ورش النجارة الصغيرة تهدد بإغلاق 50 في المائة من مصانع الأثاث السعودية

ملاك المصانع يطالبون بتنظيم هذه الورش وتحديد مهامها وتدخل الجهات المختصة المعنية بحماية الصناعات المحلية

TT

يتساءل أصحاب مصانع الأثاث الخشبي في السعودية عن الأسباب التي أدت إلى انهيار مصانعهم وتتهددها بالإغلاق، بعد أن ظلت تعاني منذ 10 أعوام من قلة المبيعات وانخفاض الطلب، حتى بلغ بها المطاف أن نحو 50 في المائة من المصانع الحالية التي لديها تصريح صناعي ربما قد تخرج من السوق، فيما عرضت 30 في المائة منها للبيع.

وهذه المشكلة التي تواجهها مصانع الأثاث الخشبي في السعودية، تعود في الحقيقة إلى ظهور ورش ومحلات تقوم مقام هذه المصانع، فأصبحت تروج وتبيع بنفس تلك المواصفات التي تنتجها المصانع بل وصل بها الامر إلى سرقة الموديلات وتقديم الخدمات للعملاء مثل تلك التي تقدمها المصانع، فإدى ذلك إلى ضرب سوق المصانع وإنعاش الورش الصغيرة التي بلغ عددها وفق مصادر في السوق ما يقارب 3500 ورشة، أما المصانع التي تمتلك تصاريح رسمية فيبلغ عددها نحو 200 مصنع منها80 مصنعا تصنف ضمن المصانع ذات الطاقة الإنتاجية الكبيرة، فيما تعد المصانع الأخرى من الفئة المتوسطة والصغيرة.

أما كيف نشأت هذه المشكلة بين المصانع الكبيرة والورش الصغيرة، فإن ذلك يعود إلي ظهور ورش داخل أحياء شعبية وفي مدن صغيرة نائية تقوم بتنفيذ الأعمال الخشبية مستفيدة بأيدي عمالة غير ماهرة ومستلزمات لا تصل إلى الجودة، وأسعار منافسة للسوق، فوجدت إقبالا كبيرا. ورغم محاولة أصحاب المصانع وقف هذا الغزو من الأثاث الخشبي الذي قضى على نموها وتحقيق خسارة سنوية بلغت 20 ـ 30 في المائة، فان ملاك المصانع يرون أنه ما لم يكن هناك تنظيم لهذه الورش وتحديد مهامها، فإن ذلك سينعكس سلبا على أداء المصانع ويتطلب تدخل الجهات المختصة وخاصة وزارة الصناعة الجهة المعنية بحماية الصناعات المحلية.

والخلاف القائم بين المصانع والورش هو قيام الأخيرة بتنفيذ التصاميم حسب طلب العملاء وتوصيلها وتزويد محلات العرض بنماذج من تلك التصاميم مع تقديم خدمات الصيانة، وهو الأمر الذي اعتبرته مصانع الأثاث أنه ليس من إختصاصها، وأن دورها فقط يقتصر على التنجيد والصيانة وليس تنفيذ التصاميم وتزويد المحلات.

وقال محمد حامد النفيعي مالك مصنع النفيعي للأثاث في الطائف، «جنوب غرب البلاد»، والذي طرح مصنعه للبيع نتيجة انخفاض المبيعات والتي بلغت العام الماضي 3 ملايين ريال من 15 مليون كانت قبل 10 سنوات، ان الأسباب الرئيسية إلى جانب غزو الورش، إلزام الجهات المختصة بتطبيق نظام السعودة في جميع المجالات ومن بينها المصانع. واضاف أن هناك عدة أسباب وقفت أمام هذه المصانع منها زيادة الرسوم على الخشب المستورد، إضافة إلى أسعارها في السوق العالمية التي واصلت الارتفاع إذ بلغت 2800 ريال للمتر المكعب مقابل 460 ريالا كانت عليه قبل عدة سنوات، وكذلك المنافسة الخارجية من مستوردي الأثاث الخارجي، وأيضا عدم حصول أصحاب المصانع على تأشيرات لاستقدام عمالة مهرة والمطالبة بالتخلص من العمالة الموجودة واستبدالها بعمالة سعودية.

