وزير الدولة المغربي للبريد وتكنولوجيا الاتصالات ينتظر تدفق استثمارات سنوية في قطاع الاتصالات بقيمة 6 مليارات دولار ويتوقع طفرة في قطاع الهاتف الثابت والإنترنت

TT

توقع ناصر حجي وزير الدولة المغربي (كاتب الدولة) المكلف بالبريد وتكنولوجيا الاتصالات والاعلام، أن يحقق قطاع الاتصالات المغربي استثمارات قيمتها 6 مليارات دولار أميركي سنويا، وذلك في أفق السنوات الثلاث المقبلة ليتضاعف ثلاث مرات عن قيمة الاستثمارات الحالية في القطاع الذي يساهم بمعدل 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

وفي حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» كشف حجي عن استراتيجية المغرب وخطواته المستقبلية في تحرير قطاع الاتصالات، مؤكدا أن قطاع الهاتف الثابت الذي فتحت العروض لرخصته الثانية، تنتظره طفرة شبيهة بطفرة الهاتف الجوال الذي ارتفع عدد مستخدميه في المغرب الي 6 ملايين مستهلك، مؤكدا أن قطاع الانترنت الذي ينتظر توسيعه ليشمل 3 ملايين مستهلك سنة 2005، سيلعب دورا حاسما في نمو الهاتف الثابت. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هي الأهداف التي تنتظرون تحقيقها من مؤتمر وزراء الاتصالات العرب المنعقد في مراكش؟

ـ ينعقد مؤتمر مجلس وزراء الاتصالات العرب دوريا كل سنتين بمقر الجامعة العربية في القاهرة، ويأتي انعقاده في مراكش في اطار تحضيرات الدول العربية لمؤتمر مفوضي اتحاد الاتصالات الدولي الذي ينعقد في مراكش ابتداء من 23 سبتمبر (أيلول) الى 18 أكتوبر (تشرين الاول) المقبل، وسيضع الوزراء العرب استراتيجية مشتركة للمساهمة في المؤتمر الدولي للاتصالات.

* وما هي عناصر هذه الاستراتيجية العربية؟

ـ أولا اتخاذ قرار بشأن اعتماد نظام أساسي جديد لمجلس الاتصالات والبريد العربي، تضاف من خلاله تعديلات في ما يتعلق بتنظيم قطاع تقنيات المعلومات الذي يعتبر المجال الجديد في الاتصالات، ويشمل مجالات الانترنت والكمبيوتر ومعطيات الثورة الرقمية. ولذلك لم تعد وزارات البريد والاتصالات تقوم بوظائفها التقليدية بل أصبح يطلق عليه وزارات تكنولوجيا الاتصالات والاعلام. وهي قضايا مطروحة بنفس الأبعاد في مستوى الاتحاد الدولي للاتصالات المطروح عليه أن يتطور من منظمة دولية للاتصالات الى منظمة دولية لتكنولوجيا الاعلام أو مجتمع الاعلام الذي يشمل قطاعات اقتصادية وشركات صغيرة وكبيرة والتجارة الالكترونية.

* هل هنالك اتجاه لانشاء تحالفات بين الشركات العاملة في قطاع الاتصالات العربية، بما فيها الشركات الخاصة أو المؤسسات التي تراقبها الدولة؟

ـ ان تطور قطاع الاتصالات في الدول العربية يسير بايقاعات متفاوتة، ولاسيما فيما يتعلق بتحرير القطاع، وعلى مستوى عالمي فان احتكار الدولة انتهى. وبالنسبة لنا في المغرب فقد قطعنا أشواطا متقدمة في تحرير قطاع الاتصالات الذي شهد بفضل تحريره قفزة كبيرة، فمثلا في ميدان الهاتف الجوال كان رقم المشتركين سنة 1999 في حدود 150 ألف مشترك أي ما يقل عن 1 في المائة من عدد السكان، ليصل في الوقت الحالي ستة ملايين. وقد كانت عائداته مفيدة جدا بالنسبة للمستهلك المغربي وللاقتصاد المغربي ولخزينة الدولة والمجتمع ككل.

ومن المؤكد أن اتجاه الاستثمارات المشتركة والتداخل والاندماج بين شركات الاتصالات العربية سيتحقق في مرحلة لاحقة، أي بعد حصول تقدم في مجال تحرير القطاع في الدول العربية، وظهور تشابه في أوضاع قطاعات ومؤسسات الاتصالات بالدول العربية التي ما تزال في أوضاع متباينة بين القطاع الخاص والعام والمشترك بينهما.

