مصرفيون: الاستقرار المشروط للدولار قد يدفع سوق الصرف المصرية لمواجهة أزمات جديدة

الدولار يتراجع تحت ضغط الرقابة الحكومية وتحويلات العاملين المصريين بالخارج تساهم في زيادة حجم المعروض

TT

أكد عاملون وخبراء بسوق النقد المصري أن حالة الهدوء التي يتمتع بها الدولار حالياً في مصر ليست من نتائج الإجراءات الرقابية الحكومية وحدها وإنما ساهمت فيها عوامل أخرى منها ترشيد الحكومة لجزء كبير من تعاملاتها بالنقد الأجنبي، إضافة إلى اتجاه بعض المستوردين للتعامل باليورو بعد الندرة الشديدة للدولار وقفزاته المتتالية التي كبدتهم خسائر فادحة. إلا أن هؤلاء الخبراء توقعوا أن تشهد سوق الصرف في مصر أزمات أخرى للدولار إذا لم يتم التغلب على ذلك الاستقرار المشروط وتحويله إلى استقرار دائم باتخاذ حزمة من الإجراءات االتصحيحية التي تضمن وجود سعر عادل للدولار أمام الجنيه يكون نتاجا حقيقيا لتفاعل قوى العرض والطلب، وفي ظل أولويات متفق عليها.

واستبعد طلعت الدسوقي مدير عام بنك القاهرة (بي إن بي باريبا) حدوث قفزات متلاحقة لسعر الدولار أمام الجنيه مرة أخرى، معتبرا أن التوقعات التي ترددت في هذا الصدد عشوائية، كما ذكر أن الهدوء الحالي في التعاملات على الدولار يرجع إلى ترشيد الحكومة لجزء كبير من تعاملاتها بالنقد الأجنبي، وأكد على أن القطاع الخاص أيضا اضطر إلى ترشيد الاستيراد بنسبة كبيرة بعد أن باتت تكلفته كبيرة وغدا الحصول على الدولار من البنوك أمرا صعبا، وأضاف أن الجدل الذي ثار حول العمرة الفترة الماضية وتوقف شركات السياحة عن تنظيم الرحلات خفف كذلك من الطلب على الدولار، موضحا أن عودة المصريين العاملين بالخارج قد تتيح زيادة المعروض من الدولار. وأكد الدسوقي أن العوامل السابقة التي أدت إلى حالة الهدوء الحالية مؤقتة وليست مرتكزات حقيقية يمكن الاعتماد عليها في المستقبل خاصة أن الفارق في سعر الدولار الرسمي ونظيره في السوق غير الرسمية ما زال كبيرا.

* سوق النقد في حالة ترقب وليس استقرارا

* شادية إبراهيم المديرة الإقليمية للبنك الأهلي السوداني ترى أن سوق النقد في مصر في حالة ترقب وليس استقرار، لأن السوق يشهد لأول مرة تدني الطلب على العملة إلى أبعد حد وفي نفس الوقت فإن المعروض ليس بالكثرة التي تبلغ حد الوفرة، مشيرة إلى أن حدود الصرف النقدي للدولارالتي تتم بالبنوك مناسبة جدا، وخاصة أن العالم أجمع يتجه إلى بطاقات الائتمان المصرفية والتي توفر للعميل الراحة وحرية التصرف والشراء، وتؤيد شادية إبراهيم الإجراءات الرقابية التي اتخذتها الحكومة ضد المضاربين على الدولار والتي أدت لإغلاق نحو 50 شركة للصرافة ثبت تلاعبها في السعر، موضحة أن هذه الإجراءات دفعت هذه الشركات إلى وضع إعلان تحذيري على أبوابها أكدت فيه عدم صلتها بأي تعاملات تجري على العملة خارج مقارها مما أضفى على سوق النقد نوعا من الثقة والأمان.

ونفى إيهاب الليثي مدير غرفة المعاملات الدولية في بنك المشرق بالقاهرة حدوث أي قيود على تداول النقد الأجنبي، مؤكدا أن عمليات تحويل الأرباح للخارج تتم بشكل طبيعي ودون أي عراقيل، مشيرا إلى التزام البنوك بتعليمات البنك المركزي الصارمة في هذا الصدد والتي تشدد على الاستجابة الفورية لطلبات المستثمرين الأجانب في تحويل أرباحهم للخارج، وموضحا ان توقف البنك المركزي عن ضخ الدولار وتعليماته للبنوك بتدبير احتياجاتها من العملات الأجنبية من مواردها الذاتية دفع البنوك المصرية إلى إعادة النظر في قائمة الأولويات في ما يتعلق بالواردات، وباتت الأولوية في الحصول على الدولار للعملاء القادرين على السداد بالعملة الصعبة، وكشف أنه من الطبيعي أن تلجا البنوك لوسائل غير تقليدية لزيادة مواردها من النقد الأجنبي، مشيرا إلى أن الاقتراض من السوق أحد تلك البدائل المطروحة طالما أن البنك يملك الحدود الائتمانية والموارد التي تؤمن السداد وتغطي تكلفة الدين.