واستطرد النفيعي أن مصانع الأثاث الخشبي تواجه أصعب مراحلها فهي تحتاج الى إعادة النظر من قبل المسؤولين خاصة انها تستثمر أكثر من 6 مليارات ريال، وأن نظام السعودة أرهق كاهل المصانع وأدى إلى خسائر فادحة، حيث بلغت نحو 7 ملايين ريال بالنسبة لمصنع النفيعي وهي نسبة تتزايد كل عام.

وينظر العاملون في مصانع الأثاث أن الخطوة المقبلة التي تساعد على إنقاذ مشاريعهم الحالية هي الانتقال إلى الأسواق الخارجية أو الدول المجاورة مثل سورية أو الإمارات، أو الانتقال إلى دول جنوب شرق آسيا مثل اندونيسيا وماليزيا لتوفر العمالة والأسعار المناسبة. إلا أن هذا التوجه ما زال ضعيفا لدى أصحاب المصانع لأن عملية انتقالها وفك معداتها ليس بالامر السهل، إنما من المرجح أن تكون دول الخليج المجاورة هي الأقرب للانتقال إليها.

ويعتقد نايف محمد حامد المدير المسئول في مصنع للأثاث الخشبي، أن مصانع في الرياض والمنطقة الشرقية ومكة ومدن أخرى اعلنت إفلاسها العام الماضي وبيعت نحو 3 مصانع قبل عدة أشهر وهناك 6 مصانع مطروحة للبيع، وهذا يعني أن الموضوع خطير جدا ويستدعي التدخل السريع ومعالجة المشكلة. واستبعد نايف أن يكون الإفلاس نتيجة سوء إدارة وعدم التعامل مع المتغيرات التي شهدتها سوق العمل، أو ربما يكون هناك فائض في السوق لهذه المصانع، ويقول ان المتغيرات بالفعل لها دور، فمثلا عندما تلتزم الجهات المختصة بتوظيف السعوديين فإنه للأسف تتوفر في السوق العمالة المتدربة وتمتلك مهنية العمل مما يؤدي إلى عدم تنفيذ الأعمال، وأيضا هذا جعلنا نتوقف عن الحصول على أوامر طلبيات جديدة لعدم توفر عمالة مهنية، إضافة الى أنه لا تتوفر معاهد ومراكز تجيد عمل التصاميم وتنفيذ الأوامر.

والسعودية التي تعد من أكبر اسواق الشرق الاوسط للاثاث والمفروشات ولوازم الزخرفة الداخلية، وفقا لإحصائيات تجارية، فإنه يتوقع اتساع النشاط العمراني خلال السنوات المقبلة وظهور نحو500 ألف وحدة سكنية، ويقدر الانفاق السنوي فيها إلى 3 مليارات ريال سنويا، وإلى جانب الصناعات المحلية فإن نحو 34 دولة تسوق لمنتجاتها في السوق من بينها تركيا واليونان وجنوب افريقيا وايطاليا وبلجيكا والمانيا والولايات المتحدة ودول جنوب اسيا اضافة إلى بريطانيا.

وتشير التوقعات إلى أن السوق تعد بانفاق أكثر من 45 مليار ريال على مدى السنوات القادمة، وتكون منافسة لسائر شركات تصنيع المفروشات وبيوت الديكور. وترى المصادر أن الشركات العالمية تقوم بالنظر عن بعد إلى تلك المجتمعات والمراكز التجارية الكبرى والفنادق الفخمة التى يجرى انشاؤها الان فى كل من جدة والرياض ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية ومنطقة عسير.

وسوق الورش التي أطبقت على أنفاس المصانع فأجبرتها على الخروج، هي في الواقع ورش داخل أحواش في أحياء شعبية تنضوي تحت مؤسسات صغيرة لبيع المفروشات، وتسيرها عمالة من الجنسيات التركية والباكستانية والهندية والمصرية والبنغلاديشية، وتوفر هذه المحلات لمرتاديها نماذج من التصاميم وصورا هي تلك التي تتوفر في محلات العرض الكبرى. ويتراوح سعر المتر بين 300 ـ 500 ريال أو حسب الطلب، ويستطيع هؤلاء تنفيذ التصميم مهما كانت مواصفاته.

