مصر: ارتفاع أسعار الإسمنت يكرس أزمة قطاع البناء والتشييد ويهدد المقاولين بخسائر فادحة

احتكار الشركات الأجنبية للسوق يدخل دائرة الاتهام وخبراء يطالبون بآلية لمراقبة الأسعار ومحاسبة المتلاعبين

TT

يشهد سوق مواد البناء في مصر حالة من الارتفاع غير المبرر في أسعار الحديد والاسمنت جعلت الجميع يضجون بالشكوى خاصة أن سوق العقارات يعاني من حالة ركود منذ سنوات، الأمر الذي حدا باتحاد المقاولين التحذير من عواقب الارتفاع الجنوني لأسعار تلك المواد على سوق البناء والتشييد في مصر، وكذا المطالبة بتعويض المقاولين عن خسائرهم الفادحة. ووصف مسؤولون حكوميون هذا الارتفاع بأنه طارئ ويعود الى زيادة الطلب على الاسمنت مع دخول فصل الصيف وانتعاش حركة البناء مع عودة المصريين العاملين في الخارج، فضلا عن زيادة حركة تصدير الاسمنت المصري خلال الفترة الأخيرة الى الدول العربية والأفريقية، في حين أرجع بعض الخبراء ارتفاع سعر الاسمنت الى احتكاره من قبل الشركات الأجنبية التي اشترت العديد من مصانع الاسمنت وأصبحت تتحكم في الانتاج المصري وتسيطر على طريقة تسعير العرض من دون رقابة.

ورصد رئيس رابطة تجار الاسمنت عز الدين أبو عوض زيادة سعره خلال الفترة الماضية حتى وصل الى ذروته في الأسابيع الأخيرة حيث تخطى سعر الطن تسليم المصنع حاجز الـ200 جنيه، مقابل نحو 130 جنيها في بداية العام الحالي، محذرا من ارتفاعات أخرى خلال اشهر الصيف خاصة في حالة زيادة معدلات الطلب.

وأضاف أن الأمر يتطلب تدخلاً حكومي للحيلولة دون احتكار الأجانب والقطاع الخاص لسوق هذه السلعة الاستراتيجية والتحكم في أسعارها، مقترحا تأسيس شركة تسويق تستهدف احداث توازن بين العرض والطلب، وتقضي على أية مضاربات لرفع الأسعار خاصة في ظل التراجع الحاد في كميات الاسمنت المستوردة من الخارج. وطالب أبو عوض بتوفير قانون لحماية وكلاء الاسمنت في مصر لتعرضهم للظلم، فالمسؤول الحقيقي عن تحديد أسعار البيع هو الشركات الأجنبية، اضافة الى وضع الضوابط ومحاسبة رؤساء الشركات المملوكة في مصر للأجانب وبعض القيادات التي تحولت الى تجار.

وأشار المهندس محمد عبد الفتاح، أحد كبار مستوردي الاسمنت، الى أن الدولار بريء من ارتفاع سعر الاسمنت، والسبب وراء ذلك ينحصر في تلاعب الشركات بعرض خصومات لبيع كميات كبيرة لفئات معينة ثم العودة مرة أخرى لرفع الأسعار، موضحا أن سوق الاسمنت المصري من أكثر الأسواق جاذبية في المنطقة حيث يصل معدل العائد على المبيعات الى نحو 25%، مشيرا الى أن انخفاض أسعار الاسمنت المصري وأزمة الدولار العام الماضي أديا الى حماية السوق من تدفق الواردات اليه حيث تراجعت معدلات الاستيراد بنحو 78%. وأكد أنه رغم معاناة قطاع الاسمنت خلال العام الماضي، الا أنه مع اتجاه الدولة لانهاء مشكلة المديونية المستحقة عليها لشركات المقاولات، علاوة على صدور قانون الرهن العقاري فانه من المتوقع زيادة معدلات الطلب على الاسمنت نتيجة عودة السيولة واستئناف المشروعات الكبرى.

