الدوحة: آمال اطلاق جولة مفاوضات تجارية جديدة تصطدم بالخلافات التي افشلت مؤتمر سياتل

TT

هل يمكن ان تنجح الدوحة في ما فشل فيه مؤتمر سياتل قبل عامين؟ هذا هو السؤال الذي يشغل الصحافيين الذين قدموا بالمئات الى مؤتمر منظمة التجارة العالمية الذي تستضيفه الدوحة في قطر في ظروف استثنائية عالمية في ضوء احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي والحرب في افغانستان وبوادر الركود الذي بدأ يضرب الاقتصاد العالمي.

بعض اعضاء الوفود قالوا ان هذه الظروف الاستثنائية هي التي قد تدفع وفود الدول الـ142 المشاركة الى محاولة الوصول الى نتيجة في المؤتمر الحالي، لان الفشل هذه المرة سيكون كارثيا، فالحاجة الى تأكيد ان العالم قادر على التعاون والانفتاح على بعضه ماسة لان البديل لن يكون فقط العودة الى السياسات الحمائية والانغلاق ولكن ايضا مخاطر الصراع بين الحضارات والكتل المختلفة.

والمجتمعون لديهم هذه المرة فرصة افضل فيها المكان والحالة الامنية المتوترة التي يشهدها العالم حاليا جعلا الجانب الاحتجاجي الذي كان تأثيره شديد الوطأة في سياتل وفي اجتماعات دولية اخرى فلكلوريا هذه المرة، فباستثناء سفينة السلام لانصار البيئة التي جاءت الى ميناء الدوحة ومظاهرة احتجاجية امام قاعة المؤتمر كمم فيها مناهضون للعولة ولمنظمة التجارة افواههم وصيحة احتجاج اطلقها احد اعضاء المنظمات الحكومية الذي كان حاضرا في قاعة المؤتمر عندما اعطيت الكلمة لمايك مور مدير منظمة التجارة، لم يكن هناك شيء حقيقي يعكر صفو المؤتمر. وبالتالي فان كل شيء مهيئ لمفاوضات هادئة خاصة ان هناك آلاف الجنود القطريين يقومون بتأمين المؤتمر واماكن اقامة الوفود، واتخذت اجراءات امن مشددة شملت اغلاق الطرقات المؤدية الى فندق شيراتون حيث ينعقد المؤتمر، كما ان تحركات اعضاء الوفود تتم بحافلات خاصة.

لكن هذه الاجواء الهادئة امنيا لا تنفي سخونة الخلافات التي ما زالت قائمة بشأن قضايا رئيسية، خاصة عدم رضا الدول النامية عن مسألة تطبيق اتفاقات جولة تحرير التجارة الماضية المسماة «جولة اوروغواي». واشار مايك مور مدير منظمة التجارة العالمية في كلمته الى حقيقة اساسية وهي ان مؤتمر الدوحة في النهاية هو مؤتمر رمزي، ففيه لن تتخذ القرارات الفعلية بشأن خطوات جديدة لاطلاق حرية التجارة في مجالات معينة وان مهمته هي اصدار اعلان يطلق مفاوضات تجارية عالمية جديدة ستستغرق سنوات على غرار ما حدث في اوروغواي.

ولكن هذه الخطوة لها اهميتها الكبيرة بالنسبة الى الاقتصاد العالمي ولمستقبل منظمة التجارة العالمية ذاتها، لانه بدون الاتفاق على اطلاق جولة مفاوضات جديدة ستعود الكتل التجارية الى السياسات الحمائية والعزلة واغلاق الاسواق، ومع الركود الذي يشهده العالم حاليا ستكون النتيجة كارثية على الاقتصاد العالمي.

وقد حرص مور في كلمته على تأكيد الاستعدادات التي اتخذت من اجل انجاح هذا المؤتمر، مشيرا الى 3 سنوات من العمل وآلاف الساعات من المناقشات بحثت فيها كل قضية بالتفصيل.

