حاكم مصرف لبنان المركزي لـ«الشرق الأوسط»: مشروعنا لمكافحة تبييض الأموال يستجيب لكل المعايير الدولية

رياض سلامة: لا إيجابيات لخفض الليرة ونتوقع نمواً بين 3 و4 في المائة هذا العام * الاستقرار النقدي شرط لأي انطلاقة اقتصادية وتصحيح بنية الموازنة والخصخصة أساس لإطفاء الدين العام

TT

اعلن حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة لـ«الشرق الأوسط» ان مشروع القانون الخاص بمكافحة تبييض الاموال الذي احالته الحكومة اخيراً الى مجلس النواب اخذ بملاحظات مجموعة العمل الدولية لمكافحة تبييض الاموال GAFI ويستجيب للمعايير الدولية بالكامل. وقال انه بعد اقرار المشروع وخطواته التنفيذية ولم ترفع المجموعة اسم لبنان بعد من لائحة الدول غير المتعاونة في يونيو (حزيران) المقبل، فعلى الحكومة ان تتخذ الاجراءات المناسبة. وشدد سلامة على ضرورة معالجة الدين العام من خلال اصلاح بنية الموازنة وتمويل العجز المرتقب بتحسين الجباية وعائدات الخصخصة. ورأى ان سياسة الاستقرار النقدي هي شرط اساسي لنجاح هذه العملية التصحيحية، مؤكداً عدم وجود اي ايجابيات لخفض قيمة الليرة، مستبعداً دعم صندوق النقد الدولي لمثل هذا التوجه. ورأى ان اصدار سندات «ساموراي» (بالين الياباني) متوقف على ارادة الحكومة اللبنانية واوضاع السوق في اليابان.

وفيما يلي نص الحوار:

* اعلن الامين العام التنفيذي لمجموعة العمل الدولية لمكافحة تبييض الاموال GAFI باتريك موليت لـ«الشرق الأوسط» ان مجرد صدور قانون جديد من مجلس النواب اللبناني في هذا الصدد لن يكون كافياً لرفع اسم لبنان من اللائحة السوداء او الدول غير المتعاونة. وأكد ان هذه الخطوات لن تتم حتى تتوافر لنا القناعة التامة والبراهين الدامغة من ان البلد المعني باشر العمل بمحتوى النصوص الجديدة. فماذا تقول في هذا الصدد؟

ـ هناك معايير تضعها مجموعة GAFI، واستطيع القول ان مشروع القانون الذي اقر في مجلس الوزراء معدلاً، يستجيب لهذه المعايير بالكامل، واعتبر ان عملية التنفيذ، كما ينص عليها مشروع القانون، يفترض ان تتم خلال شهر بعد اقرار القانون في مجلس النواب. فاذا اقر هذا المشروع قبل 20 و21 يونيو (حزيران) المقبل (موعد اجتماع مجموعة العمل الدولية في باريس) مع الأخذ في الاعتبار مهلة الشهر المخصصة للتنفيذ، فلا يجوز لهذه المجموعة ان تغير القواعد التي بنت عليها تصنيفاتها. واذا اقر المشروع، ونفذ كما هو منصوص عنه من خلال انشاء وحدة الاستقصاء، فمن حقنا ان نطالب المجموعة بالاعلان اولاً عن ان لبنان استجاب للمطالب الدولية ونأمل في ان تعمد هذه المجموعة، اذا كانت فعلاً تعمل بشكل متجرد وليس استنسابياً، ان ترفع اسم لبنان عن اللائحة السوداء في يونيو (حزيران).

* وفي حال اقر مشروع القانون ونفذ ولم يرفع اسم لبنان، هل ستعتبرون ان موقف المجموعة يخفي نيات ابعد من مكافحة تبييض الاموال؟

ـ عندها ينبغي للدولة ان تتخذ الخطوات التي تراها متناسبة والموقف.

* هل اطلعتم المجموعة على مشروع القانون الذي اقره مجلس الوزراء اللبناني؟

ـ لقد أطلعنا المجموعة فعلاً على المشروع خلال اجتماع معها عقد في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في روما. وقد ابدت المجموعة بعض الملاحظات التي نقلناها الى مجلس الوزراء الذي بادر الى تشكيل لجنة لمتابعة هذه الملاحظات بعد ان كان اقر المشروع في شهر ديسمبر (كانون الاول) الماضي، وسيدرس مع الملاحظات قريباً في مجلس النواب. ونأمل في ان يقر وينفذ مع الاطر التي ينص عليها قبل اجتماع يونيو (حزيران). وهنا يمكنني ان اؤكد لك ان لبنان لم يتلق اي مساءلة حول اية عملية تبييض اموال في لبنان لا من المجموعة ولا من غيرها. ثم ان المجموعة لا تشير في موقفها الى وجود تبييض اموال في لبنان وانما ينطلق موقفها من البنية القانونية القائمة عندنا.