وصرح رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية سمير علام بأن السعر العادل للأسمنت يجب ألا يتجاوز 180 جنيها للطن.

بينما يرى المهندس أشرف عبد الحكم (مقاول) انه في كل صيف كانت تظهر أزمة في الاسمنت بسبب عمرة المصانع، ومنذ حوالي 4 سنوات لم تقم هذه المصانع بهذه العمرات والتي كانت تتوقف فيها عن الانتاج، مؤكدا ان المقاولين اصبحوا يتعاقدون علي مشروعات صغيرة تستغرق مددا زمنية لا تزيد علي 4 أشهر على الأكثر، حتى لا يرتفع سعر الخامات الأساسية، مما أدى الى الابتعاد عن المشروعات الطويلة الأجل خوفا من الخسائر الفادحة.

وعن مدى تأثير ارتفاع أسعار مواد البناء على تكلفة المنشآت، أشار عبد الحكم الى أن طبيعة المنشأة هي التي تحدد تأثير ارتفاع هذه المواد على السعر النهائي للمنتج، فمثلا زيادة أسعار الاسمنت والحديد تؤثر في قطاع الوحدات السكنية بنسب تتراوح ما بين 6 و7 % من تكلفتها لأن هذا القطاع تستخدم فيه هذه المواد بدرجة أقل من عناصر أخرى مثل السيراميك والبويات وغيرها.

ومن جهته أيد الأمين العام للمجلس الأعلى للاسمنت، حسين حامد، عدم وجود شبهة ممارسات احتكارية في سوق الاسمنت نظرا لتعدد المصانع والشركات المنتجة التي يصل عددها حاليا 11 شركة، منها 4 فقط أجنبية ولا تتجاوز حصة كل منها 9% من حجم السوق، مفسرا الارتفاع المستمر في سعر طن الاسمنت الى التكلفة سواء الصناعية أو التمويلية وأعباء القروض والفوائد البنكية للمصانع الجديدة، نافيا وجود أي تفهمات بين الشركات المنتجة لزيادة السعر أو خفض معدل الانتاج في السوق المصرية، ولكن المتغيرات في السوق كانت وراء هذا الارتفاع الذي يستند الى مبررات منطقية واقتصادية. واكد حامد أن الأسعار الحالية التي بلغت 190 جنيها للطن (تسليم المصنع) ليست مرتفعة في ظل ارتفاع تكاليف التمويل ونسب الهالك. كما أن أسعار الاسمنت في معظم دول العالم مرتفعة عن سعره بمصر حيث تتراوح ما بين 50 و60 دولاراً في كثير من الدول العربية، ونحو 100 دولارا في المكسيك.

وأوضح رئيس القطاع التجاري بالشركة المصرية للاسمنت، أحمد حشمت، أن اتفاقية منتجي الاسمنت التي جرى تفعيلها وتتضمن تحديد حصص سوقية لكل شركة على أساس طاقتها الانتاجية الفعلية سيكون لها دور مؤثر في سوق الاسمنت المصري خلال الأشهر المقبلة، واعتبر أن هذه الاتفاقية تأتي متمشية مع النمو النسبي الذي شهده قطاع الاسمنت خلال الأسابيع الماضية وسط تأكيدات من شركات الاسمنت بالالتزام بالقرار لمنع المضاربة السعرية بالسوق. كما أشار الى أن الشركات المنتجة لم ترفع الأسعار وانما ألغت الخصومات الممنوحة على التسليمات للتجار والتي ساهمت في تدني أسعار الاسمنت خلال النصف الثاني من العام الماضي، مبينا أن الارتفاع العالمي في أسعار ورق الكرافت الذي تصنع منه شكاير الاسمنت والذي يتم استيراده من الدول الأوروبية يشكل أحد العناصر المسببة لأزمة الاسمنت، وأكد ان هذا الارتفاع سوف يتراجع بعد فترة وجيزة ويعود الى حالة الاستقرار والى الأسعار العادية التي تصل الى حدود 155 جنيها للطن.