هل يسقط نظام سعر النفط الثابت كما سقط نظام سعر الصرف الثابت؟

TT

للنفط سعر كما للعملة سعر، وتسعير أيهما قد يكون تسعيرا رسميا من قبل دولة أو مجموعة من الدول، أو قد يكون تسعيرا سوقيا يتمخض عن تفاعل قوى العرض والطلب في الأسواق المعنية. وقد تبنت منظمة أوبك آلية تسعيرية معينة قبل ما يقرب من ثلاث سنوات لتساعدها على تثبيت سعر النفط عند سعر محدد. وتتشابه كثيرا آلية تسعير النفط هذه ونظام سعر الصرف الثابت الدولي (بريتون وودز) في نواح متعددة. وقد سقط سعر الصرف الثابت عام 1973، فهل يعني أن آلية أوبك ستشهد نفس المصير، وبالتالي ستؤول الى السقوط؟ للاجابة عن هذا السؤال فاني أحاول في هذا المقال أن أحلل أوجه التشابه بين هذين النظامين لأجد نمطا متسقا يساعدنا على استشراف مصير آلية الأوبك التسعيرية.

نحن نعرف أن الغاية من آلية أوبك التسعيرية هي كبح جماح تقلبات أسعار النفط الدولية عن طريق تثبيت سعر برميل النفط عند معدل 25 دولارا أميركيا عن طريق تحديد السعر بحيث لا يتعدى 28 دولارا أميركيا كحد أقصى، وألا ينخفض تحت 22 دولارا أميركيا كحد أدنى. وللمحافظة على هذا المدى السعري الثابت (22 ـ 28 دولاراً) في الأسواق الدولية، فان منظمة أوبك تزيد من الكمية المعروضة برفع مجموع انتاجها اليومي بمقدار 500 ألف برميل اذا ما استمر ارتفاع سعر البرميل فوق 28 دولارا لمدة عشرين يوما متتالية، وتخفض مجموع انتاجها اليومي بمقدار 500 الف برميل اذا ما استمر انخفاض سعر البرميل تحت 22 دولارا لمدة عشرة أيام متتالية. وحسب نظام سعر الصرف الثابت الذي ساد اقتصادات السوق الحر منذ عام 1944 الى عام 1973، فقد كان سعر العملات ثابتا ازاء الدولار الأميركي الذي كان سعره ثابتا ازاء سعر الذهب. ولم يسمح صندوق النقد الدولي (المشرف على تطبيق النظام النقدي الدولي) لسعر العملة بالتقلب صعودا أو هبوطا بأكثر من 1 في المائة من هذا السعر الثابت الرسمي. واذا حدث أن زاد هذا التارجح بأكثر من 1 في المائة فكان على البنك المركزي أن يتدخل في سوق العملة لاعادة سعر صرف العملة الوطنية الى سعر الصرف الثابت الرسمي السابق. ونظام سعر الصرف الثابت تبنته الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي عقب الحرب العالمية الثانية الى غاية قرار نيكسون رئيس الولايات المتحدة في 15 أغسطس (اب) عام 1973 بالغاء العمل بهذا النظام النقدي عن طريق ايقاف الدول من تحويل الدولارات الأميركية الى ذهب حسب السعر الرسمي الثابت. وقد قدر لي عام 1976 أن أشارك في اجتماعات صندوق النقد الدولي والتصويت نيابة عن احدى دول الخليج بالموافقة رسميا على الغاء العمل بنظام سعر الصرف الثابت، ذلك النظام الذي كان محتضرا على أية حال منذ عام 1971، فاسحين المجال لنظام التعويم بأن يتبوأ زعامة النظام النقدي الدولي. وبالرغم من أن الولايات المتحدة هي التي كانت مسؤولة عن استخدام نفوذها المالي الضخم للضغط على الدول الأخرى باتجاه التخلص من نظام الصرف الثابت، الا أن هذا النظام النقدي الدولي لم يكتب له النجاح لأسباب متعددة، منها:

1) ان النظام النقدي الدولي السائد آنذاك استثنى من عضويته العديد من الدول خاصة دول الاتحاد السوفياتي وأوربا الشرقية والدول النامية التي آثرت أن تنحى منحىً اشتراكيا في سياستها الاقتصادية، والتي لم تنضم آنذاك الى عضوية صندوق النقد الدولي.

