اقتصاديون : الاحتكار يهدد مستقبل قطاعات الخدمات والاتصالات والأدوية المصرية

صفقات الاندماج والاستحواذ بلغت 36 عملية العام الماضي بقيمة تجاوزت 10مليارات جنيه

TT

مع التحول نحو الاقتصاد الحر وانكماش دور الحكومة في السوق، وفي ظل غياب قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار أصبح المناخ مهيئا بسهولة لظهور الاحتكارات في السوق المصرية خاصة خلال العامين الماضيين، حيث باتت هذه الاحتكارات تستحوذ على حصص كبيرة في قطاعات حيوية كالاسمنت والصناعات المعدنية والأسمدة الكيماوية والصناعات الغذائية والاتصالات فيما تخطط للسيطرة على قطاعات أخرى في مقدمتها الأدوية والكهرباء والتجارة الداخلية في الفترة المقبلة.

وحسبما يؤكد الباحث الاقتصادي عبد الفتاح الجبالي فإن موجة من صفقات الاندماج والاستحواذ اجتاحت السوق المصرية خلال السنوات الأخيرة، وان وتيرة الموجة تصاعدت خلال عامي 1999و2000 حيث ارتفعت عمليات الاندماج والاستحواذ من 7 عمليات عام 1997الى 47عملية عام 1999ثم 36 عملية العام الماضي، موضحا ان قيمة هذه العمليات قفزت من 6 مليارات جنيه عام 1997 الى 10 مليارات جنيه العام الماضي.

واشار الى أن عمليات الاستحواذ كانت الأكثر أهمية من حيث الاعتماد عليها لتكوين أوضاع احتكارية في العديد من القطاعات البارزة، موضحا ان صفقات الاستحواذ زادت من 4.6 مليار جنيه عام 1999موزعة على 444عملية الى 9 مليارات جنيه العام الماضي موزعة على 29 صفقة، وان معظم الصفقات تمت عبر شركات أجنبية متعددة الجنسيات في مقدمتها شركة جلاسكو ويلكام الانجليزية في قطاع الدواء وشركة شيبسي العالمية في مجال الصناعات الغذائية.

واضاف ان وجود بورصة للأوراق المالية ساعد على تسهيل صفقات الاستحواذ من خلال التفاوض مع مالكي أكبر كمية من الأسهم، علاوة على جميع الأسهم الأخرى المحدودة المملوكة لآلاف صغار المساهمين الذين يضطرون لبيع حصصهم نتيجة فرض المشتري الجديد لسياسة الأمر الواقع فضلا عن اغرائهم للبيع باسعار مرتفعة لن تتكرر في المستقبل، مشيرا الى أن عمليات خصخصة شركات قطاع الاعمال العام التي يتم طرحها لمستثمر رئيسي غالبا ما يكون مستثمرا أجنبيا تنطوي على صفقة مركبة تتضمن السيطرة على الجانب الأكبر من الأسهم ونقل الملكية من الدولة للقطاع الخاص، والتدويل نتيجة انتقال أغلبية الأسهم لمستثمر أجنبي فضلا عن نشوء أوضاع احتكارية لبعض الشركات التي يتم خصخصتها وتسيطر على حصة كبيرة من السوق المحلية خاصة في ظل غياب ضوابط قانونية تمنع مستثمرين أجانب متحالفين معا من السيطرة على 100% من أسهم الشركة العامة محل الخصخصة.

وحدد رئيس قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور محمود عبد الفضيل 3 أنواع ذات طبيعة احتكارية تهدد السوق المصرية في مقدمتهم اقسام السوق بين شركتين رئيسيتين كما يتضح في سوق التليفون النقال التي تسيطر عليه شركتا موبينيل 57% وكليك 43% وكذا المياه الغازية ومنتجات الألبان علاوة على احتكار القلة، حيث تسيطر مجموعة محدودة من الشركات أو الافراد على الحصة الأكبر، موضحا ان هذه النوعية من الأوضاع الاحتكارية تتركز في السلع الاستراتيجية كالاسمنت والحديد والاغذية والمشروبات، مشيرا الى أن حصة الشركات الأجنبية في قطاع الاسمنت بلغت 36% ومن المتوقع ان تتجاوز 46% في حالة بيع الحصص المطروحة من شركتي حلوان والسويس للاسمنت لمستثمرين أجانب.

وأوضح الدكتور عبد الفضيل أن النوعية الثالثة من الأوضاع الاحتكارية التي ظهرت في السوق المصرية تهدد أكثر القطاعات حيوية ومساسا باحتياجات المواطنين وهو قطاع التجارة الداخلية وتتمثل في شيوع المنافسة الاحتكارية بمعنى وجود العديد من البائعين الذين يتعمدون تمييز منتجاتهم عن طريق العلامات التجارية والدعاية والاعلان مما يؤدي لخلق مزايا احتكارية في مجال التسعير، محذرا من وجود مخاطر وشبهة تشوب أوضاع احتكارية خطيرة في بعض قطاعات الخدمات الحيوية منها قطاع المستشفيات الذي شهد جدلا كبيرا حول اندماج 7مستشفيات مصرية خاصة بتأسيس شركة قابضة بمساهمة شركة أنجلو ايجيبشيان البريطانية بواقع 65% لأصحاب الشركات السبع المندمجة مقابل 35% للشركة الأجنبية، وكذلك قطاعي الاتصالات والكهرباء والمطارات التي تعد الحكومة خطة مكثفة لاسراع معدات الخصخصة بها خلال العام الحالي.

ونبه الدكتور مصطفى الى أن احتكار تلك القطاعات المختصة بتقديم خدمة السلع العامة للمواطنين يؤدي الى ممارسة اساليب احتكارية للتسعير لن تتناسب مع القدرة على الدفع لمستهلكي الطبقة الوسطى، موضحا ان الأوضاع ستكون أكثر خطورة بالنسبة لمحدودي الدخل، الأمر الذي يؤكد انه في ظل عمليات الخصخصة والتحرير الجاري للأسعار مع غياب قانون لحماية المنافسة ومنع الاحتكار فإن السوق المصرية بات مهيئا لوجود أوضاع احتكارية خطيرة خاصة في سوق بعض السلع والخدمات الرئيسية المؤثرة.

ورصد تقرير للمجلس القومي المصري للانتاج والشؤون الاقتصادية اسبابا أخرى تمهد لظهور أوضاع احتكارية في قطاعات مختلفة أهمها التسرع في خصخصة بعض شركات قطاع الاعمال العام التابعة لقطاعات حيوية كالاسمنت والأسمدة لمستثمر أجنبي بدون الأخذ في الاعتبار انتفاء الحس الوطني لدى الشركات الأجنبية، بالاضافة الى وجود قدرات مالية هائلة لعدد محدود من الافراد منذ بدء الانفتاح الاقتصادي في عقد السبعينات من القرن الماضي.

وذكر المجلس مظاهر احتكارية أخرى في قطاعات وسلع مختلفة منها السكر والذرة الصفراء والأخشاب بالاضافة الى تحكم بعض كبار التجار في التسويق المحلي للخضر والفاكهة التي تتجاوز قيمتها الاجمالية 18 مليار جنيه وكذا تجارة الدواجن والجلود. كما حذر من لجوء البعض لاستخدام كل الوسائل الاحتكارية لفرض وصايتهم وسيطرتهم على السوق من خلال محاولات الضغط لفرض رسوم الاغراق بصرف النظر عما اذا كان يتفق مع المصلحة العامة وذلك حتى لا ينافسهم أحد في السلعة المطلوب فرض رسوم الاغراق عليها.