* اتخذ لبنان، كمصرف مركزي وكقطاع مصرفي، اجراءات عديدة في السنوات الاخيرة لتحصين المصارف في لبنان ضد احتمالات التبييض؟

ـ بالفعل، كنا ملتزمين منذ سنوات عديدة، بإنشاء قطاع مصرفي ومالي شفاف مع الحرص على ان تكون سمعة لبنان ممتازة على صعيد مكافحة تبييض الاموال، وقد ترجمنا ذلك بعدة تعاميم شددت على هذه النقطة. ومن جهتها قامت المصارف في ما بينها بخطوات مهمة في هذا الاتجاه من خلال ما سمي باتفاق الحيطة والحذر. ولكن المسألة بالنسبة الى المجموعة الدولية تتعلق بالقوانين وليس بالتصاميم.

* لاحظنا انك استعجلت في تطبيق الضريبة على المبيعات لسد الفجوة التي احدثها قرار خفض الرسوم الجمركية، فيما تباينت مواقف المسؤولين وتوزعت بين مؤيد للضريبة على المبيعات ومؤيد للضريبة على القيمة المضافة، فما هو الموقف النهائي في هذا المجال؟

ـ هذا الموضوع منوط بوزارة المالية، وأعتقد ان توجهها، بحكم الشراكة الاوروبية، هو نحو تطبيق الضريبة على القيمة المضافة. وما يهم مصرف لبنان المركزي هو ان يكون للدولة المداخيل الضرورية وبالأخص بعد تخفيض الرسوم الجمركية.

* لاحظنا في الآونة الاخيرة تناقضاً بين تصريحات رئيس البنك الدولي جيمس ولفنسون الذي حذر من ارتفاع حجم الدين العام وتصريحات وزير المال فؤاد السنيورة التي قال فيها ان الدين العام سيزداد هذا العام 4 مليارات دولار، فهل يعني ذلك ان الحكومة لن تأخذ بنصيحة البنك الدولي؟

ـ تبعاً لموازنة العام 2001، والعجز المرتقب في هذه الموازنة، يفترض تأمين التمويل لهذا العجز. ففي غياب عمليات الخصخصة سيأتي هذا التمويل عن طريق الاستدانة، لأن الاولوية في الاقتصاد الوطني اليوم هي تحفيز النمو. وفي ظل هذا التوجه من الصعب زيادة الضرائب. لذلك نجد انه من الضروري العمل على تحسين الجباية، وتأمين الاموال إما من خلال بيع اصول الدولة او من خلال عمليات استدانة. وما يشير اليه رئيس البنك الدولي هو ان نسبة الدين العام الى اجمالي الناتج المحلي اصبحت مرتفعة، وطالب بخطة لوقف دينامية هذا الدين. وهذا الامر يعرفه اللبنانيون تماماً. فالحكومة الحالية تحدثت عنه، والحكومات السابقة وضعت خططاً وبرامج للحد من تنامي هذا الدين. يبقى اتخاذ القرار السياسي في هذا الصدد.

* نحن في صدد التوجه الى مشارف دين عام يمكن ان يبلغ 30 مليار دولار في نهاية السنة. فكيف نتحدث عن تصحيح واصلاحات في الوقت الذي تمتص فيه خدمة الدين وحدها كل الايرادات تقريباً.

ـ هذا صحيح في حال لم تتخذ القرارات المتعلقة بتصحيح بنية الميزانية في لبنان. لكن اذا ما تمكنت الحكومة من القيام بالاصلاحات البنيوية المذكورة، فلا اتصور ان الصورة ستكون قائمة بالشكل الذي يتصوره البعض. بمعنى آخر، اذا استطاعت الحكومة تأمين ايرادات عبر عمليات خصخصة او عبر وضع بعض ادارات الدولة تحت ادارة القطاع الخاص، فمن الممكن تغيير كل الصورة.

