12 مليار دولار خسائر شركات الكومبيوتر جراء عمليات القرصنة العام الماضي

TT

رغم القوانين المتشددة اتسعت دائرة صناعة برامج الكومبيوتر المقلدة وانتقلت من قارة آسيا الى اميركا الجنوبية واوروبا الشرقية، اذ ان نمو الاقتصاد القائم المعتمد على التكنولوجيا المتقدمة ادى الى طلب عالمي غير مسبوق على برامج الكومبيوتر ذات الصلة بقطاع الاعمال والاستهلاك، سواء كانت هذه البرامج اصلية او مقلدة.

وطبقا لآخر احصائيات، فإن شركات انتاج برامج الكومبيوتر تقدر خسارتها بحوالي 12 مليار دولار اميركي خلال العام الماضي بسبب غزو البرامج المقلدة لهذا السوق، أي ان نسبة الخسارة تقدر بـ15 في المائة من جملة مبيعات شركات انتاج البرامج، التي تقدر بحوالي 80 مليار دولار. ومن المتوقع ان تزيد نسبة الخسارة مع تسارع خطى اقتصادات العالم الثالث صوب عصر التقدم التكنولوجي، في الوقت الذي باتت فيه هذه القضية نقطة تفاوض رئيسية في الاتفاقيات التجارية بين الدول من فيتنام وحتى الاردن. ويحذر خبراء في مجال التكنولوجيا المتقدمة وتطبيق القانون من احتمال ان تؤدي ظاهرة البرامج المقلدة الى عرقلة نمو قطاع انتاج برامج الكومبيوتر الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة بصورة رئيسية. ويعتقد سيرجيو روبليتو، المدير الاداري لشركة «كرول آسوشيتس»، ان ظاهرة انتاج البرامج المقلدة تمثل مشكلة كبيرة لم تعرف بعد كيفية التعامل معها. ويقول روبليتو ان صناعة برامج الكومبيوتر المقلدة اصبحت منتشرة في كل مكان. من ضمن المؤشرات المثيرة للقلق ان هذه الظاهرة في ازدياد مستمر، اذ ارتفعت نسبتها من 36 في المائة عام 1999 الى 37 في المائة العام الماضي، مما يعني ان نسبة 37 في المائة من برامج الكومبيوتر التي تباع في العالم عبارة عن برامج مقلدة. الشيء الذي اثار قلق المسؤولين هو ان هذه الزيادة في النسبة جاءت في اعقاب الاجراءات المتشددة التي ادت الى خفض هذه النسبة لتصل الى 45 في المائة عام .1995 ويرى خبراء في مجال مكافحة هذه الظاهرة ان ما اصطلح على تسميته بـ«القرصنة»، وهي السرقة والتصنيع والنسخ غير القانوني لمنتجات التقنية العالية بغرض بيعها، في ازدياد مستمر في شرق اوروبا واميركا الجنوبية والشرق الاوسط وآسيا. اذ يلاحظ ان ثمة ظواهر مشتركة بين هذه المناطق تتمثل في نشاط مجموعات الجريمة المنظمة والاقتصادات السريعة النمو والاقبال المحموم على التكنولوجيا الجديدة. ويعتقد هؤلاء الخبراء ان الجهات المعنية لم تتمكن حتى الآن من مجرد الاقتراب فقط من القضاء على ظاهرة القرصنة.

الجدير بالذكر ان السلطات المسؤولة في بعض الولايات الاميركية نجحت العام الماضي عقب سلسلة من المداهمات في وضع يدها على برامج كومبيوتر مقلدة قدرت قيمتها بحوالي بليوني دولار، غير ان هذه لا تمثل سوى نسبة ضئيلة فقط من البرامج المغشوشة الموجودة في السوق السوداء. ورغم ان نسبة القرصنة في الولايات المتحدة تعتبر الاقل بين دول العالم، فإن كل واحد من اربعة برامج كومبيوتر مستخدمة هناك عبارة عن نسخة مقلدة.

