بوش يسترجع رؤيته للخير مقابل الشر في خطابه لمكافحة فساد الشركات الأميركية

TT

غالباً ما يرى الرئيس الاميركي جورج بوش العالم منقسماً بين اخيار واشرار: اما ان تكون معنا او ضدنا. وقد استحضر بوش المنطق نفسه اول امس عندما تحدث عن اخلاقيات ومسؤوليات عمل الشركات.

في خطاب موجه الى قادة قطاع الاعمال في وول ستريت، اقسم «الشريف» المسؤول ان يطهر «دودج» عن طريق تعيين «شرفاء» جدد (اضافة 100 مليون دولار لميزانية هيئة سوق الاوراق المالية والصرف) وبعث قواته (تشكيل قوة لمكافحة الفساد تابعة لوزارة العدل) وزيادة سنوات عقوبة السجن للفاسدين من العاملين في الشركات.

«مازال هناك فضائح اخرى في الشركات الاميركية ولم تتكشف بعد»، قال الرئيس الاميركي امس. «علينا ان نبحث ونكشفهم لنتمكن من اعادة بناء ثقة مواطنيننا وزخم اسواقنا».

وبالرغم من ان كلام بوش لم يبدد قلق الاسواق، حيث هبطت كل المؤشرات الرئيسية بعد القاء الخطاب، الا ان خبراء وقياديين في قطاع الاعمال رحبوا بتأكيد الرئيس الاميركي على التشدد في تطبيق القوانين. وقد اجمع هؤلاء على ان زج بعض التنفيذيين من شركتي «انرون» و «وورلدكوم» في السجن سيجبر المحاسبين والتنفيذيين على التفكير مراراً قبل الاقدام على «طبخ» السجلات.

لكن خبراء في قوانين الاسهم وادارة الشركات حذروا من ان التشدد في تطبيق القوانين لن يؤدي الى انهاء عمليات التلاعب التي اصبحت مقبولة خلال طفرة التسعينات. «اعتادت انجلترا في السابق على شنق النشالين» قال جون قافي من معهد القانون في جامعة كولومبيا، مردفاً «لكن في كل مناسبة شنق عامة كان النشالون يمارسون نشاطهم بين الجموع».

احدى المشكلات الكبرى تتمثل في ان ادانة الممارسات المالية المخالفة اصعب بكثير من سجن المتاجرين بالمخدرات والساطين على البنوك.

وكما قال الرئيس بوش صباح الاثنين الماضي عندما تحدث عن مشكلته الشخصية مع هيئة سوق الاوراق المالية منذ اكثر من عشر سنوات، فان بعض الاخطاء في تقديم الكشوفات المحاسبية تثير الغازاً محاسبية لا يمكن تفسيرها على اساس ابيض واسود. فمن السهل على هيئة سوق الاوراق المالية ان تجبر شركة ما على اعادة تقديم كشوفات مداخيلها، لكن المحامين الضالعين بقضايا الاسهم يرون انه من الصعب اقناع هيئة محلفين غير عارفة بالقضايا المالية للتوصل الى قرار جماعي، بعيد عن الشك المعقول، بان تنفيذيين اقدموا على خداع المستثمرين خاصة بعد توقيع شركة تدقيق محاسبي على الحسابات. ويقول تيد سوند وهو مدير سابق في هيئة سوق الاوراق المالية انه «من الصعب جداً كشف الفساد في الشركات والاصعب ملاحقتهم قضائياً».

لكن سوند اعترف انه في ظل المناخ الحالي والامكانيات الجديدة التي سيتم توظيفها فان امكانية نجاح الملاحقة القضائية اقوى من أي وقت مضى.

وقد حذر آخرون من ان اثنين من اهم العناوين التي طرحها الرئيس بوش ـ زيادة عقوبة السجن والطلب من الرؤساء التنفيذيين التدقيق شخصياً في البيانات المالية ـ لن يؤديا بالضرورة الى زيادة حالات الادانة والسجن. وفي ذلك تقول البروفسورة لين ستاوت من جامعة كولومبيا ان «الفساد في قطاع الاسهم مشكلة مؤسساتية»، مشيرة الى انه «يحتاج لتورط عدد كبير من العاملين».

وفي الحقيقة، تذمر بعض الخبراء من خطة الرئيس بوش قائلين ان التركيز على الملاحقة القضائية يبقى قاصراً عن التعامل مع التدهور في اخلاقيات عمل الشركات الذي حصل خلال طفرة التسعينات. فعلى الرغم من ان النظام الجنائي قادر على التعامل مع حالات الفساد الواضح، الا ان العديد من النشاطات المثيرة للريبة الآن لا يشملها القانون، لا بل انها كثيراً ما اعتبرتها الصحافة المالية وسوق المال عمليات «خلاقة».

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»