* نشهد الآن تراجعاً في ملف خصخصة الهاتف في ضوء التطورات التقنية العالمية، والكهرباء على ما هي عليه من خسائر، فهل تستطيع عمليات الخصخصة لمثل هذه القطاعات ان تفي بأعباء الدين فقط؟

ـ في الحقيقة، نحن كمصرف مركزي غير منخرطين في مشروع الخصخصة المناط امره بوزارتي الاقتصاد والمالية. وكل ما نستطيع قوله هو ان لبنان يملك من الامكانات ما يؤهله لقلب معادلة تنامي الدين. لكن اعود لأكرر بأن ذلك منوط باجراء الاصلاحات في بنية الموازنة، لأنه من دون هذه الاصلاحات لن تكون هناك فائدة من عمليات الخصخصة.

* امام دين عام، يرجح وصوله الى 30 مليار دولار في نهاية السنة، وامام كلام ولفنسون، وامام المتغيرات في المنطقة مع وصول شارون الى الحكم في اسرائيل، فكيف يمكن ان تستمروا في الدفاع عن الليرة في سياسة نقدية تتجه اتجاهاً معيناً والسياسة المالية في اتجاه آخر؟

ـ هذه الامور معروفة ومطروحة، وهي التي تستأثر باهتمامنا اليوم. ولكن الاسواق لا تزال تمنح الثقة لمستقبل الاقتصاد اللبناني. والحقيقة ان مسألة الدفاع عن الليرة كانت مطروحة خلال السنوات الثماني الماضية.

* الى اي حد يستطيع مصرف لبنان حماية الليرة في الوقت الذي نجد فيه السياستين المالية والنقدية تتجهان اتجاهاً مختلفاً؟

ـ هذا السؤال مطروح منذ ثماني سنوات، اي منذ تولي منصب الحاكمية. فالسياسة النقدية واضحة تماماً، وهو بالتأكيد لمصلحة لبنان، ومؤداها ان الاستقرار النقدي هو الاساس لأي انطلاقة اقتصادية، وهي شرط رئيسي لنجاح العملية التصحيحية. لذلك نحن نعتبر ان لبنان ليس امامه خيار خارج استقرار سعر صرف الليرة، واستقرار الفوائد. وعلى الحكومة ان تقوم بالاجراءات اللازمة التي تسمح للمصرف المركزي بالتعاطي مع الاسواق باعتماد فوائد اقل.

* يقال ان صندوق النقد الدولي قدم لكم النصائح اكثر من مرة لخفض قيمة الليرة في محاولة لاطفاء جزء من الدين العام، فإلى اي حد انتم مستعدون للاخذ بهذه النصيحة في غياب الافق المنظور لتنامي هذا الدين؟

ـ في الواقع، ان صندوق النقد الدولي ايد سياسة الاستقرار النقدي التي اتبعها لبنان، لأنه يعرف تماماً ان خفض سعر الليرة لا ايجابيات له، فنحن ليست لدينا صادرات، فكلفتنا مدولرة ولذلك لا تؤثر على القدرة التنافسية. يضاف الى ذلك ان خفض سعر العملة يؤدي الى ارتفاع الفوائد، والى اعادة رفع كل المعاشات والتقديمات. ربما كان بعض الاشخاص في صندوق النقد، وبصفتهم الشخصية، قد اوحوا بهذا الكلام لسبب او لآخر، ولكن صندوق النقد لم يقدم لنا، في اي وقت من الاوقات، مثل هذه النصيحة. وأستبعد ان يكون لديه موقف رسمي في هذا المجال، خصوصاًَ ان رئيسه اعرب عن دعمه، في اجتماعات براغ لسياسة الاستقرار النقدي في كل الدول النامية، لكونها ضرورية للتصحيح الاقتصادي والمالي، وضرورية للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي، وأكد انه لم يستطع من خلال خفض قيمة النقد، ان يعالج اية مشاكل اقتصادية في اي بلد في العالم.

* اذا افترضنا ان هذه هي سلبيات سياسة خفض سعر الليرة، فما هي سلبيات الاستمرار في سياسة الثبات النقدي، وخصوصاً على الاحتياطي في مصرف لبنان المركزي؟

ـ كل الدول التي اتبعت سياسة خفض عملتها الوطنية خسرت كل احتياطياتها. الثقة والاستقرار هما العنصران الاساسيان في توفير الامكانيات للدولة، واي سياسة مختلفة تعطي نتائج معكوسة، وعندها قد يتدخل صندوق النقد الدولي وبشروط قد لا تتلاءم مع الحاجات اللبنانية.

