دراسة: التطبيق الفوري لاتفاقية «التريبس» سيضر صناعة الدواء العربية

الأسعار ستتضاعف بنحو 6 مرات وقيمة الاستهلاك ستصل 25 مليار دولار سنويا

TT

حذرت دراسة اقتصادية اعدها مركز تنمية الصادرات المصرية، من تداعيات محاولة التطبيق الفوري لاتفاقية منظمة التجارة العالمية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية (التريبس) على صناعة الدواء العربية، مشيرا الى ان الانزلاق في هذا المأزق سيضاعف اسعار معظم المستحضرات الدوائية المتداولة في الاسواق العربية بنحو 6 مرات ويرفع قيمة الاستهلاك من 2.4 مليار دولار الى حوالي 25 مليار دولار سنويا، الامر الذي يضع صناعة الدواء الوطنية في العالم العربي امام تحد في غاية الصعوبة لاسيما ان هذه الصناعة مازالت مبتدئة في العديد من الدول العربية، وان قيمة الانتاج العربي المتوقعة من الدواء للعام الحالي 2001، لا تتجاوز ملياري دولار بنسبة 6.47% من الاستهلاك.

سوق عربية للدواء شددت الدراسة على ضرورة اقامة سوق دوائية عربية مشتركة لمواجهة الحملة الشرسة التي تتعرض لها الصناعات الدوائية العربية حاليا نتيجة الضغوط التي تمارسها شركات الدواء العالمية متعددة الجنسيات لتطبيق اتفاقية منظمة التجارة العالمية وملحقاتها لاسيما حق الملكية الفكرية، مؤكدة على ان اقامة هذه السوق ستتيح الاستفادة من المواد الوسيطة والمشتقات النفطية والنباتات الطبية المتوافرة في الدول العربية، مشيرة الى ان الدواء العربي يغطي نحو 47% من حجم الصناعة العربية وان حجم الانتاج الدوائي العربي تضاعف من 345 مليون دولار عام 1975 الى 700 مليون دولار عام 1980 ثم 815 مليون دولار عام 1987 وحوالي 3.1 مليار دولار عام 1993. وذكرت الدراسة ان قطاع الدواء العربي تأثر تأثيرا مباشرا بالحصار المفروض على العراق وأدى لتدهور انتاجه في حين ان العراق كان يستحوذ على 12% من الانتاج الدوائي العربي بقيمة 165 مليون دولار مشيرة الى تطورات ايجابية عربية في مجال صناعة الدواء خلال الفترة الماضية حيث تمكنت دول عربية عديدة من تغطية نسبة مرتفعة جدا من استهلاكها تضاهي نظيرتها في الدول المتقدمة ومنها مصر التي تغطي 93% من استهلاكها مقابل 85% للمغرب و75% لسورية و40% للاردن و30% لكل من دولة الامارات العربية المتحدة ولبنان والسعودية واليمن.

واقترحت الدراسة ان تتعامل الدول العربية مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية المتعلقة بالدواء مثلما تتعامل الدول التي لها نفس ظروفها الاقتصادية مثل الهند والصين التي تعارض التطبيق الفوري لبراءات الاختراع وتطالب بحق الترخيص الاجباري لمستحضرات الشركات الخاصة، وكذا المساهمة المادية والفنية في الابحاث والتطوير والاستفادة من الفترة الانتقالية التي تمنح للدول النامية وفقا للاتفاقية ومدتها عشر سنوات.

واضافت الدراسة ان المرحلة الحالية تتطلب وضع استراتيجية لصناعة الدواء العربي انتاجا واستهلاكها وتسجيلا وتسويقا بما يحقق التكامل في منظومة هذه الصناعة لمواجهة القيود الفنية لاتفاقية حقوق الملكية الفكرية والتي تشكل قيدا مستقبليا على صناعة الدواء العربية، وكذا انشاء مركز عربي متخصص في مجال البحوث والتطوير للصناعات الدوائية والمنتجات المتممة لها يساهم في تمويله صناديق التمويل العربية، وتشجيع الاستثمار في الصناعات الدوائية والمستحضرات الصيدلانية كاستثمار عربي مشترك أو تعاون في مجال الانتاج والسعي لاستقدام التكنولوجيا المتطورة من الدول الرئيسية في هذا المجال مع التركيز في هذا الخصوص على الخامات الدوائية علاوة على انشاء قاعدة معلومات متخصصة من خلال برنامج تمويل التجارة العربية تضم مراكز البحوث العالمية في مجال الصناعات الدوائية والخبراء ومنافذ التوزيع وقواعد تسجيل الدواء، مع ارساء قاعدة الاعتماد المتبادل في هذا الصدد بحيث يعتبر الدواء العربي المسجل في احدى الدول معتدا به في الدول الاخرى، وكذلك تعديل لوائح المناقصات الدولية التي تطرح في الدول العربية بحيث تمنح مزايا تفصيلية للدواء المنتج في الوطن العربي، مع التوجيه بهذا المضمون للمستشفيات الكبرى في الدول العربية بالتركيز على توصيف الدواء المنتج من منشأ عربي، والدخول في اتفاقات للاعتماد المتبادل لقواعد تسجيل الدواء العربي مع الدول الاخرى خاصة الافريقية لتحقيق انسياب الصادرات الدوائية العربية في اسواق الدول من دون معوقات واعادة النظر في التعريفة الجمركية المعمول بها في مجال تجارة الدواء.

