صناعة النسيج المصرية تعاني ضغوط المنافسة الأجنبية

استخدام المصانع للمواد الكيماوية الضارة يأتي كنتاج لحالة التدهور التي أصابت صناعة النسيج المصرية

TT

بعد أن شهدت صناعة النسيج المصرية طفرة هائلة في الثمانينات وبلغ إنتاجها 9 مليارات جنيه بمعدل 13% من إنتاج قطاع الصناعــــة، وقفزت صادراتها في نفس الفترة إلى 1.8 مليار جنيه، اهتزت تلك الصناعة بحلول التسعينات وتراجعت معدلات صادراتها بشـدة وأصبح استيراد منتجات النسيج يحتل مكانة مرموقة في سجل الاستيراد المصري، وانعكس هذا الوضع على الصناعة المحلية بصورة سلبية فأغلق العديد من مصانع النسيج أبوابه. وصارت القلة الباقية منها غير قادرة على مواجهة طوفان البضائع المستوردة، والتي تميزت بجودتها ورخص أسعارها، وحيال ذلك ولتوفير منتجات نسيجية رخيصة السعر بغض النظر عن جودتها ومطابقتها للمواصفات الإنسانية، اضطرت هذه المصانع إلى اللجوء لكافة الوسائل حتى تستطيع الصمود أمام الصادرات الأجنبية، الأمر الذي دفعها إلى استخدام خامات وكيماويات ومعادن خطيرة في صناعة وصباغة المنسوجات ــ التي وصفها المختصون ـ بأنها تهدد مستخدميها بالإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان.

مواد تنعيم القماش ضارة يوضح د. علي حبيش من المركز القومي للبحوث أبعاد المشكلة قائلا إن المواد الكيميائية الرديئة التي تستخدمها بعض المصانع في تجهيز الملابس الجلدية والنسيجية الداخلية والخارجية أصبحت تلاقي رواجا هائلا نظرا لرخص سعرها وسهولة التعامل معها، بالإضافة إلى زهو ألوانها وتمتعها بدرجة عالية من الثبات، مبينا أن مادة فينول خماسي الكلور ـ التي تستخدم لمنع النمو الفطري أو التحلل البكتيري لخلطات مواد التقوية الصناعية المحتوية على النشا في صناعة النسيج ـ تعد من اخطر المواد السامة على الأحياء المائية وصحة الإنسان بصفة خاصة، كما أن بعض المواد التي تستخدم بهدف تنعيم القماش مثل ثلاثي الفينيل تسبب مشاكل صحية وبيئية عديدة، وينصح د. حبيش بضرورة التأكد من مصدر المنتج النسيجي قبل شرائه مع مراعاة غسله بصورة جيدة قبل ارتدائه، لتلافي أخطار المواد والصباغات الكيماوية الموجودة به، وكذا عدم الانقياد وراء المنتجات مجهولة الهوية التي تتميز بتكلفتها البسيطة وأضرارها الجسيمة.

متاعب صحية بالجملة ويؤكد د.عز الدين الدنشاري، أستاذ العقاقير بكلية الصيدلة في جامعة القاهرة،أن الدراسات المعملية أثبتت وجود أعراض وعلامات اكلينكية على 88% من العاملين بمجال النسيج وذلك لتعرضهم لأتربة مادة الأسبستوس التي تكون سبب رئيسي في سرطان الرئة، موضحا أن مادة الكاديوم ومشتقاتها والتي تدخل كأساس في عمليات تثبيت الصبغات للملابس والألياف التركيبية تسبب التسمم المزمن على المدى البعيد بالإضافة إلى الآلام الروماتيزمية ومتاعب مضاعفة بالكلى لمن يرتدون الملابس التي تتشبع بهذه المادة، وينبه د. عز إلى أن بعض المصانع تقوم بإدراج مادة الفورمالدهيد في عمليات تجهيز النسيج ضد التجعد والانكماش وأحيانا أخرى لزيادة ثبات الألوان في الفسكوز والكتان، مع أن هذه المادة تتسبب في العديد من الأمراض مثل تهييج الأغشية المخاطية والتهابات العيون وزيادة الحساسية إذا زاد تركيزها عن الحد المسموح. الكيماويات وحقائب الأطفال ويشير المهندس عبد الوهاب الشرقاوي نائب رئيس غرفة الصناعات النسيجية، إن انتشار استخدام المواد الكيماوية الضارة ببعض المصانع يأتي كنتاج لحالة التدهور التي أصابت صناعة النسيج بصفة عامة، وأن غياب الرقابة من المسؤولين أدى إلى وجود ملبوسات خارج المواصفات تملأ الأسواق المصرية، بل وامتد استخدام تلك الكيماويات إلى أطقم الأسرة والفوط والاكسسوارات الحريمي وأيضا حقائب الأطفال وأغطية المقاعد وغيرها، أي أن هذه المنسوجات دخلت كافة جوانب الحياة الشخصية والمستخدم لها لا يدرك مدى خطورتها بل أهم ما يجذبه لها هو رخص أسعارها، موضحا أنه لمقاومة هذه الظاهرة يتحتم علينا أن نبدأ العمل على حل المشاكل التي تواجه تلك الصناعة والمتمثلة في الفوائد التي تحصل عليها البنوك وتصل إلى 20%، إضافة إلى الضرائب الباهظة التي يتم فرضها تباعا وتستنزف الكثير من إمكانيات صناعة النسيج، مؤكدا أن على الحكومة دوراً حيوياً في انتشال النسيج من كبوته وذلك بزيادة الدعم المالي، وإعادة النظر في أسعار الغزول الوطنية سواء الموجه منها لخدمة السوق المحلي أو المصدر ومساواتها بالأسعار العالمية وخاصة أن أسعارها تزيد بنسبة 30% عن نظيرتها الأجنبية، وأضاف المهندس الشرقاوي أنه لا بد من ضرورة إدخال التكنولوجيا الحديثة من أجل إنتاج متميز عالي الجودة خال من الكيماويات المهلكة لصحة الإنسان وعندئذ ستستطيع البضائع تسويق نفسها وتتمكن من اكتساب أسواق جديدة.