ويقول جميل أحمد أحد ملاك الورش التي تصنع الأثاث الخشبي، ان السوق تغيرت مفاهيمها ولم تعد سيطرة المصانع تلعب دورا في احتكار السوق، كما أن الزبون هو الذي يحرك هذه الأسواق، فمثلا أسعار منتجات المصانع مرتفعة ولا تناسب أذواق العامة، كما أنه في حالة تنفيذ تصاميم تستوجب دفع أسعار مضاعفة. ويضيف جميل أن المستوى الاقتصادي بالنسبة للسعوديين أضيفت عليه مصاريف أخرى، مما يعني أنه يبحث عن السعر المنخفض والبضاعةالمناسبة. ويرى جميل أن هذه الورش ليست منافسة لتلك المصانع، حيث أن دورها يقتصر على تنفيذ التصاميم وعمل الطلبيات للمنازل وهي موجهة للفئات ذوي الدخل المتدني والمتوسط، حيث يتراوح سعر طقم المفروشات بين 1500 ـ 2500 أو حسب الطلب. واستبعد جميل أن تكون هذه الورش تقوم على سرقة الموديلات العالمية، وأضاف اننا ننفذ طلبات العملاء وحسب رغباتهم وبأسعار مناسبة، كما أن المطابخ وغيرها من الأدوات جميعها تنفذ حسب الطلب. وتنتشر محلات بيع المفروشات في جدة في أسواق محمود سعيد بجوار ميدان الدراجة، وأسواق الشوام وكذلك سوق الميناء، أما في مكة المكرمة فتتوفر في أسواق العمرة وشارع الحج وأسواق أخرى. ويصل سعر غرفة النوم إلى 25000 ريال وتتكون من سرير ودولاب من 6 أبواب وطاولات وتسريحة، أما المطابخ فسعرها بين 700 ـ 1200 ريال، وبالنسبة للمقاعد الخشبية المكونة من 4 قطع يصل سعر إلى 800 ريال.

وينقسم الطلب في السوق الى قسمين هما، المفرق ( التجزئة) وهو ما يباع الى المستهلك مباشرة ويستحوذ على 65 في المائة وتتوزع الحصة المتبقية القطاع الحكومي والمؤسسات الخاصة، ويتحكم العمر الافتراضي لوحدة الاثاث المستخدمة، وتقدر مصادر صناعة الاثاث العمر الافتراضي لاثاث غرف النوم بنحو خمس سنوات، وست سنوات لغرف الاستقبال، ويزيد المتوسط تجاه اثاث غرف الطعام ليصل الى عشرسنوات. ويستهلك السعوديون نحو 3 ملايين غرفة نوم في السنة، ومليوني طقم كنبات سنويا.

وإذا كان سوق الأثاث الخشبي في السعودية يواجه مشكلة وخلافا بين أصحاب المصانع والورش فإن ذلك لم يظهر على مستوى السطح ولم يؤثر على حركة السوق، ومع ذلك فإن أعداد المحلات الخاصة ببيع الأثاث والديكورات في السعودية تنتشر بسرعة وارتفع النشاط التجاري فيها، وأجرت العديد من الأسواق توسعات في مساحاتها لاستيعاب المحلات الجديدة ومنها الأسواق الجديدة للمفروشات بجوار ميدان الدراجة في جدة، الأمر الذي يؤدى في الأخير إلى وفرة في الإنتاج وانخفاض الأسعار، ولكن ما يتخوف منه المستهلكون هو أن يؤثر ذلك على الجودة. كما أن ضعف الرقابة على هذه الأنشطة سواء من وزارة التجارة أو غيرها من الجهات يجعل هذا النشاط يبدو عشوائيا وغير منظم، فضلا عن أن الكثير من المنتجات، سواء تلك التي تعرض في المعارض الكبرى أو المحلات، لا تحمل بطاقة المنشأ عليها.

=