إنتاج البرمجيات المصرية تواجه مصاعب التمويل وارتفاع طلب الضمانات على المشروعات التكنولوجية

حجم الإنتاج لم يتعد الـ50 مليون دولار سنويا والبنوك تطلب ضمانات للمخاطر العالية في القطاع

TT

في حين وصل حجم الإنتاج لصناعة البرمجيات في دولة مثل الصين إلى نحو 30 مليار دولار سنويا فإن إنتاج نظيرتها المصرية لم يتعد حاجز الـ50 مليون دولار، وعلى الرغم من الرعاية التي توليها الجهات الرسمية في مصر لصناعة البرمجيات والمتمثلة في تخفيض الجمارك وإلغاء ضريبة المبيعات وكذا العمل على ميكنة الأعمال الحكومية ووضع خطط ضخمة للتدريب، إلا إن الإنتاج المصري من هذه الصناعة لم يتمكن من الصعود بمعدلات كبيرة، ولا شك أن البرمجيات تعد من الصناعات الناشئة التي تواجه العديد من المصاعب على كافة المستويات، وتعتبر عملية تمويل المشروعات التكنولوجية أهمها على الإطلاق حيث يكتنفها العديد من المخاطر لاعتمادها على إبداع وابتكارات العقول البشرية، وحتى تتحول هذه الأفكار إلى واقع ملموس فإنها تحتاج إلى رؤوس أموال هائلة، والمشكلة الحقيقية تكمن في عدم التأكد من نجاح تلك المشروعات بصورة أكيدة مما يجعل الجهات المالية كالبنوك تعزف عن تمويل هذه المشروعات لاحتياجها إلى ضمانات عينية تكفل للمول حماية أمواله من الضياع المحتمل في قيام هذه الصناعة الفكرية. ويفسر المهندس رأفت رضوان مدير مركز المعلومات بمجلس الوزراء ـ إحجام البنوك عن تمويل المشروعات المرتبطة بصناعة البرامج نظرا لارتفاع مصروفاتها الجارية وانخفاض الاستثمارات التي توضع فيها بمعدلات سريعة، حيث تشير الدراسات التي قام بها مركز المعلومات إلى أن أسرع الطرق لتنمية هذه الصناعة هو فتح السوق المحلي لمنتجاتها، مبينا أن تشجيع الصناعات التكنولوجية المتطورة يبدأ من زيادة الطلب على الخدمة المحلية الذي يؤدي بدوره إلى ارتقاء الجودة الفنية وبالتالي نستطيع الدخول في المنافسة على المستوى العالمي، وخير مثال على ذلك تجربة سنغافورة حيث قامت بميكنة جميع الأنشطة المرتبطة بالصناعات التصديرية بواسطة شبكة تجارية تربط جميع المصدرين والمستوردين، مما اضطرهم إلى ميكنة جميع الإجراءات والمستندات التي يصدرونها وأدى هذا الأمر في النهاية إلى زياد الطلب على الحاسبات الآلية والبرامج المتصلة بها وتعاظمت الفائدة لسلسلة الواردات والصادرات، مما شجع العديد من الشركات الأجنبية إلى نقل أنشطتها إلى سنغافورة.

ويقول مدير إدارة الإقراض ببنك القاهرة أسامة عبد الحليم ــ إن البنوك المصرية تقوم بدعم كافة المشروعات الوطنية إلا أنها لا تقبل المغامرة بأموال المودعين لذا تشترط وجود عقود مسبقة جاهزة للبيع لتمويل البرمجيات، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون هذه المشروعات قصيرة الأجل بسبب التغيرات السريعة التي تطرأ على التكنولوجيا في كل لحظة، موضحا أن المؤسسات المالية تقوم بتمويل البنية الداخلية لشركات المعلومات وكذا الأجهزة والمعدات بعد إجراء دراسات دقيقة والحصول على ضمانات مرتفعة نظرا للمخاطر العالية في هذا القطاع، أما بالنسبة لتمويل إنتاج البرامج أو التسويق وكذا أبحاث التطوير والتدريب فغالبا ما تحجم البنوك عنها لأنها لا تستطيع تمويل عقول أفراد لأن ذلك يتطلب أجهزة فنية على مستوى عال تستطيع تقييم هذه البرامج وتحديد احتياج السوق لها، حيث أنها قد تكون جيدة ولكن ليس عليها طلب وهذا ما واجهته كثيرا من الشركات العالمية.

أما المهندس يسري المغازي رئيس إحدى شركات البرمجيات ــ فيوضح أن التمويل المتاح لصناعة التكنولوجيا يتم عادة في الدول المنتجة من خلال أسلوبين، أولهما وجود صناديق متخصصة للاستثمار تقوم بالاشتراك في تملك المشروع وتستفيد من الأرباح السنوية وغالبا ما تركز على المشروعات الآمنة مثل الاتصالات، أما النوع الآخر فيتمثل في شركات رأس المال المخاطر والتي تبحث عن الأفكار العبقرية ذات الأرباح العالية التي يمكن أن تعوض الخسائر في المشروعات التقنية الأخرى، مبينا أن هذه الشركات يجب أن تكون على دراية كاملة بالاتجاهات العالمية في مجال البرمجيات واحتياجات وقدرات السوق المصري حتى يتسنى لها اختيار أفضل المشروعات التي تشارك فيها، على أن تبيع حصصها بعد تحقيق أرباح سواء من خلال الاكتتاب العام أو بالبيع المباشر لشركات محلية أو عالمية.

ويؤكد د. محمد عبد الفتاح عضو مجلس إدارة جمعية التكنولوجيا المتقدمة ــ على أن صناعة البرمجيات أصبحت من القطاعات الواعدة نتيجة اهتمام الدولة بها على كافة المستويات، وأن تزايد استخدام الشباب لأجهزة الكومبيوتر والإنترنت وانتشار منتجات التكنولوجيا ينبئ بارتفاع كبير في الطلب على السوق المحلية ومن ثم الاستعداد للمنافسة على النطاق العالمي، مشيرا إلى أهمية الدور الذي يقوم به رجال الأعمال والقطاع الخاص في الاتجاه نحو الاستثمار في هذا المجال وإمكان الحصول على نصيب مرتفع من السوق وليس فقط النظر للأرباح المتحققة خلال الوقت الحالي.