الملابس الخضراء وينبه الدكتور محمد صابر، أستاذ الميكروبولوجي بالمركز القومي للبحوث إلى أنه بتحليل المعامل لمياه الصرف الناتجة عن مصانع النسيج المخالفة لوحظ في بعض الحالات وجود نحو كيلو من الأكسجين المستهلك في المتر المربع والذي يحتوي على مخلفات من النشا ومواد الصباغة والتبيض بنسب مختلفة، وثبت أن هذه المخلفات ذات تأثير سام على الأحياء المائية والإنسان، مضيفا أن التوجه في أوروبا يهدف لتشجيع الإنتاج النباتي والحيواني المدعم لصناعة النسيج، وأن العلماء يسعون لإنتاج المحاصيل النسجية الخالية من الملوثات الكيماوية الزراعية والمبيدات الخاصة بالآفات والأسمدة بأنواعها لما لها من تأثيرات صحية خطيرة على الإنسان وذلك من خلال الملبس والاستعمال، وأوضح د. صابر أن بعض شركات النسيج في إنجلترا ترفع حاليا شعار الملابس الخضراء التي يتم صنعها من أقطان وخامات نقية من الملوثات وعليه فأن المركز القومي المصري يحاول من خلال الدراسات الحالية التوجه إلى إنتاج ملابس خضراء تكون مكوناتها المحاصيل الزراعية النظيفة، مبينا أن الشق الآخر لتحقيق الخامة النظيفة يكون بتطبيق المكافحة المعتمدة على علاقة التضاد بين الكائنات الحية وباستخدام كائنات صائدة للحشرات الضارة بالنبات للقضاء عليها بدون استخدام المبيدات وتلافي أخطارها. المنافسة الشرسة ويرى رئيس قسم النسيج بكلية الفنون التطبيقية د. سمير كمال أن المنافسة غير الأخلاقية بين المصانع في استخدام تلك النوعية من الكيماويات السامة تعدت الحد، وأصبح الأساس في صناعة النسيج هو استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات العلمية والقياسية، مبينا أن القائمين على تلك الصناعة من أصحاب المصانع والعاملين والجهات الرسمية يقع على عاتقهم حالة التدهور التي تواجه النسيج في مصر، ومؤكدا على أن تلك الصناعة تواجه منافسة شرسة على المستوى الخارجي من خلال تهريب الأقمشة والملابس الجاهزة وإقامة المناطق الحرة المعفاة من الضرائب في دول مجاورة مثل دبي والأردن، ومعظمها تتنافس على السوق الأميركية بينما تراجعت الصادرات المصرية لنفس السوق بنسبة 25%، مشيرا إلى أن صادراتنا بصفة عامة من الغزل والملابس الجاهزة شاملة القطن الخام أصبحت لا تتعدى 1.8 مليار دولار، وموضحا أنه رغم حجم الميكنة الحديثة التي تم استيرادها خلال السنوات العشر الماضية تكفي لإنتاج ما يزيد عن 20 مليار دولار إلا أن إنتاجنا ظل متعثرا وأصبحت صناعة النسيج تجميعية فالقماش والأزرار والخيوط، حتى تصميمات الملابس كلها مستوردة، مما قلل من فرصتنا في التصدير، محذرا المصانع المخالفة من أنها تساهم بشكل كبير في تشويه الصورة العامة لصناعة النسيج في مصر والتي كانت في فترة سابقة إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المصري.