الجانب الثاني المثير للقلق في اوساط مكافحة القرصنة يتمثل في ان الجريمة المنظمة باتت اكثر تحصنا، اذ ان المحققين ظلوا لفترة طويلة يشتبهون في سيطرة دوائر الجريمة المنظمة على السوق السوداء لبرامج الكومبيوتر. ويقول خبراء امنيون ان سلسلة حملات المداهمة التي نفذتها السلطات الى جانب القضايا الجنائية توصلت الى وجود صلات بين عصابات صينية واخرى روسية والمافيا الايطالية والجيش الجمهوري الايرلندي ومتشددين من منطقة الشرق الأوسط. ويرى خبراء مكافحة القرصنة ان العصابات التي تعمل في هذا المجال في ازدياد مستمر قوة وعددا وان بعضها يعمل بطريقة عصابات تهريب المخدرات التي تنشط في اميركا الجنوبية، مما يصعب من مهمة وقف تدفق البرامج المغشوشة. ويقول ريتش لاماجنا، رئيس قسم التحقيقات بشركة مايكروسوفت والمسؤول السابق بوكالة مكافحة المخدرات التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي، (اف بي آي)، ان ثمة استثمارات ضخمة في هذا المجال جذبت اهتمام دوائر الجريمة المنظمة.

وقال ماركوس فرانك، المسؤول بقسم شرطة ويستمينستر في جنوب ولاية كاليفورنيا، ان عصابة واه تشينج، التي تربطها صلة بعصابة في هونج كونج تعرف بـK، تدير نشاط عمليات قرصنة واسعة احبطت السطات واحدة منها عام 1999 وادين على اثرها 13 شخصا وصودرت منتجات مايكروسوفت مقلدة تقدر قيمتها بحوالي 60 مليون دولار. وفي بلغاريا ادى التنافس بين العصابات التي تنشط في هذا المجال الى اغتيال ايميل ديمتروف، وهو زعيم بارز في نشاط قرصنة البرامج. وطبقا لتقارير الجهات المسؤولة عن مكافحة هذا النشاط، فإن مدينة سيوداد ديل ايست الوقعة في منطقة غابات على الحدود بين بارغواي والبرازيل تعتبر اشهر مركز لقراصنة برامج الكومبيوتر، اذ اشارت تقارير رسمية الى القاء القبض العام الماضي على خليل مرحي الذي ادين ببيع برامج مغشوشة بملايين الدولارات يشتبه في ان العائدات كان المفترض ان تذهب الى ميليشيا «حزب الله» في لبنان.

ويثير قلق المسؤولين عن مكافحة هذه الظاهرة ان مروجي هذه المنتجات كانوا يوزعونها في الاسواق والشوارع الى جانب مواقع اخرى قبل ظهور شبكة الانترنت، غير ان هؤلاء اصبحوا يوزعون منتجاتهم الآن عبر الشبكة. وتقول سينثيا نافارو، مديرة قسم مكافحة القرصنة بـ«أدوب سيستيمز»، ان «شبكة الانترنت لا تعرف أي حدود وان المجرمين يستغلون هذا الجانب جيدا».

وفي اطار الجهود الرامية الى مكافحة ظاهرة القرصنة، انتجت شركة «مايكروسوفت» برنامجا للبحث عن البرامج المغشوشة داخل شبكة الانترنت وتمكنت بالفعل من كشف العديد منها ورفعت دعاوى ضد الآلاف من المواقع التي تعرض برامج مغشوشة على الشبكة، غير ان من اصطلح على تسميتهم بـ«قراصنة الشبكة» من مروجي هذه البرامج كثيرا ما افلتوا من القبض، اذ يزورون المعلومات الواردة في بريدهم الالكتروني ويستخدمون صناديق بريد سرية، كما انهم يتحركون كثيرا للتمويه ويغيرون عناوينهم وارقام هواتفهم.

