المركزي المصري يعلن سعر صرف جديد 415 قرشا للدولار وسط توقعات بارتفاعه

مصرفيون يعتبرون الإجراءات الجديدة «مسكنا للأزمة» وتوقعات بضخ ملياري دولار في الأسواق للمحافظة على الاستقرار النقدي

TT

اعلن البنك المركزي المصري امس سعرا جديدا للدولار في السوق المصرفية يبلغ 415 قرشا مع اتاحة هامش حركة يبلغ 3% صعودا وهبوطا. وكان رئيس الوزراء المصري الدكتور عاطف عبيد قد ترأس اجتماعا مساء اول من امس مع المجموعة الوزارية الاقتصادية وقيادات البنوك، تم خلاله اقرار السعر الجديد للدولار والضوابط الجديدة لسوق الصرف.

وتأتي الاجراءات الجديدة في اطار جهود الحكومة المصرية للسيطرة على سوق الصرف في مصر، ووقف تدهور سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الاميركي. وأشار مسؤول حكومي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الى ان الضوابط الجديدة تتضمن عقوبات صارمة على المخالفين من شركات الصرافة، التي امتنعت في الآونة الأخيرة عن بيع الدولار للجمهور، مما دفع الأمور الى خلق سوق سوداء أوصلت الدولار الى 420 قرشاً، مشيرا الى ان البنك المركزي المصري سيقوم بضخ نحو ملياري دولار في الأسواق خلال الشهرين القادمين حتى يتم القضاء نهائياً على كافة الأزمات، الحالية والطارئة، وحتى تتمكن شركات الصرافة والبنوك من تغطية الطلبات الاستيرادية.

ولمح الى ان احتياطي مصر من النقد الاجنبي قد تراجع بشدة خلال العام المالي الأخير ليصل الى 14 مليار دولار يضاف إليها مليار ونصف المليار جنيه قيمة سندات الخزانة التي طرحتها الحكومة مؤخراً وهي توازي نحو 400 ألف دولار.

وتعد الاجراءات الجديدة هي الثالثة من نوعها خلال شهرين، حين اضطر البنك المركزي الى التدخل أكثر من مرة لاعادة الانضباط الى السوق المصرفية، إلا ان كل هذه الاجراءات لا تحظى بقبول شركات الصرافة التي تصر على تحرير سعر الدولار، وضخ أموال من الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي اذا ما واجهت الحكومة أزمة تمويل للعمليات الاستيرادية.

ويذكر ان البنك المركزي المصري سبق ان تدخل في السوق المصرفية حيث رفع السعر المرجح من 341 قرشاً الى 386 قرشاً ثم قام قبل اسابيع برفع السعر الى 390 قرشاً والسماح لشركات الصرافة بتحريك السعر ارتفاعاً في حدود 1 في المائة.

ويعتبر خبير الشؤون الاقتصادية بمركز الدراسات الاستراتيجية بالقاهرة احمد النجار ان قرار تحريك سعر صرف الدولار امام الجنيه لن يقدم جديداً لأزمة الدولار التي تتفاقم بشكل مستمر في مصر، باعتبار ان الأزمة الحقيقية ليست في التسعير ولكن في تدني موارد الدولة من النقد الاجنبي مقابل ارتفاع الطلب على الدولار، داعياً الى انتهاج سياسة نقدية ومالية من شأنها تعظيم موارد النقد الاجنبي للدولة من عائدات سياحية وصادرات وتحويلات خارجية مقابل تقليل النفقات الاستهلاكية للسلع التي لها مثيل في السوق المحلي.

ويرى النجار ان تحديد أسباب الأزمة الحقيقية للدولار وآليات مواجهتها هي بداية الطريق للحل تفادياً لارتفاع متكرر في سعر صرف الدولار، مشيراً الى أن السوق السوداء للعملات الأجنبية هي التي كانت تحدد سعر الصرف في فترة ما قبل تطبيق الحكومة لبرنامج الاصلاح الاقتصادي 1991، وأوضح ان الأزمة الحالية يمكن تحليلها وعلاجها من خلال القراءة المتأنية للميزان التجاري المصري. فرغم تحسن اسعار النفط نسبياً خلال العام الأخير إلا ان العجز في الميزان التجاري تجاوز 11 مليار دولار، مقترحاً اعادة دراسة تشكيلة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي المصري بحيث لا يكون مقتصراً على الدولار ولكن شاملا عملات دولية أخرى مثل اليورو والين الياباني.

وانتقد النجار ما يروجه بعض المسؤولين عن النشاط المصرفي في مصر بتحسن احتياطات مصر في الفترة الأخيرة، وقال ان هذا التحسن «وهمي» لانه نتج عن طرح السندات الدولارية المصرية في الاسواق الدولية وهي سندات ستحمل الدولة في وقت لاحق بسدادها من هذا الاحتياطي مضافاً اليها خدمة الدين. لكنه توقع عدم زيادة الديون الخارجية المصرية نتيجة تحريك سعر الدولار اليوم، إلا انه توقع تأثر حجم الاستثمارات الأجنبية بمصر لهذه الزيادة فسوف تزيد قيمة الاستثمارات من الناحية الحسابية وبالتالي زيادة حصة مساهمات الأجانب في بعض الشركات المشتركة.

وعلى خلاف المخاوف التي طرحها النجار من تحريك سعر الصرف كأساس لمواجهة أزمة الدولار، يرى رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان المصري عبد الله طايل ان التحريك سوف يفيد النشاط المصرفي بمصر بمحاصرة السوق السوداء للدولار بالاعلان على سعر رسمي يومياً يتجاوز 4 جنيهات للدولار الواحد، مفسراً عدم مخاوفه من التحريك بوصول مصر لمرحلة الأمان الاقتصادي من ناحية الاحتياطات إذ لديها ما يزيد على 16 مليار دولار احتياطيات حسب احدث الاحصائيات بعدما كانت 14.3 مليار دولار قبل شهرين.

ويشير طايل الى ان السياسة النقدية لأي بنك مركزي تنطلق من سياسة مرنة تراعي الظروف الاقتصادية المحلية والمتغيرات الدولية في وقت واحد، لكنه أكد أهمية تعظيم مصادر النقد الاجنبي بمصر من خلال تعظيم عائدات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين من الخارج والصادرات ومحاصرة ظاهرة «السفه الاستيرادي» نظراً لقيام بعض المستوردين بجلب سلع وخدمات بالعملات الصعبة في حين ان هذه السلع متوافرة وبأسعار أقل في السوق المحلية أو يمكن انتاجها بشكل منتظم بما يلبي احتياجات السوق المصري.

وكانت أزمة الدولار قد اشتعلت في مصر قبل عام تقريباً بشكل أزعج المصرفيين في مصر وأدت الى تلاسن حاد بين شركات الصرافة والبنوك وتحميل كل طرف الآخر بأنه السبب الرئيسي للأزمة، مما دفع المركزي المصري الى تشديد الاجراءات العقابية على شركات الصرافة المخالفة لأسعار الصرف المحددة من المركزي وتم اغلاق ما يربو على 25 شركة خلال الفترة. لكن محمد حسن الابيض رئيس شعبة شركات الصرافة باتحاد الغرف التجارية المصرية يرى ان الأزمة في البنوك ذات الامكانيات المصرفية الكبيرة والتي لن تستطيع تلبية الطلب على الدولار مقابل امكانيات محدودة جداً لشركات الصرافة في تلبية طلبات العملاء من الدولار.