أمين عام وزارة التجارة والصناعة الأردنية: الانفتاح الاقتصادي خيار الأردن في مواجهة البطالة

سامر الطويل لـ«الشرق الأوسط»: المعادلة الصعبة تكمن في الحفاظ على الصناعات المحلية وتطبيق التحرير الكامل للتجارة معا

TT

لاحظت خلال زيارتي القصيرة للعاصمة الأردنية عمان تذمر غالبية الناس من ارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض مستوى الدخل. وأخبرني سائق أجرة أنه بات يعمل في ثلاث وظائف مختلفة في اليوم الواحد وبالكاد يستطيع توفير احتياجات أسرته المكونة من ثمانية أفراد.

ناهيك بما سمعته من قصص يجمع أصحابها على شكوى واحدة وهي قلة المال وضيق الحال وانعدام فرص العمل. ويستعيد الناس آثار حرب الخليج على الاقتصاد الأردني، وما نتج عنها من عودة الاف الأردنيين والفلسطينيين الى الأردن، لتتضاعف البطالة وتتضاعف معاناة الاقتصاد الأردني. ناهيك بأن الأردن بموقعه الجغرافي بات المنفذ الوحيد للعراقيين الهاربين من الاوضاع القاسية في بلادهم. وبسبب موقعه الجغرافي أيضا يتأثر الأردن اقتصاديا وبشكل كبير بما يحدث من اضطرابات وانتفاضة في الأراضي العربية المحتلة، التي تؤثر بدورها في حياة المواطن الأردني وبشكل سلبي للغاية.

«الشرق الأوسط» تطرقت الى هذه القضايا وغيرها من الشؤون الاقتصادية الاردنية مع الأمين العام لوزارة التجارة والصناعة الأردنية، سامر الطويل.

* يشهد الأردن حاليا انفتاحا تجاريا وصناعيا على العالم، كيف تصفون هذا الانفتاح؟

ـ يتبع الأردن سياسة ثابتة وهي الانفتاح الاقتصادي، فالأردن نسبيا كان أكثر انفتاحا اقتصاديا من باقي دول المنطقة العربية ،والأردن يسير منذ فترة طويلة في طريق تطبيق تلك السياسة ، وأخذت خطوات الانفتاح الاقتصادي تتسارع في السنوات الأخيرة، حيث تم توقيع اتفاقية الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ودخولها حيز التنفيذ في شهر ابريل (نيسان) 2000 ، وهناك مقولة معروفة وهي أن منظمة التجارة العالمية تخدم الدول المتقدمة والدول الصناعية ضد مصلحة الدول النامية. قد تكون هذه المقولة صحيحة بشكل عام ولكن بالنسبة للأردن لديه امكانيات وموارد بشرية ومالية ضخمة مقارنة مع حجم السوق المحلي، فحجم السوق المحلي صغير جدا ولا يمكن بالاعتماد فقط على السوق المحلي توظيف تلك الموارد، فالأردن بغض النظر عن انضمامه لمنظمة التجارة الدولية والسوق الدولية واتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي وهي متطلب عالمي الا أن انضمامه هو من أجل مصلحة وطنية، فالأردن لا يمكن أن يستثمر أمواله في البنوك التي تقدر بحوالي ثمانية مليارات دينار مودعة علي شكل ودائع في البنوك، فالفرص الاستثمارية بالاعتماد علي السوق المحلي محدودة جدا، معدلات البطالة في الأردن مرتفعة، والمجتمع الأردني مجتمع فتي، ثلثا المجتمع تحت سن العمل، لنفترض أن سن العمل 20 سنة ، نجد أن أكثر من 63% من مجموع السكان في الأردن تحت سن العشرين ،فهذا يعني مستقبلا وعلى مدار 20 عاما سوف تكون لدينا نسبة كبيرة من الأردنيين قد وصلوا لسن العمل والانتاج، مما سيؤدي الي دخولهم سوق العمل للبحث عن فرص العمل، مما سيرفع من معدلات البطالة، فاستثمار الموارد المالية والبشرية الموجودة في الأردن بالاعتماد على السوق المحلي لن تكون مجدية، ولا يمكن توظيف تلك الامكانيات الهائلة.

* اذاً الانفتاح الاقتصادي في نظركم سيقضي على البطالة في المجتمع الأردني؟

ـ بالطبع ، الآن الانفتاح سيمكن الأردن من الانفتاح على دول العالم والتصدير لتلك الدول، واذا لاحظت في خلال السنتين الماضيتين، معظم الاستثمارات التي شهدتها المملكة الاردنية كانت في قطاعين هما قطاع الصناعة التصديرية والقطاع السياحي مما يعني أن السوق المحلي الأردني صار الاهتمام فيه أقل من التصدير للمستثمر ، لأن المستثمر دائما يبحث عن أسواق تصديرية، وبالتالي الانفتاح الاقتصادي للأردن وانضمامه لمنظمة التجارة العالمية هو مصلحة أردنية بحتة في الاعتبار الأول.

