موازنة لبنان للعام 2001: تفاقم الدين العام يجهض جهود الإنقاذ والخروج من الركود

TT

باستثناء التأخير لما يزيد على سبعة اشهر باقرارها في موعدها الدستوري، لم تحمل الموازنة العامة اللبنانية التي اقرها المجلس النيابي اول من امس اي تبدلات حقيقية في شكلها ومضمونها قياساً بموازنات الاعوام السابقة.

واذ يعتبر وزير المال فؤاد السنيورة ان تغييرات جدية طرأت على هيكلية الموازنة وخصوصاً لجهة «مصداقية الارقام الواردة» في بندي الايرادات والنفقات، وهو امر لا يمكن تأكيده الا بعد انتهاء السنة المالية، فقد كان واضحاً في مداخلات النواب التي تناولت الشأن المالي التركيز على غياب الخطة الموازية للمعالجة الاقتصادية الشاملة وغياب الوصف الدقيق لاعادة هيكلة الدين العام.

وفي الواقع، فإن موضوع الدين يبقى العقدة الاصعب في مسار المعالجة الاقتصادية والخروج من دائرة الركود الشامل رغم الاجراءات المتتابعة التي اتخذتها حكومة الرئيس رفيق الحريري منذ تسلمها مهامها خريف العام 2000 والتي لقيت ترحيباً ودعماً من قبل القطاعات الاقتصادية العاملة، كما لقيت استحساناً من الخارج والهيئات والمؤسسات الدولية تم التعبير عنه بأشكال متعددة غلب عليها الطابع المعنوي، فيما تطمح الحكومة الى تجسيده بمساعدات وقروض انطلاقاً من محطة «مؤتمر باريس 2» الذي يتم التحضير لعقده بعد اشهر في احدى العواصم الاوروبية.

وبحسب الارقام الصادرة عن وزارة المال، فان ارقام الدين العام ترتفع بوتيرة سنوية تتجاوز نسبتها 17 في المائة. ويقدر ان يكون مجموع الدين قد تجاوز 25.5 مليار دولار منتصف العام الجاري، وهو مرشح لتجاوز رقم 28 مليار دولار، على اقل تقدير، بنهاية العام، اي ما يوازي 170 في المائة من الناتج المحلي، وهو من اعلى المعدلات السلبية في العالم، وسيقود حكماً الى استمرار التصنيف السلبي للديون الحكومية اللبنانية، ويقود تالياً الى انخفاض تصنيف مؤسسات القطاع الخاص، وبالتحديد المصرفي والمالي، حيث تفترض المعايير الدولية عدم جواز تخطي التصنيف السيادي.

واذ حصلت الحكومة مجدداً على موافقة المجلس النيابي لاصدار سندات دولية جديدة بقيمة ملياري دولار بعدما استنفدت المبالغ المقررة سابقاً عبر الاصدارات المتتالية خلال الاشهر الماضية التي بلغ مجموعها 1650 مليون دولار خلال النصف الاول من العام الجاري، فانها ملزمة، في رأي الخبراء، بتسريع الخطوات الاساسية لمعالجة مشكلة الدين العام المتفاقمة وعدم الاكتفاء بمحدودية استبدال الدين الداخلي بديون خارجية موازية او استبدال الآجال القصيرة والمتوسطة بآجال اطول، على اعتبار ان ذلك قد يساهم في تأجيل الازمة لكنه لن يكون مفيداً في معالجتها ما لم يترافق واجراءات ملموسة لاطفاء اجزاء من حجم الدين.

ويبدو ان الحكومة تعوّل على عمليات تخصيص وشيكة في قطاع الاتصالات وبشكل خاص بالنسبة الى بيع رخصتي الهاتف النقال بعدما اقدمت قبل اسبوعين على فسخ عقدBOT مع شركتي «ليبانسيل» و«سيليس» وامكانية بيع رخصة ثالثة لمدة 20 سنة، مع توقعات متفائلة بأن لا يقل مجموع الواردت المحققة عن ثلاثة مليارات دولار، اضافة الى البحث جدياً في تخصيص شبكة الهاتف الثابت واطلاق عملية تخصيص قطاع الكهرباء.

واذ يرفض اركان حكومة الرئيس الحريري والقريبون منه مقولة غياب الخطة المتكاملة للمعالجة، فانهم يشيرون الى تتبع مسار الاجراءات المتتالية بدءا من اعتماد سياسة الاجواء المفتوحة وخفض الرسوم الجمركية واقرار قوانين جديدة للجمارك والاستثمار والملكية العقارية واتخاذ قرارات جريئة لانقاذ المؤسسات الحكومية او شبه الحكومية الخاسرة كشركة طيران الشرق الاوسط والتلفزيون وغيرها، وتفعيل عمل المؤسسات والادارات الخاصة بالاستثمارات وجذبها كمجلس الانماء والاعمار والمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار، وارساء تطوير علاقات اكثر ايجابية وتعاوناً مع الدول والهيئات والمؤسسات الخارجية، ومباشرة اجراءات تخصيص المرافق العامة، وغير ذلك من اجراءات تقع جميعها في سلة واحدة ضمن رؤية متكاملة للانقاذ واستعادة دور لبنان الاقتصادي وكسر الحلقة المفرغة لتنامي الدين العام الذي تستهلك خدمته مجمل ايرادات الموازنة العامة وتجعلها في عجز دائم ومتفاقم.

يذكر ان الموازنة العامة التي اقرها المجلس النيابي خصصت مليار ليرة من اصل 9900 مليار ليرة لتأدية فوائد الدين العام، اي ما نسبته 43.4 في المائة. فيما خصصت قرابة 4400 مليار ليرة للرواتب والنفقات الادارية، اي ما نسبته 44.5 في المائة، بحيث لم ينل الانفاق الاستثماري سوى نسبة تقل عن 12 في المائة من مجموع الموازنة، اضافة الى تحريك قروض دولية ذات طابع استثماري يمكن ان يبلغ مجموعها مليار دولار السنة الجارية.