162 مليار دولار مديونية الدول العربية الخارجية بنهاية التسعينات

مصر والجزائر أكبر المدينين لمصادر خارجية والسعودية أكبر المقترضين من سوقها المحلي

TT

اثقلت الديون الخارجيه كاهل الدول النامية على وجه العموم والدول العربية على وجه الخصوص منذ اكثر من نصف قرن. وبدأت الاصوات خلال العقد الماضي تتعالى لاعفاء الدول المدينة وخصوصا الدول الافقر حسب تصنيف الامم المتحدة والبنك الدولي. وقد وصل اجمالي المديونية الخارجية للدول النامية الى 2536 مليار دولار في عام .1999 ومع ان مشكلة المديونية الخارجية للدول العربية تعتبر من المعيقات والمصاعب امام نمو العديد منها الا ان نسبة مديونيتها الخارجية الاجمالية من اجمالي المديونية الخارجية للدول النامية انخفضت من 16 في المائة في نهاية الثمانينات الى اقل من 6.5 في المائة في عام 1998 حسب احصائيات البنك الدولي. وفي هذا الصدد غالبا ما يغفل الباحثون والمختصون ظاهرة المديونية المحلية والتي انتشرت على وجه الخصوص في الدول العربية. فالبيانات المتاحة عن حجم وتوجه مديونية الدول العربية تكشف عن ظاهرة جديدة ليس فقط تستحق الدراسة والبحث بل ايضا تتطلب توخي الحذر مما قد يسببه تفاقم المديونية المحلية. فالتغيرات التي شهدها العالم خلال العقدين الماضيين دفعت المنطقة الى تبني نمط تمويلي جديد. فانهيار الاتحاد السوفياتي، وحرب الخليج الثانية، وندرة توفر ديون رسمية ميسرة وطويلة الامد، وازدياد اهمية التمويل من القطاع الخاص والاسواق الرأسمالية الناشئة في عالم يتسم بالانفتاح والعولمة، جميعها ساهمت في هذا التحول. حجم وتوجه المديونية الخارجية العربية وحسب تقرير البنك الدولي للعام 2000 والذي شمل بيانات عن 13 دولة عربية فقط، تضاعف اجمالي المديونية الخارجية للدول العربية مرة ونصف مرة خلال العقدين السابقين من 66.3 مليار دولار في عام 1980، اي 162.2 مليار دولار في عام 1998 بالاسعار الجارية. وفي عام 1980 كانت مصر والجزائر الدولتين العربيتين الاكثر مديونية حيث وصلت نسبة مديونيتهما الخارجية الى 58 في المائة من اجمالي المديونية الخارجية للدول العربية بمجموع 38.5 مليار دولار موزعة مناصفة بين الدولتين. واستمرت هاتان الدولتان الاكثر مديونية في عام 1998 حيث وصل اجمالي مديونيتهما الخارجية الى 62.6 مليار دولار بواقع 31.9 مليار للاولى و30.7 مليار للثانية، الا ان حصتهما من الدين الخارجي العربي انخفضت 20 في المائة لتصل الى 38 في المائة نظرا لارتفاع مديونيات دول عربية اخرى. وجاء المغرب ثالثا حيث وصلت مديونته الى 9.3 مليار دولار بنسبة 14 في المائة من اجمالي المديونية العربية في عام 1980 وارتفعت الى 20.7 مليار دولار في عام 1998 في الوقت الذي انخفض نصيبه من اجمالي الديون الخارجية العربية الى 13 في المائة. وتضاعفت مديونية لبنان اكثر من 12 مرة خلال الفترة ما بين 1980 و1998 حيث قفزت من 510 ملايين دولار في عام 1980 الى 6.7 مليار دولار في عام .1998 وفي الفترة نفسها تضاعفت مديونية سورية وسلطنة عمان الخارجية اكثر من خمس مرات خلال العقدين السابقين. وقفزت مديونية سورية من 3.5 مليار دولار (ما يقارب من ثلث حجم مديونية المغرب) في عام 1980 