أبو داوود: لدي ملاحظات على قانون الاستثمار الأجنبي أتمنى معالجتها

رئيس مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية لـ«الشرق الأوسط»: أطلب إعفائي من رئاسة غرفة جدة * العاجز من يضع أمواله في البنوك ويجني فوائدها * الشاب خلف جرة الفول أنفع لنفسه من البقاء بدون عمل

TT

يفضل دائما اسماعيل أبو داوود رجل الأعمال الأشهر في السعودية الابتعاد عن الإدلاء بأحاديث صحافية، ويرى بأنها قد لا تكون مناسبة في أي وقت. أبو داوود أو «شهبندر التجار» كما يُعرف، بعد عدة محاولات وافق على اجراء الحوار التالي بدون شروط.

ابو داوود البالع من العمر 80 عاما، يشغل عدة مناصب، وله دور كبير في تطوير مفهوم الغرف التجارية العربية والاسلامية والسعودية منذ عشرات السنين.

ويتميز بصراحته المطلقة وشخصيته القوية، ويحظى باحترام الجميع، لدرجة تحسم معها العديد من المشاكل التجارية العائلية حين يطلب منه التدخل لحلها، وذلك بحكم «دلالة» على التجار والصّناع وكلمته المسموعة بينهم.

ويوم الحوار معه، كان اجازة نهاية الأسبوع وبالرغم من ذلك لم يتوقف هاتفه عن المتصلين للسؤال عنه أولا والحديث عن الأعمال وهموم التجار، وامتد الحوار الذي كان محددا له ستين دقيقة لأكثر من ساعتين ونصف الساعة.

علاقته بالقيادة السعودية يعلم كل من يعرف اسماعيل أبو داوود وثيق علاقته بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز والأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني والأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وكل المسؤولين بحكم تاريخه، ودوره في التفاعل الإيجابي مع العديد من القضايا التي تهم التجار ورجال الأعمال، وهو رجل «وطني» يحسب كل ما يقوله ويفعله وهمه خدمة مجتمع وطنه ومجتمع رجال الأعمال والناس.

وتحدث أنه في مرة قال لخادم الحرمين الشريفين في إحدى المناسبات ان «التاجر مجاهد يجمع الأموال من هنا وهناك ولكنه ليس جشعا، فالمال الذي عنده يجب المحافظة عليه، والربح المعقول ليس طمعا».

ونقل أبو داوود عن الملك فهد قوله: ان رجال الأعمال فيهم الخير ويرجى منهم التعاون والعمل على أن يكون الاقتصاد الوطني ناجحا ومثمرا، من دون مبالغة التجار في الأسعار، خاصة أنهم مواطنون ومسؤولون أيضا عن توفير كل ما يحتاجه الفرد من سلع وخدمات بأسعار معقولة تناسب مداخيل الجميع».

التخفيض الجمركي عند الحديث مع أبو داوود عن الغرف التجارية السعودية وهمومها قال: نحن في الغرف السعودية نقف في منتصف الطريق بين الدولة ورجال الأعمال والمواطنين، والغرفة تحاول حل المشاكل، فهي تحارب استغلال التجار، وتتقدم للجهات المختصة بآراء من أجل دعم الاقتصاد وتطويره، وفي المقابل نجد دائما من المسؤولين القبول والصبر على أخطائنا إن وجدت. ودلل على ذلك بقوله: مثلا التخفيض الذي تم على الرسوم الجمركية أخيرا من 12 الى خمسة في المائة، لم يأت من فراغ فالمسؤولين علموا ما المشكلة وحلوها، وبالنظر إلى القرار نجد أن الجميع ربح به، ومن خلال التخفيض تم ايجاد وفر يصل الى سبعة في المائة يستفيد من القاصي والداني في هذا البلد، وبقي التنافس الشريف قائما، وعليه فإن التاجر مجبور على منافسة الآخرين، وإذا تأخر في تفعيل القرار وتصريف السلع التي اشتراها بالسعر القديم فإن غيره سوف يبيع أكثر في السوق، وهو سيبقى على حاله، ولا تنس المقولة «القليل في القليل كثير».. ونجاح الانسان في القليل يجعله يكّون ثروة.

* هل تمت مخاطبات بين الجهات المختصة ومجلس الغرف التجارية السعودية بشأن التخفيض الجمركي لبحث رأيكم فيه؟

ـ القيادة السعودية وجميع المسؤولين، يعملون ويسمعون من الجميع لما فيه مصلحة الكل، وبالنظر إلى هذه الخطوة، دعني أقول لك شيئا، هل ترى أن زيادة رواتب الموظفين خير أم تخفيض الرسوم الجمركية، وبالتالي أسعار السلع؟ كموظف يهمك زيادة الراتب، لكن العامل في المصنع أو سائقي سيارات الليموزين سيستفيدون هم أيضا من تراجع الأسعار المتوقع بعد التخفيض الجمركي. والدولة تنظر في مراعاة مصالح الناس بأي وسيلة كانت.. والجميع يعلم بأن الثروة التي مَنْ الله بها علينا في هذه البلاد كلما زاد الانفاق منها.. ارتفع مستوى البلاد والتطور فيها والانتعاش الاقتصادي... وأيام الطفرة ولت، حين كنا نصرف بدون حساب، ومرت علينا أيضا أيام الشدة، واليوم عاد الوضع إلى أحسن من ذي قبل، ويجب أن نفهم هذا العصر، وضرورة التأكيد على عدم فصل التاجر عن المواطن وخلع ثوب المواطنة عنه.