* وكيف تفسرون التأخير الذي حصل في مجال تحرير قطاع الاتصالات المغربي؟

ـ لم يحدث تأخير، بل يعتبر سيره بسرعة نموذجية على المستوى العربي. فقد كان صدور قانون تحرير قطاع الاتصالات سنة 1997، وبدأ تطبيق عملية التحرير سنة 1998، وتم منح أول رخصة في الهاتف الجوال سنة 1999، ثم أعطيت رخص أخرى. ونحن الآن بصدد اعطاء الرخصة الثانية للهاتف الثابت. وبفضل الخطوات التي قطعت خلال السنوات الخمس الماضية، انتقلنا من وضعية احتكار تام للقطاع، الى وضعية تحرير وضمنها يوجد منافسين على الأقل في كل قطاع سواء الهاتف الثابت أو الجوال أو الانترنت.

* متى ستطلق الرخصة الثالثة للهاتف الجوال؟

ـ بعد مضي أربع سنوات على الرخصة الثانية في الهاتف الجوال والتي فازت بها سنة 1999 مجموعة «ميدي تيليكوم»، سيكون اعطاء الرخصة الثالثة في موعده المقرر أي سيكون بامكاننا أعطاؤها في شهر اغسطس (آب) 2003، وليس قبل، وطبعا يمكن أن تنطلق عملية الاعداد لها قبل هذا الموعد.

* وما هي أجندة تحرير قطاع الهاتف الثابت؟

ـ لقد فتحت الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات ابتداء من يوم 11 يونيو (حزيران) الحالي الباب لقبول طلبات الشركات المترشحة للحصول على الرخصة الثانية للهاتف الثابت، وسيكون تاريخ 8 اكتوبر (تشرين الثاني) المقبل الأجل النهائي لتقديم العروض، وأتوقع أن يتخذ القرار النهائي لاختيار الشركة الفائزة بالرخصة الثانية قبل نهاية السنة الحالية.

* وما هي الخطوات العملية التي ستقطع في سبيل تحرير هذا القطاع؟

ـ يمكنني وضع مقارنة مع الخطوات التي قطعت في ميدان الهاتف الجوال، الذي كان تطوره بفضل المنافسة، وفي المغرب حاليا يوجد ما يناهز ستة ملايين مشترك في الهاتف الجوال وهو ما يشكل 20 في المائة من سكان المغرب بعد أن كان معدل المغرب لا يتجاوز 1 في المائة سنة 1999، ووضعنا الآن متقدم علي المعدل الدولي الذي يقارب 15 في المائة أي ما يعادل مليار مشترك من أصل ستة مليارات نسمة في العالم. وفي الدول المتقدمة تكنولوجياً لديها معدل 60 في المائة.

* تتوقعون اذن تحقيق طفرة في ميدان الهاتف الثابت بعد منح الرخصة الثانية؟

ـ أجل أتوقع طفرة لكنني أعتقد أنها ستكون مرتبطة بنمو استخدام الانترنت، ولدينا في المغرب وضعية مختلفة عن الوضع العالمي الذي يتميز بتوازن عدد المشتركين في الهاتف الجوال والثابت الذي يبلغ كل منهما مليار مشترك، بينما في بلادنا ما يزال عدد المشتركين في الهاتف الثابت محدودا، أي نحو مليون ومائتي ألف مشترك، ولم يتجاوز معدل نموه السنوي خلال السنوات الأخيرة 5 في المائة، بينما شهد نمو الهاتف الجوال نموا سريعا جدا وبلغ معدله السنوي 25 في المائة.

* وما هو تفسيركم لهذه المفارقة؟

ـ ان دخول المنافسة في قطاع الهاتف الجوال هو الذي جعل خدمات الشركات العاملة في هذا القطاع تقترب أكثر من طلبات المستهلكين. فمثلا نلاحظ أن النسبة الكبيرة من مستعملي الهاتف الجوال بالمغرب يستخدمون خدمات البطاقات المدفوعة الثمن مسبقا وخدمات بيع جهاز الهاتف مع الخط، لأن المستهلك المغربي ذا الدخل المحدود يريد مراقبة نفقاته وعدم المجازفة. وهذا الوضع لم يحدث في الهاتف الثابت.

* وما هي الشروط التي وضعتموها لعملية بيع الرخصة الثانية للهاتف الثابت؟

ـ أعطينا رخصة عامة ولا يتعلق الأمر بشروط دقيقة، والمهم أن تكون الشركة المترشحة موجودة على الأقل في سبع مدن مغربية كبيرة قبل بداية الاشتغال، وأن يكون لها برنامج خلال السنوات الخمس المقبلة لتطوير قطاع الهاتف الثابت ببلادنا، ونحن صراحة لا نريد أن يكون وجود الشركة محدودا في الرباط والدار البيضاء، بل نسعى ليكون التنافس في القطاع شاملا لمناطق البلاد.