وقال «تعلمنا دروسا من سياتل ويجب ألا ننساها، ولذلك فان هناك قدرا من التفاهم بشأن الكثير من القضايا، لكن هذا لا يعني ان كل شيء تم حله». واشار الى مسودة الاعلان التي قدمت للوزراء من قبل ادارة المنظمة، مشيرا الى انها تقدم أساسا جيدا للعمل. واشار الى الظروف العالمية الحالية قائلا ان الاقتصاد العالمي يحتاج الى اشارة ثقة وتعهد بالتعاون الدولي بين الامم. وحذر من ان الاقتصاد العالمي مقبل على اسوأ ركود منذ عقود سيعاني منه الجميع وستكون الدول النامية والفقيرة الاكثر تضررا. وقال مور انه ليس صحيحا القول ان الدول النامية لم تستفد من الاتفاقات التي ابرمت في جولة اوروغواي لتحرير التجارة، مشيرا الى ان حصتها في التجارة العالمية زادت 13 في المائة بين عامي 1996 و1998، لكنه اعترف بان المستفيد الاكبر كان الدول النامية التي تنتج سلعا مصنعة وليس الدول النامية التي تصدر منتجات زراعية. واشار مور الى الدول العربية قائلا ان تأسيس المنظمة التي حلت محل «الغات» بدأ في مدينة عربية هي مراكش والآن يجتمع الوزراء في الدوحة، لكن مساهمة الدول العربية كانت ضعيفة في السنوات الماضية.

وقال ان المنظمة ستعمل على تشجيع الدول العربية على دخول المنظمة. ويذكر ان هناك عدة دول عربية ما زالت تتفاوض للدخول، بينها السعودية ولبنان والسودان والجزائر.

من جانبه، حذر كوفي انان الامين العام للامم المتحدة في كلمة القاها نيابة عنه سكرتير منظمة الاونكتاد من ان الاقتصاد العالمي في اسوأ معدلات نموه حاليا وبالتالي فان نتائج المؤتمر ستكون حيوية لان النتائج ستكون مأساوية للدول النامية. وقال ان العالم يواجه بعد احداث 11 سبتمبر خيارين هما صدام الحضارات او التعاون الاقتصادي العالمي وفتح الاسواق خاصة امام الدول الفقيرة. ونوه انان بالقرار المتوقع ان يصدره المؤتمر الوزاري بضم الصين الى عضويتها في ختام مفاوضات ناجحة معها.

من جانبه اشار وزير المالية والاقتصاد والتجارة القطري يوسف حسين كمال الى مسودة الاعلان المطروحة على الاجتماع، معترفا بان هناك تحفظات للبعض عليها، لكنه اعرب عن امله في الوصول الى حلول ترضي الجميع. وركز بشكل اساسي على وجهة نظر الدول النامية التي ترى ان النتائج المرجوة من جولة اوروغواي لم تتحقق عمليا. وشدد على الناحية الانسانية للتجارة إذ ان من شأنها تعزير صورة المنظمة وبالاخص لدى الدول الاقل نموا والدول النامية والمجتمعات المدنية. وما زالت مسألة مراجعة تطبيق اتفاقات جولة اوروغواي تشكل احدى النقاط الخلافية الشديدة بين الدول النامية والصناعية، اذ ترى الدول انها لم تستفد بفتح الطريق امام منتجاتها الزراعية لدخول اسواق الدول الصناعية، حيث ما زالت القيود شديدة.

كما تشكل مسألة الدعم الذي تقدمه الدول الصناعية لقطاعات الزراعة فيها بما يعطيها ميزات تصديرية قضية شائكة على مستوى التجارة العالمية وقضية ساخنة سياسيا في الدول الصناعية نفسها.

وتقدر منظمة التجارة الدعم الذي تقدمه الدول الغنية لزراعاتها بحوالي مليار دولار يوميا. اما القضية الاخرى التي تشعر الدول النامية انها لم تطبق جيدا وفقا لاتفاقات جولة اوروغواي رغم ان حجم الصادرات في المنسوجات وصل الى 356 مليار دولار عام 2000. وتشكو هذه الدول من انظمة الحصص التي تفرضها الدول الصناعية.

ويعرقل الخلاف حول طريقة تطبيق اتفاق جولة اوروغواي الدخول في مفاوضات حول تحرير تجارة السلع والخدمات والبدء في مفاوضات تجارة جديدة ما لم تتم تسوية المسائل النقدية.