* هل هناك توجه لزيادة الودائع الخارجية لدى المصرف المركزي كخيار لتعزيز موقفه في حماية الليرة؟

ـ لا شك في ان هناك دعماً اقليمياً للبنان. وفي هذا الاطار اضافت الكويت وديعة بقيمة 100 مليون دولار الى الوديعة السابقة. وهناك دعم دولي للبنان كذلك من خلال التمويل الذي يقوم به الاتحاد الاوروبي. وهناك دعم للتنمية في لبنان من خلال القروض الميسرة التي تأتينا من البنك الدولي والصناديق العربية. وفي خلال الزيارة التي قام بها وفد حكومي برئاسة رئيس الحكومة لليابان اعرب المسؤولون اليابانيون عن استعدادهم لتمويل مشاريع لبنانية بضمانات من الحكومة اليابانية.

* سمعنا انك ستزور اليابان في مايو (ايار) المقبل للتحضير لسندات ساموراي (سندات خزينة بالين الياباني)، فما هو مدى صحة ذلك؟

ـ الحقيقة ان التحضير باشرنا به، والاتصالات ستستمر، لكن التوقيت متوقف على ارادة الحكومة اللبنانية، وعلى اوضاع السوق في اليابان نفسها لأن هذه السوق ليست دائماً مرتاحة وآخر المؤشرات تدل على تراجع، مما دفع البنك المركزي الياباني الى خفض الفائدة.

* هل يمكن ان تتحول اليابان الى شريك تجاري اساسي مع لبنان، كما هو شأن الاتحاد الاوروبي مثلاً؟

ـ الواقع ان اليابانيين ابدوا كل الاستعداد للتعاطي بايجابية مع لبنان، ويعتبرون ان لبنان مركز مهم للتجارة في المنطقة. لكن تحرك اليابان في المنطقة منوط بالاجواء الامنية، وبالتقدم الذي سيحصل على مستوى الاتفاقات الموقعة معه.

* كنت قد طرحت، في وقت سابق، فكرة تولي المصرف المركزي ادارة الموجودات الذهبية. فهل انت مستعد لاعادة طرح الفكرة مجدداً؟

ـ هذه الفكرة مطروحة من قبلنا باستمرار. لأن مصرف لبنان يعتبر ان الذهب يجب الا يكون معروضاً للبيع، بالنظر الى ما يشكله من ارتباط بينه وبين استقرار العملة الوطنية، والى ما يشكله من ملجأ امين في الازمات العالمية. والغاية من فكرتنا هي ادارة هذه الاحتياطيات للاستفادة منها، لأن الذهب اصبح اليوم مثل اية سلعة يمكن ان يكون له مردود معين بين 3 و5% سنوياً من دون ان تكون هناك اية مخاطر على هذا الاحتياطي. ولكن هناك قانون يمنع حتى التصرف بالذهب، وليس من استعداد ظاهر لتعديل هذا القانون لا لدى مجلس النواب ولا لدى الحكومة.

* لقد توليت شخصياً، ومنذ عدة سنوات، اعادة هيكلة القطاع المصرفي اللبناني، وقمت بإنجازات مهمة على هذا الصعيد، لكن هذا القطاع بدأ منذ سنتين يواكب الاقتصاد الوطني لجهة التراجع في نسب النمو، وتزايد عدد الشيكات المرتجعة، وتزايد عمليات صرف الموظفين. وتراجع عمليات التسليف بالدولار؟

ـ هذه الصورة ليست دقيقة ابداً. صحيح ان القطاع المصرفي تراجعت ارباحه، لكنه لم يتراجع من حيث النمو، لا على صعيد الودائع، ولا على صعيد الاصول ولا على صعيد التسليفات. لكن من الطبيعي ان تتراجع نسب الارباح، لأن القطاع مرتبط بالاقتصاد الوطني، غير ان النمو فاق 10% في عام 2000، بينما بلغت الودائع حدود 37 مليار دولار، كما زادت الميزانية المجمعة بنسبة 11% لتبلغ 44 مليار دولار، بالاضافة الى ان القطاع نفسه كوّن مؤونات كافية للمحافظة على سلامته، وهذا مفيد لتصنيف الديون اكثر مما تعني الاشارة الى زيادة الارباح.