لتصل تقريباً الى نفس مديونية المغرب (22.4 مليار دولار) في عام .1998 وارتفعت مديونية عمان من 600 مليون دولار تقريباً في عام 1980 الى 3.6 مليار دولار في عام .1998 واحتل السودان وتونس والاردن مرتبة عالية في حجم المديونية الخارجية بالنسبة للدول العربية الاخرى حيث وصلت مديونية السودان الخارجية الى 16.8 مليار دولار في عام .1998 ووصل مجموع ديون تونس الخارجية الى 11 مليار دولار في عام 1998 من 3.5 مليار دولار في عام .1980 الاردن بدوره اقترض ما مجموعه 8.5 مليار دولار بحلول عام 1998 بالمقارنة مع ما يقارب ملياري دولار في عام .1980 واقتصرت مديونية جيبوتي على 288 مليون دولار في عام 1998 في الوقت الذي وصل فيه مجموع مديونية اليمن الى 4.2 مليار دولار والصومال الى 2.6 مليار دولار وموريتانيا الى 2.6 مليار دولار في عام .1998 من الملاحظ ان الدول العربية بدأت في الاعتماد على مصادر التمويل الخاص المحلي منذ منتصف التسعينات. وحسب تقرير لصندوق النقد العربي بعنوان «التقرير الاقتصادي العربي الموحد»، والذي يستثني العراق والسودان والصومال، فان اجمالي المديونية العربية للسوق المحلي ارتفعت من 208 مليارات دولار في عام 1997 الى 211 مليار في عام 1998 لتصل الى 218 مليار دولار في نهاية عام .1999 وبالتالي فاقت المديونية المحلية للدول العربية المديونية الخارجية. وجاءت السعودية في مقدمة الدول العربية المدينة لسوقها المحلي حيث وصل اجمالي الديون المحلية فيها الى 75 مليار دولار في عام 1998، اي ما يزيد عن ثلث اجمالي الديون من مصادر محلية للدول العربية في نفس العام. وكانت مديونية مصر المحلية اعلى بكثير من مديونيتها الخارجية حيث وصلت الى 40.4 مليار دولار في العام نفسه. وحلت ليبيا ثالثة حيث وصل اجمالي دينها المحلي الى 19.6 مليار. ووصل اجمالي ما اقترضته كل من لبنان والكويت والمغرب ما يقارب 14 مليار دولار من مصادر محلية في عام .1998 وتوزع باقي المديونية المحلية الـ24 مليار على سورية 5.5 مليار، قطر 4.3 مليار، تونس 4.2 مليار، الامارات 3.5 مليار، اليمن ملياران، الاردن 1.8 مليار، عمان 1.6 مليار وما يقارب المليار دولار على البحرين وجيبوتي وموريتانيا. وأظهرت دراسة رندا علمي زيادة مطردة في اعتماد الدول العربية على مصادر تمويل اما محلية خاصة او متعددة الاطراف بالمقارنة مع الاقتراض من جهات حكومية خارجية. وقالت الدراسة ان اعتماد الدول العربية الاكبر على مصادر تمويل ذات طابع متعدد الاطراف مثل صندوق النقد والبنك الدوليين على حساب التوجه السابق للدول العربية في الاقتراض من دول اخرى، ستنتج عنه بالضرورة شروط مرتبطة بهذة القروض والتي استطاعت الدول العربية الاستغناء عنه في السابق بفضل توفر مصادر التمويل من القطاع الخاص ومن دول غير غربية لا تشترط اصلاحات اقتصادية قبل التمويل. واستخلصت الدراسة بأن هذا سيعكس توجها ايجابيا على الاداء الاقتصادي العربي بسسب التزام الدول العربية ببرامج الاصلاحات الاقتصادية في الفترة المقبلة. وبذلك افترضت الدراسة علاقة ايجابية بين شروط المؤسسات الدولية وبرامج الاصلاح الاقتصادي من جهة وبين النتائج والنمو الاقتصادي من جهه اخرى. ويؤكد مختصون