ديترويت تسرع الخطى نحو مزيد من الإثارة

TT

في الصيف الماضي توجه جاك نصر الرئيس التنفيذي السابق لشركة فورد الى ملتقى مع محبي مركبات فورد المتعددة الاستخدامات ممتطياً سيارة جاكوار بمقود على اليمين، في حين جاء بيل فورد رئيس مجلس الادارة وهو يقود بزهو وخفة شاحنة بيك من طراز «إف 150 ـ نسخة هارلي ديفيدسون» كما لو كان على صهوة حصان اصيل ..

ومرت الايام واضطر نصر، الرّجل «الوقور» والخبير في عصر النفقات، للتقاعد وسط تراجع حظوظ فورد، وتولّى الدفة بيل فورد «الشبابي» بالذات. والفارق واضح وضوح الشمس بين مظهري الرجلين وعقليتيهما ونظرتيهما.

اليوم اكتشف «عمالقة» صناعة السيارات الاميركية الثلاثة (جنرال موتورز، وفورد، وقسم كرايسلر في مجموعة دايملر كرايسلر) ان مفتاح النجاح في السوق يكمن في تصنيع سيارات وشاحنات ومركبات مثيرة وعالية الجودة، ولكن قبل هذا.. تسليم الزمام لمسؤولين ومديرين «يحبون» السيارة ويتعاملون معها بعاطفة وشغف.

«محبو السيارات» يحتلون الآن مواقع خطيرة في هرم اتخاذ القرارات. والثمرة الاولى هي ان الصانعين الثلاثة تعد لانتاج افضل المركبات الاميركية واكثرها تميزاً واثارة منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي.

بين هؤلاء في قيادة جنرال موتورز الآن بوب لوتز، الرجل الذي يمج التفكير النمطي والحسابي الممل ويهوى الابتكار، والذي اسهم اسهاماً مباشراً ابان عمله مع كرايسلر خلال اواخر الثمانيات بانقاذ الشركة من الافلاس عبر منتوجات بديعة جذابة. لوتز يكرّر الاسلوب نفسه حالياً مع جنرال موتورز بعد تعيينه نائباً لرئيس مجلس الادارة لشؤون تطوير المنتوج ورئيس جنرال موتورز ـ اميركا الشمالية (اكبر اقسام الشركة الضخمة).

بيل فورد، في المقابل قد يبدو شاباً قليل التحفظ والوقار، ولكن هذا الانطباع يصدق فقط لدى مقارنته بجاك نصر، لأن الواقع شيء مختلف جداً. فهو يحب السيارات والآلات، ويحب ايضاً تراثه العائلي المرتبط بالشركة التي اسسها الجد الاكبر هنري فورد. وحقاً منذ تولى بيل فورد منصبه التنفيذي الحالي زرع في قيادة الشركة رجالاً حريصين مثله على «العودة الى الينابيع»، علماً ان من اقواله الشهيرة المباشرة «الشركة التي تنتصر دائماً.. هي تلك تصنع افضل المركبات». وحول هذه النقطة يستفيض لوتز اكثر، فيقول «لقد صرف جهد كبير وموارد كبيرة في السعى لتحسين آليات الانتاج والتسويق الالكتروتي (الايكمة) وإعادة تعريف الماركات، ولكن علينا في الواقع الاهتمام بالمنتوج نفسه. المنتوج الذي يثير الناس ويحفزها على شرائه».

ولكن في الظروف الحالية السيئة بالنسبة لصناعة السيارات قد يبدو مثل هذا الكلام محفوفاً بالمجازفة. ولكن حتى اولئك الذين يشيرون الى هذه الحقيقة يقولون ان التاريخ اثبت دوماً ان الخروج من الفترات الداكنة جاء دائماً عبر ثورة جريئة في التفكير والانتاج.

وفي ما يلي نظرة الى اوضاع «عمالقة» ديترويت الثلاثة.

* جنرال موتورز

* جنرال موتورز، كبرى شركات صناعة السيارات في العالم، نفضت عنها الترهل والارتباك الذي كبل حركتها في السنوات الفائتة، وعادت بهمة وقوة الى موقع الصدارة. وفي حين تراجعت حصتا منافستيها المحليتين من السوق خلال السنة الماضية، حافظت جنرال موتورز على حصتها البالغة 28.5 % من اجمالي مبيعات السيارات والشاحنات/المركبات الجديدة. اضف الى ذلك ان الشركة حققت اكبر تحسن في وسائل الانتاج، كما انجزت افضل تحسن في نوعية المنتوج، لدرجة جعلت مؤسسة جي دي باور تضعها في المرتبة الثالثة خلف شركتي تويوتا وهوندا.