* وهل تجعلكم الأوضاع المالية المتقلبة عالميا لشركات الاتصالات، تتوخون شروطا مالية صارمة ازاء الشركات المترشحة؟

ـ المهم أن يكون للشركة المترشحة تجربة، وفي تحليلنا للملفات المعروضة سنأخذ بعين الاعتبار الجوانب المالية والجوانب المتعلقة بامتلاك الشركة للخبرة والامكانيات لتغطية مناطق البلاد.

* وما مدى تأثير الأزمة المالية التي شهدتها مجموعة «فيفاندي» عالميا، على وضع استثمارتها الضخمة في اتصالات المغرب؟

ـ لم نلمس تأثيرات لأوضاع «فيفاندي» المالية عالميا على وضعها في السوق المغربي، وفي حقيقة الأمر نرى أن مسألة الأوضاع المالية المتقلبة ليست خاصة بـ«فيفاندي» بل هي حالة تتسم بها أوضاع السوق العالمي للاتصالات، ولا بد هنا من التمييز بين التقلبات الظرفية والتوجهات الاستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى التي تؤكد أننا دخلنا مرحلة مجتمع الاعلام والاتصالات بما يقتضي تطوير التكنولوجيا المرتبطة بها وتوسيع استعمالاتها في مختلف الميادين، لأنها ستكون العنصر الحاسم في التقدم الاقتصادي والمجتمعي خلال القرن الواحد والعشرين. وحسب دراسات حديثة جدا، يتوقع أن تكون مؤشرات منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط بنمو معدل استخدام الهاتف الثابت بحوالي 6 في المائة في أفق سنة 2007، وأن يكون عدد المشتركين في الهاتف الجوال في حدود 110 ملايين مشترك سنة 2007 مقارنة بـ55 مليون حاليا. كما يتوقع أن تبلغ المداخيل العامة لقطاع الاتصالات في المنطقة سيبلغ في نهاية سنة 2002 ما يناهز 30 مليار دولار أميركي، أي أن معدل نموها سيكون بحوالي 19 في المائة قياسا للسنة الماضية. وفي حدود سنة 2007 يتوقع أن تبلغ المداخيل حوالي 45 مليار دولار أميركي. وهو ما يؤكد ثقتي في مستقبل قطاع الاتصالات بالعالم العربي.

* لكن ما هي محاذير طفرة الاتصالات وتأثيراتها على الاستثمارات الأجنبية حاليا في قطاع الاتصالات المغربي؟

ـ نحن نتعامل مع تقلبات السوق بطريقة اقتصادية موضوعية، وعندما قمنا ببيع نسبة 35 في المائة من رأس مال مؤسسة «ماروك تيليكوم» لمجموعة فيفاندي، كانت ظروف السوق متقلبة وحصلنا رغم ذلك على صفقة جيدة قيمتها 2.3 مليار دولار.

* متى ستنفذون خطتكم اذن بدخول أسواق المال العالمية؟

ـ كان لدينا توجه لدخول البورصات (أسواق المال) العالمية، لكن ذلك أصبح غير وارد الآن بسبب انخفاض القيمة. وسنتريث في هذا الأمر في انتظار تحسن مؤشرات الأسواق، وارادتنا أن نذهب في عملية التخصيص الى مداها الأبعد بما يحقق أفضل شروط المنافسة لمؤسسة «ماروك تيليكوم» (اتصالات المغرب).

* كيف يتم التعاون بين وزارتكم ووكالة تقنين الاتصالات، بعد استقالة مديرها العام السابق مصطفى الطراب، وهل صحيح أن استقالته كانت نتيجة ضغوط من جانبكم كحكومة؟

ـ نحن نشتغل الآن بكل تكامل مع وكالة تقنين الاتصالات.

* ولماذا لم يكن العمل متكاملا معها في السابق؟

ـ نعمل وفق أجندة مليئة بالالتزامات وضمنها رخصة الهاتف الثابت ورخص أخرى، وتدبير المشاكل الناتجة عن التنافسية داخل القطاع والتي نعتبرها طبيعية.

وأعتقد أن النقاش الذي دار في المغرب حول دور الحكومة، أمر طبيعي، وهو نقاش لم يكن ليقع قبل تحرير القطاع أي عندما كان القطاع العام محتكرا للسوق لأنه كان خاضعا لطرف واحد هو الحكومة المنظم والفاعل والمخطط. وقد كان المغرب بصدد الانتقال في فترة وجيزة (4 سنوات)، من مرحلة تدبير الى مرحلة مؤسساتية مختلفة، وخلال المرحلة الانتقالية كان مطلوبا أن تجد كل مؤسسة وظيفتها الجديدة، وهو ما أثار نقاشا.