حتى هذه الارباح تراجعت بشكل طفيف قياساً الى الاوضاع الاقتصادية العامة. واذا ما اخذنا المصارف العشرة الاولى لاحظنا ان تراجع الارباح كان اقل من 10% في عام 2000، علماً بأن هذه المصارف تسيطر على 75% من القطاع المصرفي. وتقتضي الاشارة ايضاً الى ان القطاع كون في السنوات السابقة نسبة ملاءة مهمة تعدت 15% في نهاية عام 2000، ونسب مؤونات مرتفعة تحول دون اي عقبات في الوضع الائتماني. وأعتقد ان القطاع المصرفي اللبناني هو اكثر القطاعات التي تتوافر فيها السيولة اقليمياً وربما عالمياً، بسبب التشدد الذي نتبعه لجهة فرض نسب عالية من الودائع بالعملات الاجنبية نقداً (25% حالياً)، فضلاً عن ان هذا القطاع يتسم بميزات تفضيلية عديدة لا استطيع الخوض فيها لاسباب دبلوماسية. ولكن كل ما استطيع قوله هو ان قطاعنا المصرفي في امان. ولا ننسى هنا اهمية قانون الاندماج المصرفي الذي ما زال ساري المفعول حتى عام 2004، واؤكد ان مصرف لبنان المركزي لم يتوقف يوماً عن تقديم الدعم المطلوب لتغطية كلفة الدمج. لكن ارادة الدمج تحددها السوق، ونحن لا نفرض على اي طرف اي توجه، نحن نتعاطى مع المصارف التي لا تحترم تعاميمنا او المقاييس المطلوبة، وهنا اشير الى ان جميع المصارف العاملة في لبنان تحترم هذه المقاييس. واذا كان هناك من مصرف لا يجد القدرة لديه على احترامها يمكنه الخروج من القطاع من دون الحاق اي ضرر بالقطاع. وهناك نحو عشرين مصرفاً خرجت من السوق في السنوات الاخيرة، من دون اي ضرر بالقطاع ومن دون خسائر في الودائع، فضلاً عن انها زادت الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني. ومع مرور الوقت، يتضح وجود حاجة اكبر لتجميع القدرات المصرفية، ونحن نشجع على هذا الامر.

* لكننا نشعر بوجود خط احمر يتعلق بعدم تشجيع الاندماج بين الكبار؟

ـ نحن لا نتدخل في عمليات الاندماج انفرادياً، بل نحرص على ادارتها جماعياً. فالدمج بين اية اطراف من المصارف العشرة الاولى ليس له مردود اقتصادي للبنان، باعتبار ان المصارف اللبنانية لا تزال غير مدعوة للعب دور اقليمي ومطلوب منها مزيد من الرسملة بعد قبل ان تصل الى هذا المستوى. لا بل ان اي عملية دمج بين المصارف العشرة الكبار يمكن ان تخلق خضات تعززها حدة المفاوضات، خصوصاً ان هذه المصارف يملكها افراد وعائلات، وهذا ما يزيد المفاوضات صعوبة. يضاف الى ذلك ان التكتلات المصرفية الكبيرة يمكن ان تلحق الضرر بالمصارف المتوسطة والصغيرة وتتسبب بخلل في السوق. وما يهمنا اولاً هو استيعاب المصارف ذات الحجم المحدود بحيث يكون السوق متيناً وبحيث تكون لدينا اسباب وجيهة للدخول في عمليات الدمج بين الكبار. ومثل هذه العمليات ليست مرفوضة بالمطلق، ولكنها غير مرغوبة في المرحلة الراهنة.

* هل تعتبر ان الانفتاح السوري مصرفياً يمكن ان يؤثر على القطاع المصرفي اللبناني ولا سيما لجهة هجرة الودائع السورية؟

ـ نعتبر ان الانفتاح المصرفي السوري ايجابي إن لجهة اشراك القطاع الخاص في المصارف السورية او قبول المصارف الاجنبية. ولا شك في ان هذه الايجابية ستنعكس على القطاع المصرفي اللبناني الذي ستتاح امامه فرصة جديدة لتصدير خبراته، وفي الوقت نفسه سيستفيد القطاع المصرفي السوري من القطاع المصرفي اللبناني لأن هذا الاخير يعرف السوق السوري تمام المعرفة. اما بالنسبة الى هجرة الودائع باتجاه سورية، فأعتقد ان المنافسة في نهاية الامر هي التي تحسن الاداء في لبنان وسورية. فالودائع التي تأتي الى لبنان تستقر فيه لانها تجد المناخ المواتي لها إن على صعيد حرية التعامل أو على صعيد المردود.

* كان صدر كلام عن مصدر سوري شبه مسؤول حول احتمال سحب السوريين ودائعهم من المصارف اللبنانية. فهل نستطيع ان نعرف حجم هذه الودائع؟

ـ في ضوء السرية المصرفية المتبعة عندنا لا استطيع ان اعطي ارقاماً في هذا المجال، ولكن ما استطيع قوله هو ان نسبة ودائع غير المقيمين تبلغ نحو 20% من اجمالي الودائع، من دون ان يعني ذلك اننا نعرف هوية هؤلاء غير المقيمين الذين قد يكون بينهم لبنانيون مقيمون في الخارج.