فاس المغربية: مدينة الأحاسيس المتعددة والتواصل الروحي

المباني تتشابه خارجيا وتتجمل من الداخل حفاظا من الجيران على مشاعر بعضهم البعض

TT

في مدينة فاس المغربية، لا تجد حداً للمتعة الروحية والحسية، فهي مدينة الاحاسيس المتعددة، كونها العاصمة العلمية وعاصمة التقاليد والحضارة العريقة، وهي اول عاصمة للمملكة المغربية منذ عهد ادريس الثاني سنة 808، كما اتخذها اكبر عدد من الملوك الذين تعاقبوا على حكم المغرب عاصمة لهم.

في الاحياء القديمة لفاس داخل الاسوار يبهجك جمال زخارف مبانيها التقليدية المتلاصقة، وتوحد مظهرها الخارجي حتى انك لا تعرف البيت الذي تسكنه الاسرة الفقيرة من تلك الثرية أو المترفه حفاظاً من الجيران على مشاعر بعضهم، فاذا دلفت الى الداخل بهرت بجمال الخشب واعمدة الجبص المنقوشة والنحاس المنحوت والمشربيات البديعة، وعندما تنتقل بين متاهات الازقة الضيقة او «الزنقات» كما يطلق عليها باللهجة المغربية الدارجة تسمع اصوات المرتلين لآيات القرآن الكريم حيث تتداخل هذه الازقة بين جامع القرويين وبقية المساجد المشرعة الابواب والمدارس والاسواق وانتشار باعة المواد الغذائية الاستهلاكية، واصحاب الحرف والمهن والصناعات التقليدية. وتمثل فاس مركزاً مرموقاً للقاءات والتظاهرات الثقافية والفكرية والعلمية والروحية، كان اخرها مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة الذي تنظمه منذ 1994 جمعية «فاس سايس» من اجل النهوض بهذه المدينة التاريخية التي تعد من الموروث العالمي منذ 1976، وقد اختارته الامم المتحدة من بين اهم 12 تظاهرة عالمية تساهم في نشر اشعاع السلام العالمي.

* فاس... ماض يمتد في قلب الحاضر

* وتعتبر فاس عاصمة المغرب العلمية وبها توجد أكبر مآثر الحضارة الإسلامية في البلاد، وأبرزها جامع القرويين سلطان جوامع المدينة، وأبواب المدينة العتيقة وأشهرها أبواب الفتوح والجيزة والمحروق وبوجلود وباب الصمارين وباب سيغما، وأبراجها وقصورها ونافوراتها الجميلة ومدارسها التاريخية على غرار مدارس العطارين والصفارين والصهريج والمصباحية والبوعنانية. وتتوزع هذه المآثر وسط أسواق وأزقة المدينة المزدحمة باستمرار. وتكاد مدينة فاس تعيش على امتداد العام في حالة احتفال مفتوح، اذ تشهد أيامها المتعاقبة، وفصولها المختلفة احتفالات ومهرجانات متنوعة، منها ما يخص الازياء، والموسيقى، والفنون الشعبية، وحتى فنون الطبخ، وفي فاس ما يكفي من الحضارة العريقة والثقافة الرفيعة، اللتين تجذبان الزوار والراغبين في معرفة تراثها وحضارتها من كل بقاع العالم، ومن شتى الاجناس والاعراق والاديان. وعادة ما تنظم في المدينة لقاءات ثقافية، تعقد في افنية يزين جدرانها زخارف من السيراميك «الزليج»، تحكي بعضا من تاريخ البلاد وتعكس وجها من هويتها. وتبحث هذه الندوات والملتقيات مختلف المواضيع العلمية والادبية والفنية والاجتماعية. وتجمع مدينة فاس بين كونها مقصدا لطلاب العلم والثقافة، تماما كما هي مدينتا كامبريدج واكسفورد في بريطانيا، وكونها مقصدا روحيا، اذ يحج الناس الى مقام المولى ادريس مؤسس مدينة فاس، متوسلين البركات، وطالبين الشفاعة وعلاوة على ذلك تزخر فاس بأكثر من 3000 مسجد ومدرسة للتعليم الاساسي والديني، وعبر العصور كانت جامعة القرويين محجا لطلاب العلم من كل انحاء العلم الاسلامي، كما كانت هذه الحاضرة الاسلامية ملاذا للاجئين وطلاب العلم القادمين من اصقاع العالم الاسلامي من اندونيسيا الى تونس.

وتحيط بمدينة فاس عدة قرى ومدن ذات جاذبية سياحية، سواء لمناخها الطبيعي الخلاب وحدائقها الغناء وبحيراتها، أو لوجود مراكز استشفاء طبيعي بها كحمامات مولاي يعقوب، وعين سيدي حرازم التي يتدفق منها الماء العذب الزلال الذي يستخدم للشرب وللتداوي من أمراض الكليتين.

وعلى مسافة 60 كيلومترا من مدينة فاس على مرتفعات جبال ميشليفن من سلسلة جبال الأطلس المتوسط، توجد مدينة إيفران وهي منتجع جميل، شيدت مبانيها على الطراز الأوروبي وتكسو مرتفعاتها الثلوج خلال فصلي الشتاء والربيع، وبها مركز للتزلج على الثلوج بجبل ميشليفن، كما توجد في إيفران أشهر شلالات المغرب.

* الموسيقى العالمية في سمفونية تترد في فضاء فاس

* زيارتي الى فاس كانت للمشاركة في «مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة» الذي يصفه، رئيسه الوزير السابق ومستشار الملك حالياً محمد القباج بانه «استضافة التعددية والحوار في بيتها الرحب فاس مهد التلاقح الحضاري وبوتقة التواصل الروحي، صورة المستقبل المنوط بنا بناؤه». ويأمل القباج ان يعمل المهرجان على تأكيد وفهم المزيد من التواصل والتقارب والتعايش السلمي بين شتى الحضارات والثقافات والتقاليد والديانات لشعوب كل القارات، وان يسهم هذا التلاقي من خلال الفن والعلم والعقيدة، في بناء الحوار بين الحضارات وخلق الانسجام والوئام المنشود بين الانسانية جمعاء. وقد منح هذا المهرجان الذي شاركت فيه نخبة من الفنانين والفرق الغنائية من مختلف الثقافات والدول، منح المغرب فضاء جعله قبلة الملتقيات العالمية وأرضاً رحبة للحوار والتواصل بين الثقافات والديانات. وقد خصص المهرجان الذي اقيمت على هامشه حوارات وندوات ومعارض فنية وعرض افلام سينمائية، ضمن فعالياته أياماً للموسيقى التراثية العريقة من العالم العربي، صدح بها وديع الصافي، وللمرة الثانية يشارك صباح فخري في هذا المهرجان حيث ضاقت في ليلته ساحة «باب الماكينة» في المدخل الرئيسي للقصر الملكي القديم بالجماهير التي استمتعت بالموشحات والاناشيد التراثية. كما شاركت الفنانة اللبنانية الواعدة فاديا الحاج، وقدمت اناشيد الكنائس السيريانية في ارض الرافدين بعد اكتشافها أخيراً في مهرجان بعلبك.