قانون الاستثمار الأجنبي

* بالنظر إلى قانون الاستثمار الأجنبي الجديد، ما رأيكم فيه؟

ـ قدمنا إلى المسؤولين عدة ملاحظات نرى أن لها دوراً في تحسين المناخ الاستثماري في البلاد.

* ما هي هذه المقترحات؟

ـ لا أستطيع الكشف عنها.

* في الوقت الذي تدعو فيه البلاد الأجانب للاستثمار هنا، البعض من أبناء هذا البلد دشنوا حديثا مشروعات صناعية وسياحية جديدة في الخارج، أليس هذا تناقضا؟

ـ هذا صحيح، ويمكن أن يكون ذلك من فائض المال، لكن الحوافز لرجل الأعمال السعودي وغيره واضحة للاستثمار داخل البلاد، وكون الاقتصاد حراً، فالمستثمرون أيضا لهم الحرية في فتح مشاريعهم هنا أو في الخارج. جرة الفول

* الجميع يتوقع أن يكون لمشاريع الغاز وغيرها التي تم الاتفاق فيها بين الدولة وثماني شركات متعددة الجنسيات، دور في استيعاب العدد الأكبر من العاطلين عن العمل من المواطنين، هل تتفق مع هذه المقولة؟

ـ صدقني أكثر من مشروع سوف يمتص نسب العاطلين عن العمل... ولكن دعني أقول شيئا قبل تلك الوظائف، هناك أعمال لم يعد الشباب ينظرون إليها.. هل ترى أحدا الآن يقف خلف جرة فول أو أمامه قدر هريسة، مع أن أباءنا كانوا يبيعون الفول والهريسة واستطاعوا من خلاله إطعام أولادهم والتكسب من ورائه، كان أباؤنا يعملون بأنفسهم، لماذا الترفع الآن عن تلك المهن، فليس عيبا أن يعمل الشاب في هذه الأماكن ولصالحه وزيادة دخله، ويمكنهم في المساء قضاء ساعات الترفيه في أرقى الأماكن وبأحسن هندام من دون تأفف من أعمالهم الشريفة.

المراد قوله هنا بأن بعض الشباب السعودي مرفه ولا يعرف أهمية العمل، ويتحججون بأن هذه الأيام اختلفت عن الماضي وليس بالضرورة القيام بهذه الأعمال، طالما أن هناك آخرين يمكنهم القيام بها، رغم أن الخير في تلك المهن.

الخلافات التجارية العائلية

* في الوقت الراهن هناك عدة مشاكل في البيوت التجارية تظهر على السطح، وأعلم أن لكم دورا في حل عدد كبير من هذه المشاكل وديا، هل توافقونني الرأي بأن الجيل الثاني أو الثالث قد يضيع ما بناه الآباء؟

ـ صاحب المال الأساسي مسؤول عن ما يحصل بعد وفاته، فالتنظيم وتقسيم العمل والمهام بالعدل بين، ابنائه يكفلان استمرار المنشأة حتى بعد وفاته، والمشكلة العائلية تنشأ أصلا من تعدد الزوجات والابناء، فالاخوان يكرهون بعضهم، وكل أم غير واعية قد تتسبب في التفرقة بين الأخوان. والمهم هنا التربية وعلى كل انسان أنعم الله عليه وتزوج، أن يعي أهمية تلك المسؤولية، و أن يوفر لأسرته وأولاده الخير والتربية السليمة، ويكون ذلك بالتعاون بين المنزل والمدرسة.

* هناك اتهام بأن الغرفة مقصرة في دعم المؤسسات الصغيرة، ما ردكم؟

ـ هذه العبارة أو النغمة دائما أسمعها على الدوام، ففي كل مناسبة ندعو ما بين ستمائة وألف جهة، ويوم الاجتماع يحضر 10 في المائة فقط، والأسباب المشاغل وعدم الاهتمام، أو سوء تفاعل مع الحدث، أو تجاهل لدور الغرفة. وعندما تكون هناك دعوة أو زيادة إلى دولة ما تأتي الردود ضعيفة.

ولكن الرحلة الأخيرة إلى اليمن، وتعرف أهميتها كدولة شقيقة، كان الأمر مختلفا تماما، وقد كنت مقدرا عدد الوفد بـ30 رجل أعمال فقط، ومن حسن الحظ أن المغادرين إلى هناك كانوا 87 رجل أعمال، ادراكا منهم بأهمية الزيارة. ولقوا استقبالا كبيرا من قبل المسؤولين ونظرائهم من رجال الأعمال ونجحت الزيارة بشكل ممتاز.