* هل تعتمدون آلية معينة لادارة هذا الانفتاح التجاري؟

ـ عملية ادارة الانفتاح، بمعني كيف ننتقل لمرحلة الانفتاح والتحرير الكامل للتجارة، تلك هي العملية المهمة والتي تحتاج منا الى دراسة دقيقة وعناية فائقة، حتى نتمكن من الحفاظ علي مكاسبنا التجارية، ولنتمكن أيضا من الحفاظ علي صناعاتنا المحلية، وبنفس الوقت ننتقل الى مرحلة التحرير الكامل للتجارة والانفتاح الاقتصادي.

* أصبح توفير «قوت يوم» من الهموم التي تلاحق المواطن الأردني،أين الانفتاح الاقتصادي من حالة الفقر والحاجة والبطالة التي يعيشها معظم المواطنين في الأردن؟

ـ الأردن عانى كثيراً ولعشر سنوات مضت من ركود اقتصادي ابتداء بحرب الخليج وحتى وقتنا الحالي، وما يحدث في الضفة الغربية والاراضي المحتلة أثر أيضا في الأردن، ولكن في نفس الوقت نقول ان السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو تعظيم الاستثمارات من خلال تحسين المناخ الاستثماري، بايجاد مستثمرين وبتشغيل العمالة، فمثلا لدينا الآن عشرون مصنعا، يوظف كل منها لا يقل عن 18 ألف عامل مثلا، وبذلك يكون المصنع قد أطعم 18 ألف أسرة، اذا فبدون استثمارات تعتمد على الأسواق الخارجية وعلى التصدير لا يمكن تخفيض معدلات البطالة، فنحن الآن نركز على الصناعات التصديرية وعلى قطاع السياحة وأيضا على الصناعات التي تستغل العمالة وتعتمد في قيامها على الأيدي العاملة كصناعة الألبسة مثلا، ولقد أولت الحكومة الأردنية اهتماما خاصا بهذا القطاع لأنه قطاع يتميز بتشغيل عدد كبير من العمال، فسياستنا هذه ستؤدي في النهاية الى الحد من التزايد في معدلات البطالة.

* ما المدة التي تحتاجونها لتطبيق سياساتكم الاقتصادية والتي تسعون من خلالها لتقليل مستوي البطالة؟

ـ لن نحتاج الى وقت طويل، فقد بدأنا تنفيذ خططنا الاقتصادية، ولدينا الان ما يقارب العشرين مصنعا باستثمارات أجنبية من الهند والصين وباكستان وتايوان وهونج كونج، وتلك الاستثمارات بدأت في اجتذاب عدد كبير من العمالة الوطنية، كذلك في الاستثمار الفندقي، هناك العديد من الفنادق التي بنيت مؤخرا أو أنها ما زالت قيد الانشاء، جميع تلك الاستثمارات الضخمة تقوم بتوظيف عدد كبير من الأيدي العاملة الوطنية بشكل سريع ومباشر، فكلما ارتفع معدل الاستثمار في الأردن ساعد ذلك في توظيف العدد الأكبر من الأيدي العاملة وبالتالي المساعدة في رفع مستوى معيشة الفرد في الأردن، وسوف تتخذ الحكومة الأردنية اجراءات من شأنها وضع قاعدة لنمو اقتصادي مستديم وهذا هو المطلوب، وللعلم فان بعض تلك الاستثمارات سوف تأخذ بعض الوقت لكي تدخل حيز التنفيذ، ولكن هناك أيضا بعض الاستثمارات الأخري التي أخذ يجني المواطنين ثمارها، كما أن حجم الصادرات الأردنية للولايات المتحدة الأميركية ارتفعت بمعدل ثلاثة أرباع أضعافها عن معدلاتها مقارنة بالعام الماضي، أي أن النتائج تظهر بشكل سريع، وسوف تستمر التنمية، فمنطقة العقبة مثلا بدأت تجتذب المستثمرين اليها حتي أن هناك الكثير من الشركات التي سجلت أسماءها وتعد الان لبدء الاستثمار في منطقة العقبة الحرة.

* كيف أثر تزايد الجالية العراقية في الاقتصاد الأردني ؟

ـ حجم الجالية العراقية كبير منذ التسعينات، وجزء كبير منهم مستثمرون أنشأوا صناعات وتجارات في الأردن، لم نحسب في أي وقت من الأوقات أثر الجالية العراقية في اقتصادنا، ولكن أثر وجود الجالية العراقية في الأردن، في رأي الشخصي هو ايجابي وليس سلبيا فالكثير منهم مستثمرون في الأردن وظفوا عمالة أردنية وأيدي عاملة أردنية في مشاريعهم الاستثمارية، وهم موجودون على الأراضي الأردنية تبعا لقوانين الاقامة وأنظمة العمل المعمول بها في الأردن .

