ذلك الوقت أكثر من 700 مليون دولار، عبر تجمع للمستثمرين وعد البنك بأن يحصل منهم على قيمة التمويل. الا أنه لم يستطع تأمين سوى 12 مليونا، في وقت كانت «دايلونغ آيلاند اسبانيا» ناشطة في اعداد الدراسات والتصاميم للمشروع، القاضي ببناء أكثر من 3 آلاف و500 بيت وملاعب للغولف و3 فنادق متنوعة المستوى، بالاضافة الى المنشآت التي تطلبها مدينة للملاهي، شاركته فيها بادئ الأمر والت ديزني الأميركية، قبل أن تنسحب بعدها لتبني «وورلد ديزني» في باريس.

وعندما انتهت «دايلونغ آيلاند اسبانا» من كافة الضروريات التي تسبق عادة المباشرة في التنفيذ، تلقت اشعارا من «العربي ـ الاسباني» وفيه يعلمها بأنه لا يستطيع تأمين التمويل، في وقت بدأت فيه حرب الخليج قبل 10 سنوات، فنشأت أزمة بين الشركة والبنك، وصلت الى القضاء، وربحها البنك.

لكن عليوان، الذي صنع ثروته من العمل في حقل الالتزامات بالسعودية، استأنف منذ عامين دعواه، مستندا الى أن الأرض التي وضعها ضمانة للتمويل الذي قدمه البنك، أي 12 مليون دولار، تساوي أكثر بكثير من قيمة التمويل نفسه، وحصل على أمر قضائي يلزم «العربي-الاسباني» باعادة الأرض اليه، مقابل أن يسدد هو للبنك ما اقترضه منه كتمويل مع الفوائد. ورفض البنك اعادة الأرض، لكنه وافق على دفع ثمنها المساوي طبقا لتخمينه لقيمة القرض، أي 12 مليون دولار، في حين قيّمها المثمنون بأكثر من 75 مليون دولار. وهناك مثمنون آخرون عينهم القاضي، قاموا بتقييمها بأكثر من 130 مليون دولار. مع ذلك، طلب قاضي المحكمة العليا باسبانيا من «العربي ـ الاسباني» أن يودع لديه مبلغ 12 مليون دولار، حتى الانتهاء من تقييم الأرض، فأودع البنك المبلغ، حتى انتهت التقييمات بأمر من المحكمة، التي ألزمت البنك في ما بعد بدفع 58 مليون دولار لاكمال ثمن الأرض لعليوان، باعتبار أن التقييم استقر على اعتبار قيمتها 70 مليون دولار، أو أن يعيدها البنك اليه، وتنتهي المشكلة.

لكن البنك كان قد باع الأرض لبنك ليبي، تملك عبره الحكومة الليبية حصة 30 في المائة من «العربي ـ الاسباني» بحوالي 18 مليون دولار، أي بربع قيمتها الحقيقية تقريبا، وأصبح غير قادر على اعادتها، ولا حتى دفع 58 مليون دولار لاكمال ثمنها لعليوان، لأنه لم يكن يملك في الخزينة سوى نصف هذا المبلغ تقريبا.

ومرت أشهر وتلقى «العربي ـ الاسباني» تحذيرا من البنك المركزي الاسباني، يعلمه فيه بأنه قد يتدخل لتصفيته إن لم يلتزم بأمر القضاء ويدفع، فأسرعت ادارة البنك الى اجتماع طارئ منذ 3 أسابيع وافق خلاله المساهمون على رفع رأس المال بالقيمة الناقصة لاكمال ما هو ملزم بدفعه لرجل الأعمال اللبناني، أي 58 مليون دولار، هي كل ما في حوزة «البنك العربي ـ الاسباني» الآن، فان دفعها يبقى بلا سيولة في الصندوق، وينهار بطبيعة الحال، لذلك لجأت ادارته الى طلب مستعجل من المساهمين بأن يعقدوا اجتماعا اليوم لضخ المزيد من المال في خزينته، وسط موافقة من المساهمين العرب، خصوصا من الحكومة الليبية الراغبة بالسيطرة على البنك أكثر، الا أن أزمة تنتظر المجتمعين هذا الصباح، وليس لها حل: المساهمون الاسبان، وهم شركات ومؤسات مالية اسبانية، حكومية وخاصة، «لا يريدون دفع المزيد في بنك لا رجاء منه على الاطلاق» طبقا لما قاله لـ «الشرق الأوسط» أمس مصدر من داخل البنك مطلع على أزمته الخانقة، في حديث عبر الهاتف من مدريد، طلب خلاله عدم ذكر اسمه.

وقال المصدر الاسباني إن المساهمين الاسبان يرغبون في التخلي عن حصتهم، البالغة 34 في المائة «ولو من دون لقاء، أو ببيعها للراغب الوحيد بشرائها، وهو الحكومة الليبية. لكنهم يحتاجون الى إذن من البنك المركزي الاسباني، الذي رفض حتى أمس منحهم هذا الاذن، لأنه واقع تحت ضغوطات من حكومة الولايات المتحدة، التي لا ترغب لليبيين بالسيطرة على البنك» على حد تعبيره.

ويفسر المصدر ضغوطات الأميركيين بأنها نتاج قلق لدى واشنطن بأن تسبب السيطرة الليبية على البنك مشاكل بين اسبانيا والولايات المتحدة «خصوصا أن الليبيين يستخدمونه منذ سنوات في عمليات مالية بأوروبا تثير قلق الأميركيين من حين لآخر» وفقا لقوله.

وكانت ضغوطات أميركية في 1995 تسببت بأن يترك عبد الله السعودي منصبه كرئيس لمجلس ادارة «البنك العربي ـ الاسباني» في حدث أثار السلبيات بين ليبيا واسبانيا «لدرجة أصبحت مدريد تتخوف الآن من مزيد من السيطرة الليبية على البنك، لذلك فهي لن تسمح بأن يشتري الليبيون حصتها فيه، ولن تسمح أيضا لمؤسساتها المساهمة فيه بأن تضخ المزيد من المال في خزينته.. تريد أن ترتاح من بنك لم يأت بالخير الكثير للعرب والاسبان على السواء».

مع ذلك فقد صرح حاكم البنك المركزي الاسباني، خايمي كوروانا، أمس في مدريد بأن أزمة «العربي ـ الاسباني» لن تحل الا من داخله «وأن مصيره بيد مجلس ادارته. وكنا فعلنا الكثير للوقوف الى جانب البنك طوال سنوات مضت، ولا نستطيع تقديم المزيد» طبقا لبيان وزعه على الصحف، ردا على بيان احتجاجي من 71 موظفا في البنكك قلقين على مستقبلهم في ما لو أوقف نشاطاته.

وينتظر رجل الأعمال اللبناني، رضا عليوان، قرار البنك بفارغ الصبر اليوم، ليتسلم ما يعود اليه من ثمن الأرض، أو أن يلجأ الى القضاء ليضع يده على «العربي-الاسباني» في ما لو رفض التسديد، لأنه لو لم يستطع رفع رأس ماله في اجتماع اليوم، ودفع كل ما بحوزته تسديدا لثمن الأرض، لبقي بلا سيولة، وبنك بلا سيولة هو نوع من سفينة غارقة، أو جنرال بلا جنود.