السعودية: التقليد والغش التجاري يهددان سوق مساحيق الغسيل المقدرة بـ 175 مليون دولار

منافسة ساخنة بين المنتج المحلي والمستورد ومعارك تسويقية بين الشركات للسيطرة على السوق

TT

تشير تقديرات مستقلة الى ان سوق مساحيق الغسيل السعودية تنمو بنسبة تتراوح بين 1 ـ 3 في المائة سنويا، وهي نسبة نمو تكاد تكون متواضعة بالنظر الى حجم السوق الاستهلاكية إضافة الى نسبة النمو السكاني التي تعد الاعلى في العالم. وتتفق هذه التقديرات مستندة الى حجم المبيعات السنوية، بأن سوق مساحيق الغسيل تقدر بنحو 650 مليون ريال (175 مليون دولار).

وكغيرها من أسواق السلع الاستهلاكية، فإن سوق مساحيق الغسيل يلفت النظر فيها بأن عملاقين يتربعان على عرشها يتحكمان بمفاتيحها قوانين العرض والطلب، وهما «بروكتراند جامبل» و«يونيليفر».

وتجدر الاشارة هنا الى أن سوق مساحيق التنظيف أو الغسيل ليست سوقا حديثة حيث يبلغ عمرها نحو نصف قرن تقريبا حينما جلب رجل الاعمال السعودي المعروف اسماعيل ابوداود منتج «تايد» الشهير اليها في مطلع الستينيات، ليرتبط اسمه باسم عملاق المنظفات العالمي بروكتر آند جامبل، ثم تشهد السوق تدفق سلسلة الشركات الاخرى مثل: كلوركس، وآريال. لكن ابوداود لم يقتنع بمسألة استمراره في الاستيراد، ولمس أن السوق السعودية كانت مغرية له بأن يقنع الشركة العالمية بأن تصنع منتجاتها محليا، فتكون قريبة من المستهلك تتحسس رغباته وطلباته. ومن هنا دخلت السوق السعودية مرحلة جديدة، وهي المنتج المحلي. ومع نجاح تجربة شركة المنتجات الحديثة حفز ذلك دخول مجموعة بن زقر الى حلبة المنافسة فانشأت هي الاخرى مصنعا بالمشاركة مع (يونيليفر) البريطانية، ليغطي الانتاج المحلي ما نسبته 80 في المائة تقريبا من الطلب في السوق السعودية والذي يقدر بنحو 150 الف طن سنويا. أما النسبة المتبقية من السوق فيتم تغطيتها عبر الاستيراد. ومع دخول يونيليفر الى السوق السعودية شهد الجميع ابرز المعارك التسويقية بين المنتجين المحليين والمستوردين استخدمت في بعض الاحيان فيها (حرب الاسعار) لكنها لم تستمر طويلا.

وكان من اشهر قصص هذه المنافسة حينما ادعت يونيليفر أن بروكتر آند جامبل قد اعتدت على النص الاعلاني الخاص لمنتجها (أومو) واستخدمته بأسلوب ساخر في النص الاعلاني الخاص بمنتجها المعروف (اريال).

ومع أن حرب الاسعار قد وضعت اوزارها منذ سنوات عديدة، الا ان تجار تجزئة يؤكدون ان سوق مساحيق الغسيل لا تزال تتميز بأنها (منافسة سعرية) مقارنة بالاسواق القريبة المجاورة، وهي نتيجة حتمية للخطط التسويقية للشركات والتي تضع الاسعار كواحد من اهم السياسات، لكن هذه السياسة بطبيعة الحال لا يتم المبالغة فيها فيما يتعلق بهامش الربح صعودا أو هبوطا.

وهنا يعلق تركي بن معمر مدير العلاقات العامة في شركة المنتجات الحديثة، قائلا: لا يمكن القول ان هناك منافسة سعرية تذكر في سوق مساحيق الغسيل، ويعود هذا الى وعي الشركات الموجودة في السوق، حيث يتم التركيز في المنافسة على تحسين جودة المنتج وتقديم الأفضل بالمقابل، بالاضافة الى اننا نحرص في المنتجات الحديثة بتلمس احتياجات المستهلك وتلبيتها بشكل دائم. ويقول بن معمر تعليقا على هامش الربح في السوق، إنه بالنظر الى حجم المنافسة في السوق المحلية من قبل المنتجات المستوردة، فان هامش الربح يعتبر الاقل في السوق الاستهلاكية. ورغم غياب التقديرات الحقيقية لحصص المنافسين في سوق مساحيق الغسيل، فان احصائيات مستقلة تشير الى حصص السوق موزعة على النحو التالي: 60 في المائة لـ«تايد»، و15 في المائة لـ«ايريال»، وتتوزع باقي النسبة على «أومو» و«سيرف». أما النسب الاخرى من السوق فتسيطر عليها عدة منتجات مستوردة في مقدمتها «بيرسل».