انتخابات غرفة جدة

* الانتخابات المرتقبة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل أخذت قدرا كبيرا من الاهتمام والحديث، ما تعليقكم على ذلك؟

ـ لكل حادث حديث، والمثل يقول «لما يخلق نسميه» وبيننا وبين الانتخابات خمسة أشهر، وما يكتب في الصحف الآن مجرد حدس وتخمينات واجتهادات، وعندما يأتي موعدها ـ أي الانتخابات ـ سنعرف من المرشحين وقوائمهم. وأي كلمة أقولها في هذا الشأن الآن لا تستند الى أمر واقعي بحكم عدم وضوح الصورة، صحيح أن هناك إعدادا وخططا وبرامج انتخابية إلا أنها حتما ستكون غير معلنة.

* هل أتنوي ترشيح نفسك في الانتخابات المقبلة؟

ـ أعلنت قبل الانتخابات السابقة عدم رغبتي العمل في الغرفة، بحكم وضعي الصحي، وأنا لا استطيع الآن أن أعمل، وأشعر أنني عاجز عن العمل، ولقد قضيت الأربع سنوات الماضية بناء على رغبة المقام السامي، والآن أقول انني لا أقدر ولا استطيع أداء المهمة، وعلى العموم متى ما اراد أحد الاستماع إلى رأيي فـ«في بيته يؤتى الحَكم».

* من هو الرجل المناسب لخلافتك في منصب رئاسة غرفة جدة؟

ـ ليس لي خلافة.. وأطلب من اخواني أن يعفوني، فليس بعد عمر 80 عاما جهد أو عمل، والجيل الجديد فيهم الخير والبركة، ورجل الأعمال متى ما أصبح ناجحا فإن ذلك دليل على وعيه وحسن تفكيره وقدرته على أداء العمل وممارسة التجارة أو الصناعة بشكل سليم. وعندما يسألني أحد من المنتخبين غدا عن أمر ما فبابي مفتوح له، وسأنصحه بكل أمانه، وحقيقة وبدون ذكر أسماء، أنا أشعر أن من سيرشح نفسه سيكون مدركا للواجب الذي سيؤديه.

* يقال بأن أعضاء مجلس الادارة أيضا يغيبون عن الاجتماعات الدورية ولسنوات؟

ـ لا... لا.. (قالها بتكرار) رجال الأعمال المختارون لعضوية المجلس أرباب أعمال، وأغلبهم مسافرون، فكيف تستطيع جمعهم في وقت واحد، وعندما تأتي الفرص لدعوة أعضاء المجلس يكون نصفهم مسافرون ونصفهم حاضرون، فلا تستطيع جدولة المواعيد بأكثر مما هو قائم، خاصة أن ظروفا قاهرة قد تمنع البعض من الحضور.

* هل خسر المرشح السعودي الفوز بمنصب الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية العربية؟

ـ رأيي أن يكون الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية العربية غير سعودي.. وهذا رأيي الخاص، أقوله بحكم ممارستي خلال 28 عاما مضت في هذا الاتحاد، خاصة مع وجود عناصر لا تتواءم مع بعضها أصبح كل ما تقوله خاطئا وما يقولونه صوابا، وكل ما تعرض شخصية عرضوا أخرى من جانبهم وأصروا عليها، وفي حال الرغبة في التطوير يتم تجميد كل شيء من دون عمل.

** سيرة ذاتية ولد إسماعيل أبو داوود عام 1916 في جدة، وبدأ حياته معلما في مدرسة دار الفلاح وبدون راتب طوال عامين، وفي العامين التاليين تقاضى راتبا شهريا قدره عشرون ريالا، وترك مدارس الفلاح في نهاية عام .1933 وعمل أبو داوود مساعدا لمأمور أدوات السيارات في الشركة الشرقية المحدودة، التي يملكها المستر فيليبي، واستمر معه حتى عام 1936، حيث التحق بوظيفة مأمور مستودع في نقابة التعدين، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية استغنت الشركة الشرقية المحدودة عن كثير من موظفيها وزاد راتبه الى 800 ريال، وعمل خلال هذه الفترة مع «نويتشل»، وهو الشخص الذي ساعد على اكتشاف الزيت في السعودية. وبدأت رحلة أبو داود بالتجارة مع أخيه، وفي إحدى رحلاته إلى أوروبا عام 1953 تعرف على شركة بروكتر آند جامبل، التي يرتبط بها عمله التجاري حاليا على أساس صناعي وتجاري. وكان عمله مع الشركة حتى عام 1956 متركزا على الاستيراد. وعرض على الشركة إنشاء مصنع لمساحيق الغسيل في السعودية، وجاء الرد بعد ثلاث سنوات، وفي عام 1959 تم توقيع عقد إنشاء المصنع. أبو داوود له خبرة 40 عاما في مجال التجارة والصناعة، كما له دور كبير في تأسيس الغرفة التجارية الصناعية في جدة.

وانبثقت فكرة إنشاء أول غرفة تجارية في جدة عام 1946 بعد أن رأي عدد من رجال الأعمال ضرورة وجود كيان يزيد من ترابطهم وتلاحمهم خاصة أن لكل منهم مصالح مترابطة.