مشغولات الذهب العربي تستحوذ على ثلث مبيعات السوق المصري

تجار الذهب: المصنوعات العربية تحظى بسمعة طيبة لتنوعها وملائمتها الذوق العام

TT

سوق الذهب في مصر يبحث دائما عن الاستقرار فلا يجده.. فتارة يصاحب الدولار في ارتفاعه.. وتارة تقترن أسعاره بأسعار النفط.. وأحيانا كثيرة يخضع لحجم السيولة لدى المصريين ومدى قدرتهم على البيع والشراء.. ولكن الحقيقة التي لا تقبل الشك أن الذهب المصري ظل لقرون عديدة متربعا بمفرده دون منازع على قمة البيع والشراء في أسواق الحلي والمجوهرات المصرية.. الا انه فجأة ودون سابق انذار أصيب بحالة انحسار في مواجهة الحلي والمجوهرات العربية التي باتت تعرف طريقها جيدا للأسواق والمستهلك المصري بأذواقها وأشكالها الجديدة وجودتها التي حازت الثقة.

وحول الأسباب التي مكنت الذهب العربي من غزو الأسواق المصرية، تباينت آراء الخبراء فالبعض يرى أن سفر المصريين لدول الخليج واقامتهم لفترات طويلة هو سبب تأثرهم واقتناعهم بهذه النوعية المختلفة من الحلـــــي ومن ثم الاقبال على اقتنائها.. فيما يؤكد آخرون أن ذوق وجودة تصنيع الذهب العربي فرضت نفسها على السوق المصرية.

تجربة رائدة للذهب في السعودية يؤكد عضو مجلس ادارة شعبة الذهب بالغرفة التجارية رفيق العباسي حقيقة اختراق الذهب العربي للأسواق المصرية، موضحا أن مبيعاته وصلت في الفترة الحالية الى ثلث اجمالي مبيعات أسواق الذهب المصرية، ويبين أن وراء هذه النسبة العديد من العوامل التي ساهمت في نجاح هذه النوعية من الذهب في مقدمتها أن الدول العربية ودول الخليج بصفة خاصة اهتمت بالذهب كمنتج استثماري وجعلته أحد أهم مصادر الدخل الوطني، ففي السعودية على سبيل المثال ـ كما يقول العباسي ـ هناك ثورة تكنولوجية في عالم الحلي والمشغولات الذهبية واهتمام من كافة الجهات الرسمية والشعبية، حيث يبدو ذلك واضحا في تشييد المصانع الضخمة ذات الطاقة الانتاجية العالية والتي تصل قدرتها الى ألف عامل، واستخدم أحدث الماكينات المستوردة من كافة بلدان العالم مثل ايطاليا وألمانيا واليابان وغيرها، ويذكرالعباسي أن اهتمام الحكومة السعودية لا يتوقف عند تشييد المصانع فقط، بل يمتد الى توفير الأراضي التي تقام عليها المصانع وتوصيل الخدمات بأجور رمزية، والاستعانة بالأيدي العاملة من مختلف المدارس الفنية للذهب وبأرخص الأسعار، مما يساعد هذه العمالة على نقل الخبرة الى الصناع العرب حتى أصبح لدى هذه الدول عمالة وطنية تستطيع دفع عجلة الانتاج ومنافسة الأسواق العالمية، وأضاف أن أحد أهم الأسباب لارتقاء الذهب العربي اختلاف النظام المعمول به في الدول العربية عما هو في مصر حيث أن البنوك الأجنبية يمكنها اقراض الذهب الى التجار بنسبة فائدة تتـــراوح من 2 في المائة الى 4 في المائة حسب الكمية المطلوبة، وعلى النقيض في مصر نجد أن البنك المركزي يرفض العروض المقدمة من البنوك العالمية لاقراض الذهب، مع أن هذا نظام عالمي متعارف عليه.