لم يفلت بالطبع كل هؤلاء، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي ادين الاسبانيان ماريا ليرولا وفرانسيسكو جويانس ببيع برامج مغشوشة من على الموقع الخاص بهما على الشبكة، اذ كان يعرض موقعهما برنامج «أدوب فوتوشوب» مقلد بمبلغ 99 دولاراً في الوقت الذي يصل فيه سعر البرنامج الاصلي الى 995 دولارا.

ويقول مسؤولون في مجال مكافحة قرصنة البرامج ان هذه الظاهرة التي بدأت محدودة قبل حوالي عشر سنوات وبواسطة افراد ومغامرين، تحولت الآن الى تجارة تدر مليارات الدولارات وافرزت ما بين 50 و75 عصابة تعمل في هذا المجال وتبيع منتجاتها لدوائر الاعمال وحتى الحكومات. معظم المواقع التي تصنع فيها هذه البرامج المغشوشة تتركز في قارة آسيا واميركا الجنوبية واوروبا، بعضها عبارة عن مؤسسات شرعية وبعضها الآخر يعمل في اوكار تحت حماية حراس مسلحين، فقد توصل المحققون الى ان بعض هذه البرامج يصنع في مزارع للخنازير ومخازن للاحذية وحتى محلات البقالة الصغيرة. وعادة ما ينسخ المزورون البرنامج الاصلي بكل تفاصيله ابتداء من الغلاف البلاستيكي وحتى التفاصيل الخاصة بتأكيد تبعية البرامج للمنتج الحقيقي. ويستخدم هؤلاء ماكينات ضخمة تنتج يوميا آلاف الاقراص المدمجة. ورغم ان الكثير من البرامج المقلدة عرضة للاصابة بالفيروسات الكومبيوترية، فإن بعضها يعمل بصورة عادية ولا يمكن تحديد الفرق بينه وبين البرنامج الاصلي الا بواسطة خبير في هذا المجال.

شأنهم شأن تجار المخدرات، يهرب قراصنة تقليد برامج الكومبيوتر بضاعتهم عن طريق السفن والطائرات والقطارات والسيارات. ويأمل مسؤولو مكافحة البرامج المقلدة في تضيق الخناق على العصابات العاملة في هذا المجال. فقد صادرت سلطات الجمارك الاميركية العام الماضي بضائع مقلدة تقدر قيمتها بحوالي 14 مليون دولار كانت في طريقها الى اسواق الولايات المتحدة. ويقول مفوض الجمارك الاميركي المكلف، تشارلس وينوود، ان مركزا لمكافحة جرائم التهريب عبر شبكة الانترنت سيلعب دورا كبيرا في مكافحة ظاهرة القرصنة ايضا بالتعاون مع «مكتب التحقيقات الفيدرالي» (اف بي آي). كما اعلن النائب العام الاميركي، جون آشكروفت، الاسبوع الماضي عن تكوين فرق متخصصة في التقنية المتقدمة في كل الولايات الاميركية للتركيز على ما اصبح يعرف بـ«جرائم الفضاء المعلوماتي».

قطاع انتاج برامج الكومبيوتر انفق بدوره ملايين الدولارات خلال السنوات الأخيرة لمحاربة ظاهرة انتاج وبيع البرامج المقلدة، اذ استأجرت شركة مايكروسوفت محققي شرطة سابقين وزودت الجهات المسؤولة بالكثير من المعلومات حول المئات من قضايا التقليد والقرصنة. كما اضافت مايكروسوفت وشركات اخرى بعض المزايا على برامجها بحيث يصبح من الممكن التأكد من ان القرص المدمج الذي يحمل البرنامج، اصلي وليس تقليداً. وتطالب الشركات المصنعة لبرامج الكومبيوتر بتطبيق اتفاقيات تجارية أكثر تشددا ازاء القرصنة. ورغم ان الاتفاقية التي توصلت اليها «منظمة التجارة العالمية» عام 1995، حول وضع حد لانتهاكات حقوق النشر والتأليف والتقليد، تعتبر تقدما كبيراً في هذا الجانب، فإن محامي شركة مايكروسوفت، توم روبرتسون، يرى انها اصبحت بالية ولا تعالج قضايا الانترنت والمستجدات ذات الصلة.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»