* وماذا عن قصة الخلاف بينك وبين مصطفى الطراب المدير العام المستقيل من وكالة تقنين الاتصالات؟

ـ تربطني به علاقة صداقة قديمة، ولا يوجد مشكل شخصي، وانما كان نقاشا مؤسساتيا بين الحكومة والوكالة، وهو نقاش طبيعي وصحي، وساهم في توضيح دور كل جهة. وأعتقد أن الصحافة ساهمت في تقديم الأمور بشكل مثير.

* وما هي قيمة الاستثمارات في قطاع الاتصالات المغربي، وما هي توقعاتكم لمساهمة القطاع في النمو خلال السنوات المقبلة؟

ـ لقد تحقق خلال سنة 1999 بيع الرخصة الثانية للهاتف الجوال بمليار ومائة مليون دولار ومليار دولار استثمارات في الشبكة، وخلال سنة 2001/2000 دخلت فيفاندي باستثمارات قيمتها 2.3 مليار دولار أميركي، وهو ما يؤكد ثقة المستثمرين الأجانب بتطور سوق الاتصالات المغربي. وهنالك استثمارات عادية سنوية لمؤسسة «ماروك تيليكوم» وتقدر قيمتها بأقل من مليار دولار أميركي سنويا. ويوظف القطاع حوالي 50 ألف مستخدم، ويبلغ رقم معاملاته السنوية ملياري دولار أميركي منها 1.5 مليار دولار مساهمة شركات الاتصالات، و25 في المائة في القطاعات الأخرى. ونسعى لمضاعفته ثلاث مرات في أفق سنة 2005 ليصبح في حدود 6 مليارات دولار سنويا، ونسعى لخلق ما يناهز 100 ألف منصب عمل في القطاع. كما نسعى ليحقق قطاع الاتصالات الذي يبلغ حاليا 4 في المائة لنصل الي معدل نمو 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام في حدود سنة 2010، وهو معدل عالمي ويشمل قطاعات الاتصالات والخدمات الاعلامية.

* وما هو السيناريو الذي سيكون عليه الترابط بين نمو استعمال الهاتف الثابت والانترنت؟

ـ ان خدمة الهاتف الجوال تتركز في الاتصال الصوتي، وهو ما يجعله ينافس الهاتف الثابت، ويجعل المستهلكين يميلون لالغاء اشتراكاتهم في الهاتف الثابت وينزعون لاستخدام الهاتف الجوال. لكن الاستفادة من خدمة الانترنت ستظل في غضون السنوات المقبلة مقتصرة على الهاتف الثابت.

* وهل يفهم من ذلك أن خدمة الانترنت على الـ«جي.اس.ام» GSM سيتأخر الحصول عليها في سوق الاتصالات المغربي؟

ـ ان تأخر هذه الخدمة وضع عالمي ولا يقتصر على المغرب. وقد كانت خدمات الجيل الثالث من الاتصالات مقررة لسنة 2002، لكن الوضعية العالمية التي شهدتها أسواق الاتصالات جعل هذه الأجندة تتأخر سنتين أو ثلاثاً. وما تزال خدمة الانترنت عبر الهاتف النقال محدودة عالميا. ولذلك يستأثر الهاتف الثابت بخدمات الانترنت بصورة عامة.

وما زلنا في المغرب كما هو الشأن عربيا، متأخرين في ميدان الانترنت، اذ لا تتجاوز معدلات مستخدمي الانترنت في الدول العربية 3 الي 2 في المائة من مجموع السكان، ويبلغ عدد مستخدمي الانترنت في المغرب 500 ألف شخص، أي ما لا يتجاوز 2 في المائة من السكان. بينما يبلغ المعدل العالمي 8 في المائة، ومعدل 40 في المائة في الدول المتقدمة تكنولوجيا، ومعدل 50 في المائة بالولايات المتحدة الأميركية، ويبلغ معدل الدول الأوروبية ما بين 15 الى 30 في المائة. وهذا يوضح نوعية وحجم الجهد الذي يتعين أن نبذله لبلوغ معدلات أعلى من مستخدمي الانترنت، وهو جهد سيثمر فرص نمو وعائدات مهمة على الاقتصاد والمعاملات، ويقتضي ذلك توسيع ثقافة استخدام الانترنت في المجتمع والادارة والاقتصاد، ضمن أفق تنمية العالم العربي من خلال تحديث وسائل اتصالاته، واندماج الانسان العربي في العولمة، كي نتفادى الفجوة الرقمية. وهدفنا في المغرب توسيع استخدام الانترنت ليشمل 30 في المائة من السكان في حدود سنة 2010 أي ما يناهز 10 ملايين نسمة، وتحقيق معدل 10 في المائة سنة 2005 أي ما يناهز 3 ملايين مستخدم للانترنت.

=