انه يجب توخي الحذر عند استخلاص هذه النتائج فتجربة الدول النامية كانت وما زالت مريرة بسسب الشروط التي وضعتها مؤسسات التمويل الدولي ولم تراع فيها خصوصيات الدول المقترضة من النواحي السياسة والاقتصادية والاجتماعية عند وضع شروطها وبرامجها الاصلاحية. فتجربة دول اميركا اللاتينية وحتى تجربة روسيا الاخيرة مع هذه القروض المشروطة يجب ان تشكل مثالا للدول العربية اذا استمرت في نهجها المتوجه نحو التمويل متعدد الاطراف. توزيع الديون الخارجية على القطاعات الاقتصادية للدول العربية المقترضة حاز القطاع العام في الدول العربية نصيب الاسد من الديون الخارجية حيث تجاوزت نسبة قروض القطاع العام من اجمالي المديونية في الدول العربية 80 في المائة في عام 1998 بالمقارنة مع 54 في بقية الدول النامية حسب بيانات البنك الدولي ودراسة حديثة للباحثة الدكتورة رندا علمي. وتراوحت هذة النسبة بين الدول العربية وكانت الاعلى في حالة الجزائر ومصر والاردن وموريتانيا والمغرب وسورية والسودان والصومال اذ تجاوزت 80 في المائة بالمقارنة مع 10 في المائة في السعودية، حسب رندا علمي. وتشير البيانات السابقة الى ان الدول التي يحتكر قطاعها العام الكمية الاكبر من الديون هي نفسها اكثر الدول العربية مديونية ومن الممكن ايضا استنتاج ان معظم دين دول الخليج الخارجي هو لصالح قطاعها الخاص. وتجدر الاشارة هنا الى ان ديون القطاع الخاص، بعكس القطاع العام، توحي بمؤشرات ايجابية على افتراض ان السواد الاعظم من هذه الديون يتم استثماره محليا وتعكس ايضا ثقة الممولين الاجانب بالبيئة الاستثمارية المحلية كما هو الحال في دول الخليج التي تتمتع بدخل عال وباستقرار اقتصادي وسياسي مشجع. تصنيف الدول العربية حسب مديونيتها الخارجية وتوضح البيانات (انظر الجدول) ان الدول العربية من حيث المديونية يمكن تقسيمها الى ثلاثة اقسام: دول شديدة المديونية تزيد فيها نسبة اجمالي الديون من الناتج المحلي الاجمالي عن 80 في المائة وتتعدى نسبة الديون للصادرات 220 في المائة. ودول متوسطة المديونية لا تتجاوز بها النسبتان الـ60 في المائة. ويشمل التصنيف الثالث دولا تقل فيها النسب عن التصنيفين الاول والثاني. وحسب دراسة رندا علمي، كان هناك تسع دول عربية مصنفة كدول شديدة المديونية في نهاية الثمانينات. فبالاضافة الى الدول الست المبينة في الجدول التالي (موريتانيا والصومال والسودان والعراق والاردن وسورية) كانت مصر والجزائر والمغرب مصنفة كدول شديدة المديونية. واستطاعت الدول الثلاث بحلول عام 1998 الخروج من هذا التصنيف والانتقال الى دول متوسطة المديونية (الجزائر والمغرب) ودول ذات مديونية اقل (مصر). ويقول المختصون ان الاوضاع العالمية والاقليمية مواتية لبعض الدول العربية في السعي بجديه لالغاء او على الاقل اعادة جدولة ديونها كما فعل الاردن وموريتانيا مؤخرا. ويمكن لسورية تخفيف جزء كبير من ديونها اذا ما حصلت على اعفاء من روسيا المقرض الاساسي لها والناتج عن استيراد معدات ومنتجات عسكرية زمن الاتحاد السوفياتي. يبقى التنبيه الى اهمية التمويل المحلي والخاص مع مراعاة محدودية حجمه وقصر مدة سداده مما يضع ضغوطا اكبر على ميزانيات الدول المعنية.