ويرى العباسي أنه اذا كانت الحكومة المصرية حريصة على عودة الذهب الى مكانته العربية والعالمية فلا بد أن تتضافر الجهود في العمل على ازالة المعوقات التي تواجه صناعة الذهب والمتمثلة ــ من وجهة نظره ــ في تخفيض الدمغة النسبية وتطوير مصلحة الدمغة، واحتساب ضريبة المبيعات على قيمة المصنعية فقط وليس على سعر الذهب، وكذا المطالبة بعدم عرض السبائك على الدمغة والافراج الفوري عنها لأن السبيكة تأتي من الخارج مرفق بها شهادة معتمدة بكافة البيانات.

سر التفوق في الاهتمام بالكفاءات العلمية أما الأستاذ الدكتور سامي محروس بقسم المنتجات المعدنية والحلي ــ كلية الفنون التطبيقية فيرى أن الذهب العربي أصبح محل اعجاب وتقدير فئات عديدة من نساء المجتمع المصري، والكثيرات منهن رغبن في اقتنائه، وذلك لجودة خصائصه المظهرية التي تتمثل في لونه الأصفر المائل للاحمرار وخلو سبيكته من خامة الفضة التي تدخل غالبا في تكوين سبائك الذهب المصري.

مؤكدا على أن المعدن النفيس في مصر يعاني من العديد من الأنماط السلبية والآليات العشوائية، منها عدم الاهتمام بالكفاءات العلمية والمواهب الفنية وتنميتها باقامة المسابقات المحلية والدولية على غرار مسابقات مجلس الذهب العالمي، كما أن معظم القائمين على صناعة الحلي والمجوهرات المصرية أصحاب مصانع وورش صغيرة تضم مصممون بالفطرة ومن بلدان غريبة حتى عن الوطن العربي مما يجعلهم لا يملكون أدوات التعبير عن الشخصية المصرية من خلال الحلي والمجوهرات. مبينا أن وجود مؤسسة حكومية أو قطاع انتاج عالمي الصنع يهتم باقامة قاعدة علمية في التصميم والانتاج والتسويق هو أهم الحلول لمواجهة محنة الذهب.

200 دولار تكلفة كيلو الذهب المهرب وتقول مستشارة مجلس الذهب العالمي سماح نبيل ان مصر من 20 عاما كانت تصدر الى الدول العربية 40 طنا من الذهب، الا انها الآن تستورد في حدود 7 اطنان سنويا. مما يوضح أن هناك نسبة عالية تفضل الذهب العربي لدى المستهلك المصري، ومن أهم أسباب هذا التفضيل هو تميز المنتج حيث أن موديلات الحلي والمجوهرات العربية جديدة ومتطورة.

مؤكدة أن العنصر النسائي في مصر يساهم بصورة كبيرة في هذا التفضيل حيث أن لديه الرغبة دائما في ارتداء مجوهرات غير منتشرة وفريدة من نوعها، وقد تفوقت الحلي العربية في هذه الناحية مما ساعد على انتشارها واعجاب مختلف الطبقات المصرية بهذه النوعية من الحلي وتعتبر سماح نبيل ــ أن ظاهرة انتشار أنواع أخرى من الذهب في السوق المصرية ايجابية لأنها جعلت القائمين على صناعة الذهب يلجأون الى تطوير منتجاتهم لمنافسة نظائرهم، وتخفيض قيمة المصنعية وتطبيق مبدأ الاتقان لكل قطعة ذهبية.

وترى أن أهم الأسباب التي تؤثر على سوق الذهب المصري هي عملية التهريب، حيث يتكلف كيلو الذهب مهربا حوالي 200 دولار، أما اذا تم استيراده بالطرق المشروعة فان التكلفة تقفز الى 3000 دولار ، مما يؤدي الى رواج عملية التهريب ومن ثم دخول أنواع مختلفة من الذهب منخفضة القيمة مقارنة بالذهب المصري، وكل هذا بلا شك يؤثر على صناعة الذهب تأثيرا كبيرا.