* كيف ترون مستقبل التجارة والصناعة في الأردن ؟

ـ المستقبل الصناعي يتمثل في الانفتاح الاقتصادي، وتحرير التجارة وما الى ذلك هذا له وجهان، الوجه الأول يتمثل في فتح أسواق خارجية أمام المنتجات الأردنية مما يعطيها معاملة تفضيلية في أسواق التصدير وهذا وجه ايجابي، كما أن هناك بعض الصناعات القادرة على التصدير وتنتج بضائع ضمن المواصفات العالمية، تلك الصناعات سوف تستفيد بشكل ايجابي من الدخول الي أسواق متعددة، ولكن هناك أيضا بعض الصناعات التي اعتمدت على السوق المحلي واعتمدت على مبدأ الحماية وبما أن الانفتاح يؤدي الى دخول مستوردات بشروط أفضل الى السوق الأردنية سيؤدي ذلك الى منافسة تلك المستوردات للصناعات المحلية والتي تعتمد على السوق الأردنية بالدرجة الأولى، فالان تلك الصناعات المحلية أمام تحد كبير، فإما أن تتمكن من اعادة تأهيل نفسها واعادة هيكلة نفسها بشكل يمكنها من المنافسة للمحافظة على حصتها من السوق المحلي والانتقال الى التصدير، وإما ستفشل في مواجهة منافسة البضائع الأجنبية، لذلك فان بعض الصناعات المحلية ان فشلت في تحديها فسوف تخرج من السوق ولكن في المقابل ستنشأ بدلا منها صناعات ناجحة ذات امكانيات أفضل ولها القدرة على التصدير، بعض الصناعات لم تنشأ في الأساس بالشكل الصحيح فهي قامت على أساس حماية جمركية لم تكن تلك الصناعات تنتج ضمن المواصفات المطلوبة ولم تكن قادرة على المنافسة الا ضمن الحماية الجمركية وليست على أساس تنافسي، تلك الصناعات معها الان فترة انتقالية لمراجعة نفسها واعادة دراسة أسلوب عملها واعادة هيكلة نفسها واعادة تأهيل نفسها حتى تتمكن من المنافسة، ولكن يجب أن لا ننسى أن هناك صناعات كصناعة التعدين التي قامت منذ بداياتها على التصدير ولم تعتمد قط على السوق المحلية، فالانفتاح مثلا سيعطي ذلك النوع من الصناعات دفعة قوية لمضاعفة تصديرها، كذلك صناعات الزيوت التي اعتمدت التصدير منذ انشائها، كذلك صناعات البوتاسيوم والفوسفات والاسمنت جميع تلك الصناعات مصدرة وسوف تستفيد جدا من الانفتاح التجاري الذي سيزيد من طاقاتها الانتاجية والتصديرية، كذلك صناعات الأدوية التي تصدر نسبة 85% من انتاجها والتي تعتمد بشكل كبير على أسواق، التصدير، فنحن الان بالانفتاح التجاري سوف نعطي قطاع الأدوية ميزة تصديرية في الأسواق، مما سيؤدي الى رفع صادراته وأعتقد شخصيا أن الجزء الأكبر من الصناعات الأردنية سوف تستمر وستستفيد من الانفتاح، ولكن بالمقابل سيكون هناك بعض الصناعات التي لن تستطيع الصمود أمام الانفتاح وسوف تخرج من السوق، فالانفتاح أصبح توجها عالما.

* هل لدي الحكومة الأردنية برنامج معين لأعادة تأهيل بعض الصناعات؟

ـ نعم لدى الحكومة الأردنية برامج لاعادة تأهيل قطاع الصناعة بدعم من الولايات المتحدة الأميركية واليابان والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وسوف تقدم الدعم المالي والفني للصناعات الأردنية التي تعاني من عدم القدرة علي التنافس، وسوف تقدم الحكومة لهذا القطاع كل ما بوسعها حتي تتمكن تلك الصناعات من اعادة تأهيل نفسها.

* وكيف سينعكس الانفتاح الاقتصادي بدخول البضائع الأجنبية للسوق المحلية على المستهلك الأردني؟

ـ المستهلك الأردني سيأخذ حقه بالحصول على سلعة ضمن جودة ومواصفات مقبولة وضمن سعر معقول ، ففي النهاية جودة البضائع أو السلع تعود بالفائدة على المستهلك بالدرجة الأولى.

=