الشفافية: النقد وسيلة الإصلاح الاقتصادي

حسين شبكشي*

TT

تعتبر العولمة احد اهم التحديات المعاصرة التي تواجه الدول والأعمال في العالم اليوم. ويأخذ هذا التحدي منحى اكثر جدية اذا تم تقييم تجربة العالم العربي في هذا السياق. بدأت معظم دول العالم العربي في التحول التدريجي من الانغلاق والتقوقع الاقتصادي والذي تتحكم في شؤونه قبضة الدولة المهيمنة الى اقتصاديات تعتمد في المقام الاول على الانفتاح وحرية السوق وتفاعلاته المبنية على التكامل العالمي. ولعل احد اهم «شروط» هذا التحول حتى يكتمل هو تكريس نهج الشفافية كقاعدة اساسية مستدامة في ما بين الدول والمتعاملين معها. فلا بد ان تكون المعلومة قابلة للوصول والتحليل. فغير خاف حجم الضرر الذي سببه الاسلوب العقيم المتبع في حجب المعلومة وتكريس نهج الشك والريبة في كل من يسعى للسؤال او الاستفسار عن رقم او عن معنى معين وادى ذلك بالتالي الى حجب الثقة عن اسواقنا والاستخفاف بجدية المنطقة اقتصاديا. ولعل اهم وسائل تكريس نهج الشفافية في ذهنيتنا هو الاستعداد التام والقبول المطلق لممارسة النقد. والنقد البناء تحول الى احد اهم اساليب بناء الامم وتطوير اقتصادياتها. فبالنقد استطاعت دول مختلفة احداث اصلاحات جوهرية في هياكلها السياسية والادارية وكشفت عن تجاوزات وقصور في الاداء مختلفة انواعها. اذا كان القرار الاقتصادي يحتاج الى وجود نقد مستمر حتى يستقر الميزان الاقتصادي فلا يقل اهمية وجوب توفير المعلومة الاقتصادية الدقيقة والصحيحة عن كافة الاتجاهات وعلى الدولة تقع مسؤولية ذلك في المقام الاول فلا يمكن ان يصدر نظام اقتصادي ويتم التعايش معه وتوقع ايجابيات منه في غياب المعلومات السليمة عن مختلف اوجه النشاط الاقتصادي ويجب ان تتمتع هذه المعلومة بثقة ودقة وان تكون صادرة من اطراف موضوعية بطريقة دورية وثابتة، ولا يزال اتجاه المعلومة والوضوح فيها يحتاج الى جهد. والأمر يحتاج هنا الى اصلاحات مؤسسية. فادارات الاحصاء لا بد ان يكون لها الاستقلال التام عن حكومة الدولة، وما تصدره من معلومات وبيانات يجب ان يوفر الدراية بالظروف الاقتصادية والاجتماعية بكافة اشكالها وليس الدعاية والتفخيم لإنجاز وزارة او تأييدا لوزير او لرئيس مؤسسة او قطاع. ولا يزال بعض الاتجاهات السائدة في طرح المعلومة او استخدامها والذي يتطلب الحصول على اذن او ترخيص او تعهد من اجهزة الإحصاء والرقابة، الامر الذي يعكس بقايا العصر الماضي الذي كانت فيه المعلومات والبيانات جزءا من المنظومة الامنية والتفريط فيها يساعد العدو والمغرضين ولا داعي الى الاشارة الى معرفة المواطن بغالبية من المعلومات الاساسية انما يكون مما يصرح به الوزراء والمسؤولون، وبالتالي يتم بشكل غير تقليدي وكثيرا ما يكون متناقضا. هناك طرق مختلفة للتعامل مع النقد كان من ضمنها القمع والمنع وهو ما كان العرف السائد في الماضي اما المتبع الآن فهو «السماح» بأصوات نقد معينة ومحددة وذلك بغرض التنفيس والترويح عن قطاعات اقتصادية مختلفة ومسايرة لتيار الشفافية العالمي، ولكن في النهاية تنفذ الدولة ما تراه مناسبا وليس بالضرورة احتراما لرأي او تقديرا لنقد. يجب الابتعاد عن الظن الدائم «بشخصنة» النقد وان كل نقد مقصود به شخص معين وبالتالي يصبح رد الفعل غير موضوعي. هناك العديد من الرسائل التي نوجهها للعالم بطريقة تعاملنا مع النقد واسلوب طرحه. اذ لا بد لنا من الايمان والقناعة التامة بأهمية دور النقد ونهج الشفافية وامكانية الاصلاح الحقيقي بتنفيذه بصدق وأمانة وان تكون كافة القطاعات قابلة للنقد والتطوير والإصلاح لا جهات مختارة ومنتقاة لذلك. وبدون هذا سوف نبقى مستمرين في خداع انفسنا وقد آن الاوان لتغيير ذلك.

* اقتصادي سعودي