المعارض الخارجية أهم الوسائل الترويجية ويؤكد عضو شعبة الذهب بالغرفة التجارية محمد أبو السعود ــ على أن الذهب العربي بدأ يسير بخطى ثابتة لاحتلال مكانة عالية سواء في الأسواق المصرية أو العالمية، خاصة أن التطور الكبير الذي طرأ على صناعته ساعده على دخول حلبة المنافسة وبقوة، ولم يعد في مقدور الذهب المصري مجاراة أشكاله وأذواقه في ظل القيود التي مازالت تعوق هذه التجارة في مصر. موضحا أن الاهتمام بصناعة الذهب يعتمد على عدة محاور تبدأ من تجويد المنتج حتى تصل الى كيفية تسويقه وهو العامل الأهم، وهناك العديد من طرق التسويق أهمها على الاطلاق اقامة المعارض الداخلية أو الاشتراك في المعارض الخارجية التي تعد أقوى الوسائل الترويجية للمنتج مبينا أن معظم الدول العربية تتسابق في ما بينها في هذا المجال، في الوقت الذي تفرض فيه الحكومة المصرية رسوم تصل الى 2 في المائة عند خروج الذهب للمعارض وأخرى عند العودة، مما ولد نوعا من التبرم عند الدول المشاركة في معارض الذهب المصرية والتي أكدت على عدم اشتراكها في معارض أخرى بمصر. المشغولات العربية تحظى بسمعة طيبة ويقول أحد كبار تجار الذهب ـ عزت شوشه ــ إن المصريين يشترون خلال مواسم العمرة والحج من 70 الى 80 طن ذهب من السعودية، وان دل هذا الرقم على شيء فهو يدل على أن المستهلك المصري فقد الثقة بمنتجه، بسبب رداءة المشغولات والحلي المصنعة بورش الذهب البدائية. مؤكدا على أن الطلب على الذهب العربي يتزايد يوما بعد يوم، كما أن المستهلك المصري أصبح مدركا بكافة أنواع الأطقم الذهبية العربية وصار مشتريا لها بديلا للغوايش والسلاسل في مناسبات الخطوبة، بل أصبحت الخواتم والأساور القادمة من الدول العربية تحظى بسمعة طيبة وبطلب قوي من كافة المستهلكين ومن مختلف الطبقات.

معللا ذلك بنقاء خام الذهب العربي وموديلاته الراقية وجودة التشطيبات الخاصة بالقطعة الذهبية، وكذا ثبات الأحجار المطعم بها المشغولات وعدم سقوطها سريعا موضحا أن هذه الأشياء تعد مميزات ثابتة للذهب العربي ويفتقدها نظيره المصري.

الذهب لم يعد سلعة كمالية ويرى رئيس مصلحة الدمغة والموازين ـ حمدي الملواني ـ أن دائرة المنافسة اتسعت في أسواق الذهب المصرية لتشمل الذهب العربي والايطالي والهندي وغيرها.. الا أن الدولة حريصة على انقاذ تلك الصناعة الاستراتيجية والخروج بها من الكبوة التي ألمت بها، مبينا أن هناك عدة قرارات اتخذت في هذا الصدد، من أهمها تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد الذهب الخام وتخفيض ضريبة المبيعات من 125 الى 95 قرشا للجرام، وأضاف أن مصلحة الدمغة قامت بتشغيل أحدث جهاز في العالم لتحليل ومعايرة الذهب مما يساهم في الاسراع من عملية تخليص الاجراءات الجمركية و كشف أي تلاعب في مدة زمنية قصيرة.

ويختتم الملواني قائلا إن معدن الذهب لم يعد سلعة كمالية على الاطلاق بل سلعة استراتيجية وأن الدولة تعمل جاهدة على تشجيع تلك الصناعة لدعم الاقتصاد الوطني، من خلال الاهتمام بالتدريب والمواصفات القياسية العالمية سعيا وراء استعادة الذهب المصري لبريقه المفقود.

ومع تباين أراء الخبراء حول حقيقة غزو الذهب العربي للأسواق المصرية والصعوبات التي يواجهها نظيره المصري، تقف حقيقة ثابتة لا مجال فيها للشك وهي أن حالة الصعود المطرد للذهب العربي وراءها العديد من الجهود العملاقة للمسؤولين عن هذه الصناعة وادراك كامل لنوعية المنتج الذي يعد رمانة الميزان لاقتصاد أي دولة تبحث عن الرقي والتقدم التكنولوجي.