الحريري في باريس: لبنان يريد العودة إلى خريطة الاستثمار الدولية

TT

«الرسالة» التي سعى رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لنقلها إلى أرباب العمل والمستثمرين الفرنسيين، في اليوم الثاني لزيارته إلى باريس، يمكن تلخيصها كالتالي: لبنان يواجه صعوبات مالية واقتصادية كبيرة ولكن الحكومة عازمة على مواجهتها وهي أخذت أو بصدد إكمال الإجراءات والتشريعات والتدابير التي تمكنها من ذلك. ويمكن إضافة أن لبنان حريص على أن يظهر مجدداً على خارطة الاستثمار الدولي وهو يرغب في أن يرى المستثمرين الفرنسيين، على الأخص، مهتمين بالفرص التي سيتيحها برنامج التخصيص الذي تعد له الحكومة والذي من المقرر أن يدر عليها عوائد تقدر بـ5 مليارات دولار لعام 2001.

الرئيس الحريري الذي «يعرف أن يتكلم لغة رجال الأعمال» وفق تعبير أحد المستثمرين الفرنسيين، لم يخف حقائق الوضع الاقتصادي والمالي للبنان. ويأتي بالطبع، على رأس اللائحة بند المديونية العامة التي تناهز الـ25 مليار دولار. وأكد الحريري أن خدمة الدين العام مسؤولة عن 86% من العجز في الميزانية، يضاف إلى ذلك أن الفوائد المترتبة على الديون مرتفعة وهي بمتوسط 12%. وفي لائحة الصعوبات، هناك الجمود الاقتصادي بحيث أن نسبة النمو للعام الماضي هي صفر.

إزاء الوضع الاقتصادي المتردي، ما هي الخطة التي عرضها رئيس الوزراء اللبناني أمام العشرات من أرباب العمل الفرنسيين والمستثمرين والمصرفيين؟

الواقع أن الحريري ركز بداية على ضرورة خفض خدمة المديونية ثم خفض المديونية نفسها. وأكد الحريري أن لبنان حصل من فرنسا على الدعم اللازم من أجل حفز الدول والمؤسسات الدائنة للبنان للتعاطي بإيجابية مع مسألة المديونية. ومن الناحية العملية، فإن الحكومة اللبنانية تسعى إلى إعادة تمويل المديونية اللبنانية بمعدل فوائد يقل عن النسبة الحالية والتي هي 42%. ويؤكد الحريري أن تحقيق هذا الهدف سيكون له تأثير مباشر على عجز الميزانية وسيخفض عبء خدمة المديونية عن عائق الدولة.

ودعا الحريري أصدقاء لبنان الذي يتمتع بسمعة جيدة في الأوساط المالية الدولية، للمساعدة على تحقيق هذا الهدف.

بموازاة ذلك، يؤكد الحريري أن إيرادات التخصيص (الكهرباء ـ الاتصالات ـ المياه) ستوجه إلى خفض المديونية، الأمر الذي من شأنه بدوره، أن يساعد الميزانية ويخفف عجزها.

أما الاتجاه الثالث فيتمثل في إعادة انطلاق الاقتصاد اللبناني عبر التدابير التحفيزية لتنشيط الحركة الاقتصادية. وفي هذا الإطار عرض الحريري لما قررته الحكومة في خفض الجمارك على عدد من السلع المستوردة والالتزام بإبقاء الضرائب على أرباح الشركات تحت سقف الـ15% في حين أن الضريبة على الأفراد لن تتعدى العشرة في المائة. وعرض الحريري لمشروع إنشاء هيئة وحيدة تتسلم كل ما يتعلق بالاستثمار الأجنبي لاختزال المعاملات الإدارية ومساعدة المستثمرين. وخلص الحريري إلى القول إن لبنان سيعود وجهة للاستثمار ورجال الأعمال وحيث تتوافر فيه إمكانيات المبادرة وتحقيق الأرباح.

بالإضافة إلى الجانب الموضوعي والأرقام والحقائق، سعى الرئيس الحريري، بلغة بسيطة إلى إفهام رجال الأعمال الفرنسيين أنه يعرف مشاكلهم، ودعاهم إلى الاتصال به مباشرة لمساعدتهم على التغلب على الصعوبات التي تواجههم. وأكثر من مرة، كرر الحريري أن الحكومة بصدد إعداد مشاريع قوانين تستجيب لمتطلبات المستثمرين والهيئات المالية الدولية بما في ذلك «مجموعة العمل الدولية حول تبييض الأموال».

وقال الحريري، جواباً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، في المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب الاجتماع مع أرباب العمل، إنه واثق من أن مشروع القانون الذي أرسلته الحكومة إلى المجلس النيابي والخاص بمحاربة تبييض الأموال سيكون ناجزاً قبل شهر يونيو (حزيران). ولبنان هو أحد خمسة عشر بلداً موجودة على «اللائحة السوداء» التي أعدتها الصيف الماضي مجموعة العمل «GAFi». وهددت المجموعة «الدول غير المتعاونة» ومن بينها لبنان، باتخاذ تدابير بحقها إذا لم يتبين لها أنها اتخذت ما يلزم من تشريعات وإجراءات وأجهزة لسد النقص ومحاربة تبييض الأموال لديها. وقال الحريري إن لبنان ألغى القانون الذي كان يتيح إنشاء مصارف «أوف شور» كما يعمل بالتنسيق مع «GAFi» ومع الدول التي تتشكل منها، ومن بينها فرنسا، لتعديل قانون السرية المصرفية المطلقة المعمول به حالياً. وكان المدير التنفيذي لمجموعة «GAFi» قد قال لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام ان اسم لبنان لن يرفع من اللائحة بمجرد إقرار القانون بل يجب أن تمر فترة اختبار يثبت خلالها أن لبنان أخذ فعلاً بالتصدي لإمكانيات تبييض أموال على أرضه.