* هناك حالة من التضارب بالسوق

* وأكد عبد الرحمن بركة مدير بنك مصر ـ رومانيا نجاح خطة الحكومة المصرية في إحلال الإنتاج المحلي محل المستورد حيث انخفضت طلبات فتح الاعتماد المستندي لدى بنك مصر ـ رومانيا بنسبة 20% خاصة المتعلقة بالسلع الاستهلاكية مما جعل هناك وفرة دولارية تم توجيهها إلى المصدرين ومستوردي السلع الضرورية، وأضاف أن هناك حالة من التضارب بالسوق ففي بعض الأحيان تشير التوقعات إلى انخفاض السعر بسبب الإجراءات الناجحة للحكومة في الحد من المضاربة، وأخرى تشير إلى انعكاس أجواء التوتر العالمي إلى التأثير على سعر العملة، الأمر الذي قد يدفع مقتني الدولار إلى الاحتفاظ به انتظارا لما ستسفر عنه الأحداث. وقال بركة ان الإجراءات الحكومية انعكست بشكل إيجابي على السوق التي شهدت انخفاضا طفيفا في سعر الدولار تمثل في قرش للبيع وثلاثة للشراء بالنسبة للصرافة والبنوك.

وحذر يحيى البطراوي مساعد مدير عام بنك الأهلي سوسيتيه جنرال العاملين في القطاع المصرفي المصري من التورط في عمليات المضاربة على الدولار والتي تعتبر نوعا من المقامرة بالمستقبل، مؤكدا أن اللوائح الداخلية للبنوك إضافة للرقابة المستمرة من البنك المركزي تحول دون ممارسة أي أنشطة من هذه النوعية، معتبرا أن الهدوء الحالي في سوق صرف الدولار مؤقت واستمراره مرهون بعدة شروط في مقدمتها زيادة موارد السياحة والتركيز على الأنشطة التي تدر موارد دولارية كالبترول والغاز الطبيعي، وأن استمرار الدولة في سياسة ترشيد الواردات وزيادة الصادرات هو الإجراء الصحيح الذي يضمن وجود سعر عادل للدولار أمام الجنيه، ونفى البطراوي أن تكون الرواتب في البنوك الأجنبية العاملة بمصر عبئا يستنزف جزءا من موارد البنوك الدولارية، موضحا أن معظم البنوك حاليا تعطي الرواتب مقومة بالجنيه وبالسعر الرسمي له، علاوة على أن قيمة هذه المرتبات ليست بالحجم الذي يضع البنوك في مأزق.

* اعتمادات مؤجلة بملايين الدولارات

* واعترف مسؤول في البنك الأهلي المصري بوجود اعتمادات مؤجلة تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات نظرا لعدم قدرة البنوك على توفير الدولار اللازم لفتح هذه الاعتمادات وذلك على الرغم من انحسار عمليات الاستيراد بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية خاصة في قطاع السلع الاستهلاكية والترفيهية وكذلك السلع المعمرة والأجهزة الكهربائية، مؤكدا على أن فتح اعتمادات الاستيراد بات يخضع لشروط قاسية حيث تفتح البنوك الاعتمادات في حدود ما يتوافر لها من موارد والأولوية تكون للمواد الأساسية من قمح وزيت وسكر وأدوية ضرورية، وأضاف أن البنوك توفر الدولار فقط وبكميات محدودة وبشروط لأغراض السفر والعلاج. من جانبه قال مسؤول في البنك المركزي المصري ان عودة حركة السياحة المصرية الى طبيعتها، ساعدت على «ترييح» سوق الصرف، وقال ان موسم الصيف سيكون هادئا بكل المقاييس، أما عن الفترة اللاحقة، فان المصدر يؤكد ان البنك يتابع الموقف أولا بأول ويتخذ لكل مرحلة ما يناسبها من سياسات.