2) قامت بعض الدول الغربية الأعضاء في صندوق النقد الدولي نفسها بخرق اتفاقية بريتون وودز أو اتفاقية سعر الصرف الثابت، وذلك بتبني اجراءات كانت غايتها الرئيسية هي تخفيض سعر صرف عملاتها الوطنية من أجل تحسين منافسة صادراتها وتقوية موازين مدفوعاتها، مما دفع الدول الأخرى، خاصة الولايات المتحدة، التي كانت تعاني من ارتفاع في معدل التضخم وارتفاع في عجز ميزان مدفوعاتها، الى اتخاذ اجراءات مماثلة. وبالرغم من أن المستقبل هو الكفيل بالحكم على فعالية تطبيق آلية تسعير النفط في أوبك، الا أن العوامل السابقة التي عصفت بنظام النقد الدولي تشبه الى حد كبير تلك العوامل التي تحيط حاليا بآلية تسعير النفط الثابت التي تنتهجها أوبك. وهذه العوامل على وجه التحديد هي:

1) ان الآلية تنطبق بشكل أساسي على أعضاء منظمة أوبك، ولا تنطبق على الدول الأخرى الرئيسية وغير الرئيسية المصدرة للنفط. وأخص بالذكر كل من المكسيك وروسيا والنرويج. ولو كانت هذه الدول اعضاء في منظمة أوبك لزادت ثقتنا في فعالية آلية أوبك التسعيرية في الوقت الحالي والمستقبل.

2) ان قراءة تاريخ أوبك منذ انشائها عام 1960 تبين لنا أن بعض الدول قامت بالفعل في عديد من المرات بخرق اتفاقيات منظمة أوبك من حيث عدم الألتزام بحصص الانتاج أو الأسعار أو كلتيهما معا. وحدث في بعض الأحيان أن بعض هذه الدول قايضت نفطها بسلع ومعدات أنتجتها الدول الصناعية الغربية او الشرقية. وقد اتبعت بعض الدول النفطية هذا الطريقة الذكية علها تحمي نفسها من اتهامات الدول الأعضاء الأخرى الملتزمة بأسعار النفط الرسمية المتفق عليها. 3) ان التغير في حجم ونمط استخدام المخزون الاستراتيجي النفطي التي تحتفظ به الدول الصناعية المستهلكة للنفط يؤثر على فعالية آلية أوبك.

4) ان الاكتشافات النفطية الجديدة في دول هي ليست أعضاء في منظمة أوبك تزيد الاحتياطيات المؤكدة في العالم وتضعف آلية أوبك التسعيرية.

حقا ان المستقبل هو الكفيل بالحكم على فعالية تطبيق آلية تسعير النفط في أوبك، لكن تثبيت سعر النفط بدون اضافة معدلات التضخم السنوية في سعر النفط يعتبر بمثابة تقديم اعانات للدول الصناعية المستهلكة، وهذا يعني في هذه الحالة أن الأجيال الحالية هي التي تعطي لنفسها حق تقديم هذه الاعانات نيابة عن أجيال المستقبل في الدول المصدرة للنفط. اضف الى ذلك أن هذه الآلية قد صممت بطريقة لا تأخذ معها في الحسبان امكانية انخفاض سعر الدولار، وهي العملة التي يتم تسعير النفط بها، وهي أيضا العملة التي عانت خلال عقود من الزمن من انخفاض قيمتها، مما قلل القدرة الشرائية لتلك الدول النفطية التي تستورد جل وارداتها السلعية والخدمية من دول غير الولايات المتحدة. لقد استطاعت اتفاقية بريتون وودز لسعر الصرف الثابت أن تنجح في نشر الاستقرار في أسواق صرف عملات الدول الرأسمالية، وأدى هذا الى ازدهار التجارة الدولية وتدفق رؤوس الأموال بكثافة بين دول الاقتصاد الحر خلال الفتره من 1944 الى .1973 ويعزى نجاحها الطويل الى عدم ذبذبة أسعار الصرف تذبذبا جامحا مما ممكن الشركات العالمية والحكومات الغربية من أن تخطط تدفقاتها النقدية بثقة أكبر وبوضوح أكثر وبشيء من الشفافية اللازمة لاستشراف المستقبل، وقد استطاعت هذه الشركات العالمية وهذه الحكومات الغربية ان توفر على نفسها تكاليف استخدام عقود الحد من المخاطر التي لم تستخدم آنذاك كما هي تستخدم هذه الأيام، ونقصد بالذات عقود الخيار والعقود الآجلة وعقود المبادلة.

ونعيد القول إن المستقبل هو الكفيل بالحكم على فعالية تطبيق آلية تسعير النفط في أوبك.

* أستاذ كرسي البنك السعودي البريطاني للعلوم المالية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ـ الظهران