ارتفاع ملحوظ في التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون وأوروبا

الوصول لاتفاقية تجارة حرة ما زال يراوح مكانه والتأخير يعتبر خسارة للطرفين

TT

تعرضت قيمة وحجم التبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الاوروبي الى تغيرات عديدة على مر العقود الثلاثة السابقة متأثرة في الاساس بالتغيرات في اسعار النفط و أداء الاقتصاد العالمي. فقد شهد التبادل التجاري ارتفاعاً ملحوظاً في السبعينات وتراجع بشدة في الثمانينات وبدأ بالتحسن في التسعينات. فالارتفاع الحاد في اسعار النفط في عام 1973 كان العامل الاهم وراء زيادة حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الاوروبي. فالاول مُصدر اساسي لهذه السلعة والثاني يستورد معظم حاجياته من البترول الخام. وتسبب التباطؤ في الاقتصاد العالمي وهبوط اسعار النفط خلال الثمانينات الى تراجع قيمة التبادل التجاري بين الطرفين. من جهة اخرى عكس التحسن الملحوظ في اداء الاقتصاد العالمي وارتفاع اسعار النفط خلال العقد السابق ايجابيا على التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي واوروبا. ويحتل الاتحاد الاوروبي مركزاً هاماً من ناحية التبادل التجاري مع دول الخليج حيث وصلت نسبة واردات دول مجلس التعاون من اوروبا الى 36 في المائة من اجمالي وارداتها العالمية في عام 1998 في الوقت الذي استوردت اوروبا ما نسبته 15 في المائة من اجمالي وارداتها من دول مجلس التعاون خلال نفس العام. وانخفضت صادرات دول مجلس التعاون الى اوروبا من 40 مليار يورو (اليورو يساوي 0.87 دولار اليوم) في عام 1980 الى 12 مليار يورو في عام 1990 وعاودت الارتفاع لتصل الى 3.22 مليار يورو خلال عام .2000 اما واردات دول مجلس التعاون من اوروبا فقد ارتفعت من 13 مليار يورو في عام 1980 الى 14 مليار يورو في عام 1990 وتضاعفت في عام 2000 لتصل الى 3.29 مليار دولار (الارقام المستخدمة مزودة من المفوضية الاوروبية وهي بالاسعار الجارية).

ووصل اجمالي قيمة صادرات دول مجلس التعاون الى اوروبا في عام 2000 الى 3.22 مليار يورو واجمالي وارداتها من الاتحاد الاوروبي الى 3.29 اي بعجز تجاري لصالح اوروبا بقيمة 7 مليار يورو. وعن اهم المنتجات والبضائع المتبادلة خلال عام 2000، شكلت صادرات النفط والطاقة 4.77 في المائة من صادرات دول مجلس التعاون الى اوروبا، بقيمة 17 مليار يورو، وتلاه الماكينات و الصناعات الكيماوية بـ5 في المائة بقيمة 11 مليار يورو لكل منهما. وجاءت معدات النقل في المرتبة التالية بنسبة 3 في المائة و بقيمة 722 مليون يورو. وكان نصيب كل من الاقمشة والملابس والمنتجات الزراعية في حدود 2 في المائة بقيمة 388 مليون يورو للاولى و156 مليون يورو للثانية. و تركزت واردات دول مجلس التعاون من اوروبا في عام 2000 في مجالات الماكينات 31 في المائة (3.9 مليار يورو) و معدات النقل 15 في المائة (3.4 مليار يورو) وكل من المنتوجات الغذائية والصناعات الكيماوية بـ11 في المائة لكل منهما (3 مليارات يورو لكل منهما). وتلتهما الملابس والاقمشة بـ7.3 في المائة (مليار يورو). واظهرت دراسة حديثة اعدها محمد متولي من جامعة قطر وريك تاماسشك من جامعة «كوينزلاند» بأن اسعار النفط والنمو الاقتصادي في أوروبا شكلا العاملين الاهم في تحديد قيمة صادرات دول مجلس التعاون الخليجي الى اوروبا في حين كانت قيمة الصادرات وصافي الدخل من الخارج العوامل الاهم في تحديد قيمة واردات دول مجلس التعاون الخليجي من اوروبا. و بينت الدراسة ان قيمة واردات دول المجلس من اوروبا لم تنخفض بنفس الوتيرة التي انخفضت فيها صادراتها من اوروبا، و بان الاستقرار النسبي في واردات دول المجلس من اوروبا بالمقارنة مع صادراتها يعود في الاساس الى استثمارات دول المجلس الخارجية التي تمول الواردات عند هبوط اسعار النفط. يذكر ان دول مجلس التعاون الخليجي وقعت اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي في عام 1988، دخلت باب التنفيذ منذ بداية عام 1990، ورسمت الاتفاقية الاطار الرسمي للتعامل وأسس التبادل التجاري بين الطرفين وهدفت الى زيادة التعاون في مجالات نقل التكنولوجيا والتنمية من خلال مشاريع مشتركة، كما مهدت الاتفاقية الطريق للوصول الى اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين من خلال الشروع في مفاوضات جدية لهذا الغرض. وبعد مرور اكثر من عشر سنوات على البدء في هذه المفاوضات لم يتمكن الطرفان من الوصول لاتفاقية تجارة حرة. وعزت دراسة لنفين صالح نشرت في مجلة «ميدليست بولسي» في عددها الصادر في اكتوبر (تشرين الأول) 1999 تعثر المباحثات الى ثلاثة عوامل: الاول يكمن في عدم وجود اتفاقية توحدة جمركية بين دول مجلس التعاون وهذا ما تطالب به اوروبا. ثانياً وجود لوبي صناعي اوروبي قوي خصوصا في قطاع البتروكيماويات والذي يعارض اتفاقية تجارة حرة مع دول المجلس تخوفاً من المنافسة. واخيراً الاختلاف بين الطرفين على قواعد بيئية خصوصا ما يتعلق بفرض الاتحاد الاوروبي ضريبة على انتاج مادة «الكاربون دايوكسايد» الذي سيؤثر سلباً على استهلاك النفط وبالتالي على صادرات دول المجلس الى اوروبا.

وشكل توقيع دول المجلس على اتفاقية توحيد التعرفة الجمركية في نهاية عام 1999، على ان تدخل باب التنفيذ في عام 2005، خطوة غاية في الاهمية في هذا المجال. وعلى الاتحاد الاوروبي التقيد بالاسس الدولية والاعراف التجارية التي تحدد من امكانية الدول حماية منتجيها تحت ضغوط سياسية تتعارض مع المنفعة الاقتصادية والتي بالضرورة ستعم على الجميع في حال الوصول لاتفاقية تجارة حرة. وتبدو مشكلة الضرائب البيئية وتأثيرها على استهلاك النفط قابلة للحل خصوصا ان الامم المتحدة تسعى حاليا للوصول لاتفاق عالمي بهذا الخصوص. اذا الصورة تبدو مشجعة في الوقت الراهن للوصول الى اتفاقية تجارة حرة بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، كما ان أي تأخير في هذا المجال سيعود بخسائر كبيرة، ليس فقط على دول مجلس التعاون الخليجي والتي تسعى لزيادة تنويع مصادر دخلها من خلال اتفاقية تجارة حرة بل ايضاً وبمقدار مساو على الاتحاد الاوروبي، الذي بالاضافة الى الحد من التشويشات الاقتصادية الناتجة عن التدخل في ميكانيكيات السوق لحماية منتجيها، سيستفيد من سوق يتجاوز دخلها 250 مليار دولار سنويا.