الإنتاج المصري وتوقعت الدراسة ان تبلغ قيمة الانتاج المصري من الأدوية العام الحالي نحو 3 مليارات جنيه تغطي حوالي 71% من الاستهلاك الذي ينتظر ان يقفز الى 7.3 مليار جنيه، وان يتجاوز الانتاج العام المقبل 3 مليارات و319 مليون جنيه بنسبة 78% من الاستهلاك البالغ 4 مليارات و90 مليون جنيه، معللة التراجع في نسبة تغطية الانتاج المحلي للاستهلاك من 93% حاليا الى 78% العام القادم بالزيادة السكانية المتوقعة وكذا تزايد حصة الفرد من الاستهلاك الدوائي، واشارت الى ان هيكل قطاع الدواء المصري يضم 43 مصنعا منها 10 مصانع حكومية تابعة للقطاع العام مقابل 33 مصنعا للقطاع الخاص، وان الاستثمارات الموظفة في مجال التصنيع الدوائي موزعة بواقع 45% للقطاع العام مقارنة بنحو 55% للانتاج المشترك والقطاع الخاص، وان متوسط نصيب الفرد من استخدام الدواء في مصر قفز من 4.32 جنيه عام 90/91 الى حوالي 75 جنيها العام الحالي، وان القطاع الدوائي في مصر يستورد نحو 80% من المواد الخام والفعالة لتصنيع الدواء وكذلك مستلزمات الانتاج والمواد الداخلة في التعبئة والتغليف، وان الصادرات الدوائية المصرية تجاوزت 8.213 مليون جنيه عام 2000 ومن المنتظر ان تبلغ 310 ملايين جنيه العام الحالي في ضوء تأسيس شركة دواء مصرية افريقية مشتركة والسماح بتسجيل الدواء المصري في العديد من اسواق الدول الافريقية في اطار اتفاقية الكوميسا لدول شرق وجنوب القارة السمراء، وان دول اليمن والسعودية والعراق ورومانيا وليبيا تحتل صدارة القائمة المستوردة للدواء المصري. وان مصر تخطط لزيادة قيمة صادراتها من الأدوية للدول الافريقية ورومانيا والصين وفيتنام وباكستان وبنجلاديش التي تتجاوز وارداتها الدوائية سنويا حوالي مليار و7.40 مليون دولار.

واتهمت الدراسة شركة زيم الاسرائيلية بالسعي لمحاصرة الصادرات الدوائية المصرية للاسواق الخارجية مشيرة الى ان هذه الشركة التي تحتكر خدمات النقل البحري لمنطقة دول البحر الاسود تتعمد افساد عمليات تصدير الدواء المصري لهذه المنطقة الواعدة والتي تتجاوز قيمة وارداتها الدوائية نحو 5.2 مليار دولار سنويا، كما انتقدت الدراسة تعسف الاجراءات في بعض المنافذ الحدودية العربية لاسيما الاردنية في مواجهة الصادرات الدوائية المصرية المتجهة لاسواق دول مجلس التعاون الخليجي موضحة انه برغم انخفاض تكاليف الشحن عن طريق الاسطول الاردني الا ان الاجراءات المتعلقة بتفريغ الشاحنات وعدم السماح لها بالمرور عبر الاراضي الاردنية، وطول اجراءات التصاريح يعرضها للتلف، وكشفت الدراسة عن عدم وجود أية آلية للتأمين على الصادرات الدوائية ضد المخاطر في الاسواق الافريقية ودول الكومنولث المستقلة، بالاضافة الى ارتفاع سعر وثائق الضمان لاسيما في ظل رفض شركة ضمان الصادرات المصرية التأمين على الشحنات في البلدان ذات المخاطر الامر الذي يضعف من الصادرات الدوائية المتجهة لاسواق تلك الدول.

ورصدت الدراسة معوقات صناعة الدواء في مصر واثرها على العملية التصديرية (محددة) تلك المعوقات في ندرة المواد الخام والوسيطة اللازمة للتصنيع الدوائي والتي تتراوح تكلفتها عند الاستيراد ما بين 60% و80% من قيمة الخامات الدوائية المنتجة علاوة على الارتفاع المستمر لتكلفة تلك المواد نتيجة عدم استقرار اسعار صرف العملات الاجنبية مما يشكل اعباء اضافية على الشركات المنتجة، علاوة على مشكلة التسجيل مع الدول العربية والتي تستغرق فترة طويلة تصل في بعض الاحيان الى ثلاث سنوات تخضع خلالها المنتجات المصرية لمراحل واختبارات لا يخضع لها المنتج الاجنبي المماثل، وكذلك فقد السوق الروسي الذي كان يعتبر أهم الاسواق لتصدير الدواء المصري حيث يكاد يكون الان مغلقا على الدواء الاوروبي والاميركي بموجب قانون حق الانتفاع حيث سنت الحكومة الروسية قانونا يقضي بمبادلة بعض المنتجات المطلوبة للسوق ومنها الدواء مقابل استغلال المناجم وحقول الغاز والنفط بدلا من السداد الفوري لفاتورة الاستيراد امام تقلص موارد البلاد من النقد الاجنبي، ونقص المعلومات المتوافرة عن بعض الاسواق نتيجة ضآلة التمويل الموظف لدراسات السوق وبرامج التمويل والدعاية في الاسواق الخارجية الامر الذي يقلل من فرص الوجود في هذه الاسواق الحكومية بها والتي تعتبر أهم المنافذ التصديرية لاسواق تلك الدول لاسيما ان هذه المناقصات لا تشترط تسجيل الاصناف الدوائية المعروضة بها وايضا ضراوة المنافسة في الاسواق الخارجية لصناعة الدواء التي تتجاوز قيمة مبيعاتها العالمية سنويا نحو 300 مليار دولار تستحوذ الشركات الاميركية منها على 30% مقابل 30% اخرى للشركات الاوروبية مقارنة بنحو 21% للشركات اليابانية و19% لباقي دول العالم =