ويعترف بن معمر بان السوق السعودية تتميز بأنها ذات منافسة قوية على مستوى المنتجين المحليين وأيضا على مستوى المنتجات المحلية مع المستوردة، مما ساعد في تقديم أفضل خدمة للمستهلك.

لكن بن معمر يستدرك بالايضاح بأن هذه المنافسة أثرت سلبا على المستهلك من خلال قيام بعض المنافسين (لم يسمّهم) بتقديم منتجات رديئة بسعر منخفض في محاولة لكسب المنافسة عن طريق خداع المستهلك. ويشدد على القول هنا: أثق تماما بأن مستوى تفكير المستهلك السعودي والخليجي يجعله يعي تماما الفرق بين كل منتج ومصداقية اداعاءاته، ويساعده على التعرف على هذه المنتجات التي لا تدوم طويلا في السوق، وتحاول دائما العودة باشكال جديدة. والواقع أن بن معمر يلفت النظر الى أهم مشكلة تعاني منها سوق مساحيق الغسيل، وهو ما يمكن تسميته «منافسة غير متكافئة» من قبل المنتجات المستوردة فهي من أبرز المشاكل التي لا تواجه صناعة مساحيق الغسيل بشكل خاص، بل والصناعة السعودية بشكل عام.

ويرى بن معمر أن دخول المنتجات المستوردة وخاصة الرديئة الى السوق مستغلة بالطبع انفتاح السوق السعودية، انسحب على مشاكل عديدة تمثلت في الغش التجاري وتقليد العلامات باشكاله المختلفة سواء عن طريق الاسم التجاري أو الشكل الخارجي للمنتج وشعاره. ولم يقف الامر عند هذا الحد، فقد نجح المنتج المستورد أيضا في استمالة الموزعين اليه بالهامش الربحي المرتفع، مستثمرا انخفاض كلفة مدخلاته الانتاجية مضحيا بعنصر الجودة. ويلاحظ في هذا الشأن، أن تكلفة الخامات الداخلة في تصنيع المنظفات تمثل نسبة مرتفعة من التكلفة الاجمالية للمنتج، ولذا فقد أصبحت لها أهمية كبيرة واستحوذت في الفترة الأخيرة على اهتمام العديد من الجهات المختصة، واعدت الدراسات الخاصة بامكانية انتاج هذه المواد داخليا.وقد دخلت العديد من المنشآت السعودية المتوسطة والصغيرة أخيرا في مجال تصنيع الخام المستخدمة في تصنيع المنظفات، والتي يتم الحصول على نسبة كبيرة منها عن طريق الاستيراد. وتم بالفعل اصدار تراخيص وزارة الصناعة لاقامة العديد من المصانع المختصة بصناعة خامات المنظفات في السعودية، وذلك لاحلال جزء من الواردات من هذه المواد وتشمل هذه المواد الكيل بنزين خطي، وحامض الصلفونيك الكيل بنزين، وسليكات الصوديوم، وكربونات الصوديوم أو (رماد الصودا)، وكبريتات الصوديوم، والصودا الكاوية والكلور. ويوجد بالفعل ثلاثة مصانع قائمة لانتاج كل من الصودا الكاوية والكلور، وهو المصنع التابع لشركة الصناعات الكيماوية الأساسية ويوجد في الدمام، والمصنع التابع للشركة السعودية للبتروكيماويات (صدف) ويوجد في الجبيل، ومصنع شركة الكلور العربية المحدودة في ينبع.

وعلى الرغم من ذلك فإن أهم الخامات من حيث الطلب عليها وهي مادة (ثلاثي فوسفات الصوديوم) لم يتم الترخيص لانتاجها، بل رخصت وزارة الصناعة لانتاج مادة (الزيوليت)، والتي يمكن استخدامها كبديل للمادة الأولى. ويعتبر نمو الطلب المحلي على المواد الكيماوية المستخدمة كخامات له أثره الواضح في توجه المستثمرين السعوديين نحو إنتاج هذه الخامات من خلال تنمية صناعة المواد الكيماوية أو الخامات وكذلك عن طريق زيادة التكامل الصناعي ويساعد توفر الخامات محليا في نمو ودعم قدرات صناعة المنظفات المحلية.