ايضاً لدى هذه الشركة اليوم احسن تشكيلة من المركبات المتعددة الاستخدامات والشاحنات الجديدة، وفي رأس مهام لوتز مد رقعة هذا النجاح الى قطاع سيارات الركوب. ولئن كانت بعض مشاريع المركبات مثل الشيفروليه «إس إس آر» قد ابصرت النور قبل مجيء لوتز، فإنه كان وراء مشاريع جديدة بالكامل مثل الشيفروليه «بل آير» والبونتياك «سولتيس». ولم يتأخر لوتز في فرض بصماته على سيارات اخرى، اذ امر بتغيير تصميم لوحة القيادة في الكاديلاك «سي تي إس» حتى قبل ان تطرح السيارة في الاسواق، ورسم بقلمه تعديلات على تصميم الكاديلاك «سيفيل» المستقبلية، ويقال انه بينما قتل مشروع الكوبيه الرياضية بيويك «بنغال» أخّر انجاز طرازي بونتياك «غراند آم» و«غراند بري» الى حين ترسيخ هوية «مثيرة» لسيارات بونتياك.

* فورد

* فورد، العملاق الثاني، عاش في الآونة الاخيرة حقبة مادية صعبة، خاصة ان جروحه بالكاد اندملت. وحالياً بين العمالقة الثلاثة لعل فورد الابعد عن التعافي. مع هذا قلة ضئيلة جدا من المراقبين تشك في قدرات بيل فورد على التغلب على التحدي، وخاصة بعدما احاط نفسه بكفاءات موثوقة مثل نك شيله ـ رئيس جاكوار السابق الذي صار مدير العمليات التنفيذي ـ وجيم باديلا، مدير عمليات فورد في اميركا الشمالية وابن مدينة ديترويت المجرّب.

من يعرفون شركة فورد يبدون تفاؤلاً مطلقاً بكفاءة الطاقم الحالي، وحرصه على منتوج يتميز بالجودة والجاذبية، لكنهم يرون ان على الطاقم الخروج من «حقبة نصر» التي اتسمت بالاهتمام بأمور التسويق الالكتروني وتقييم الاداء الاداري على حساب التركيز على نوعية المنتوج.

وفي هذا السياق يقول ج مايز، كبير مصممي فورد «انا واثق من اننا على مشارف عصر ذهبي لتصميم السيارات ولا سيما هنا في ديترويت». والحقيقة مع ان الطرازات الثورية الجريئة المرتقبة من فورد لن تخرج الى صالات العرض قبل عام 2004 ـ 2005، فقد خرجت تصاميم ناجحة تبشّر بالخير تحت لافتة موديلا 2003 منها الجيل الجديد من فورد «إكسيديشن» ولنكولن «نافيغايتور». وهناك خطط انتاج محدود للفورد «ثندر بيرد» ونسخ تخصصية من فورد «موستانغ».

* كرايسلر

* ثالث العمالقة، كرايسلر، يبدو الآن متثاقل الخطى بالمقارنة مع جنرال موتورز، في «انقلاب» للادوار عن سنوات قليلة سابقة، ادهشت فيها كرايسلر اميركا بتصاميمها الجريئة بينما كانت منافستها الاكبر تغط في سبات مرضي عميق.

في الاسبوع الماضي، اعلنت كرايسلر انها ستنفق نحو 30.2 مليار دولار على طرازات وموديلات جديدة بين العام الجاري 2002 وعام 2006، وهذا المبلغ يقل بـ6 مليارات عن الرقم الذي كانت اوردته سابقاً لدى اعلانها عن خطط اعادتة هيكلتها. والظاهر ان تسهيل آليات الانتاج والاستفادة من التعاون مع الشركتين الشقيقتين مرسيدس بنز وميتسوبيشي سيساعد في اضافة خمس مركبات جديدة تماماً الى تشكيلة منتجات كرايسلر ضمن خططها البعيدة المدى تحت قيادة رئيسها الدكتور ديتر زيتشه وساعده الايمن فولفغانغ برنهارد.

والواضح ان زيتشه كسب عددا متنامياً من المعجبين في الفترة الاخيرة لادائه الواثق تحت الضغط، واهتمامه بتطوير سيارات تستهوي القلب والعين بجانب تميزها الهندسي والتقني، والدليل الناطق على مثل هذه السيارة كرايسلر «كروسفاير» التي يعتبرها كثيرون افضل بمراحل من الدودج «فايبر» والبليموث «براولر»، والتي سيباشر بانتاجها في احد المصانع الالمانية تمهيداً لتسويقها عالمياً. ومع ان زيتشه وبرنهارد المانيان فهما منغمسان مع المصممين الاميركيين في اعداد الجيل الجديد من المركبة جيب «غراند شيروكي» والبيك آب دودج «داكوتا»... مركزّين على هويتهما «الاميركية».. غير ان السيارة ـ المركبة «باسيفيكا» هي المؤشر الاجمل والافضل، والوعد بنقلة نوعية جبارة على صعيد خلق فئة سوقية قائة بذاتها. وللعلم آخر مرة سارت فيها كرايسلر في هذا الاتجاه ...ابتكرت الكرايسلر «بي تي كروزر» ... التي حققت نجاحاً مذهلاً.

* خدمة «يو إس آيه توداي» ـ «لوس انجليس تايمز» =