رجال أعمال سعوديون يشككون في صحة مبالغ التحويلات وتأكيدات بصعوبة توجيه استثمارات جديدة إلى أميركا

مورغان ستانلي: تورط الولايات المتحدة في أزمة جيبوليتكية طويلة الأجل سيحولها إلى ملاذ غير آمن مقارنة بمنطقة اليورو

TT

اكد رجل الاعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال استمرار ثقته بالاستثمار في اسواق الولايات المتحدة الاميركية وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الهزات التي تعرضت لها الاسهم الاميركية انزلت السوق نحو 1000 نقطة وخلال ثلاثة ايام هي الخميس الجمعة الأثنين زاد السوق 1200 نقطة»، نافيا امس الخميس الأنباء التي ترددت عن قيام مستثمرين سعوديين بسحب ما يتراوح بين 100 مليار و200 مليار دولار من الولايات المتحدة وسط توتر في العلاقات بين البلدين.

وقال الامير الوليد لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) انه متمسك باستثماراته وانه يعمل على زيادة حصصه في شركات بعينها في الولايات المتحدة، مضيفا ان المعلومات التي لديه تشير الى عدم صحة ما تردد عن سحب استثمارات سعودية من الولايات المتحدة قائلا: «وما اقوله لكم يمثل موقف الاسرة السعودية المالكة مائة في المائة».

من جانبه بين عبد الرحمن الزامل رئيس المجلس التنفيذي لمركز تنمية الصادرات السعودي ورئيس مجلس ادارة شركة الزامل للاستثمارات الصناعية انه لا يعتقد بان المستثمرين الكبار والمؤسسات التي لديها وجود كبير في السوق الاميركي سواء في الاسهم او السندات او العقار او غيرها انها تقوم بخطوة متسرعة بسحب استثماراتها وبيع الاسهم التي بحوزتها باسعار متدنية كالاسعار الحالية.

واوضح ان المستثمر يبحث عن العائد وليس من المعقول ان يبيع احدهم كافة اسهمه بسعر بخس، مشيرا انه لديه قناعة كذلك بان المستثمرين الصغار قد يكونون قد اوقفوا تعاملهم مع البورصات الاميركية على خلفية انهيار الاسعار وليس الوضع السياسي فقط، مشيرا الى ان التغير المؤكد هو تأثر التدفقات الجديدة من الاستثمارات السعودية لاميركا، فالمستثمر الان لن يتخذ قرارا باستثمارات جديدة في ظل اجواء عدم الترحيب، فلا احد يغفل الجانب النفسي في توجيه الاستثمارات.

وقال ان الارقام المعلنة من قبل المصارف ومؤسسة النقد تؤكد ارتفاع حجم السيولة النقدية، وهذا يعني على اقل تقدير تراجع حجم التدفقات النقدية الجديدة للخارج، اذا لم تعن رجوع بعض من الاستثمارات من الخارج. وعن استثمارات عائلة الزامل قال: «ان عائلته لديها استثمارات صناعية في كل من الصين وايطاليا وفيتنام ومصر وليس هناك استثمارات في اميركا، موضحا ان شركته يعمل بها قرابة 7 آلاف موظف وعامل بينهم 2.5 الف سعودي وهي استثمارات تتسم معاملاتها وتدفقاتها بالشفافية وهو حال الاستثمار الصناعي بشكلها العام.

ووسط التطورات الدراماتيكية التي تشهدها أسواق المال الأميركية اشارت إحدى كبريات المؤسسات الاستثمارية الى التقويم أثر الهجمات التي تعرضت لها أميركا أخيرا على مستقبل نحو أربعة تريليونات دولار من الأموال الاجنبية المستثمرة في وول ستريت، مبينة اعتقادها أن تورط الولايات المتحدة في أزمة جيوبوليتكية طويلة الأمد قد يدفع بأعداد متزايدة من المستثمرين الدوليين إلى منطقة اليورو.

وقال محللون في مؤسسة مورغان ستانلي إن الهجمات الإرهابية أطلقت عدداً من التيارات القوية المتعاكسة، مما رفع درجة عدم اليقين وجعل تحليل حركة تدفق رأس المال مهمة بالغة الصعوبة، موضحين على سبيل المثال أن تعاظم مخاطر الركود الاقتصادي في أميركا يوحي باحتمال حدوث انخفاض كبير في شهية المستثمر الدولي لتملك الأسهم والسندات الأميركية لكن المكانة التقليدية التي تتمتع بها أميركا بصفتها ملجأ آمنا في أوقات الأزمات الجيوبوليتكية يميل في المقابل إلى زيادة الطلب العالمي على الأدوت المالية الأميركية.

ورصدت مورغان ستانلي ردود أفعال المستثمرين الدوليين في الأزمات الشهيرة ولاحظت على وجه الخصوص أن الصدمات التي حدثت منذ حرب الخليج تميزت، على النقيض من سابقاتها، بحدوث انكماش سريع في الاستثمارات الأجنبية قابله في الغالب عودة سريعة، مشيرة الى أن المستثمرين الأجانب تخلصوا مما قيمته 6.4 مليار دولار من السندات والأسهم في الشهرين التاليين للغزو العراقي لكن التدفقات الأجنبية عادت إلى مستوياتها قبل الأزمة في غضون شهرين من بدء المعـارك واستخلص المحللون في تقرير أصدرته المؤسسة على موقعها أن تجارب أسواق المال الأميركية تفيد أن المستثمرين الدوليين يميلون إلى التقليل من انكشافهم على الأدوات المالية الأميركية إبان الأزمات الدولية بعدما تشل صدمة الأزمة حركتهم إلا أنهم سرعان ما يعودون كمشترين للأسهم والسندات الأميركية مع انحسار الصدمة الأولى وغالبا ما تضاهي التدفقات الجديدة الانكماش الذي سبقها.

لكن المحللين لاحظوا في المقابل أن الصدمات الماضية (أزمة أسعار النفط وحرب الخليج والأزمة النقدية الآسيوية وتداعياتها على امتداد الأسواق الناشئة) كانت في غالبيتها قصيرة المدى، واحتفظ المستثمرون الدوليون خلالها بشهية نشطة لتملك الأسهم والسندات الأميركية، مبينا أن تحول الصدمة الراهنة الناجمة عن الهجمات الإرهابية إلى أزمة طويلة الأجل من شأنه أن يقود إلى فترة طويلة من التدفقات الاستثمارية الضعيفة على الولايات المتحدة.

ولفتت مورغان ستانلي إلى ظروف مستجدة قد تساهم في تضخيم الآثار السلبية التي يمكن أن تتعرض لها الولايات المتحدة من جراء حدوث انخفاض طويل الأجل في الاستثمارات الأجنبية إذ أشارت إلى أن أطول الصدمات الماضية أمداً، وهي أزمة أسعار النفط عام 1979 حدثت عندما كانت أميركا تتمتع بفائض في حسابها الجاري وكانت بالتالي أقل اعتمادا على التدفقات الاستثمارية الأجنبية مما أصبحت عليه إبتداء من مطلع التسعينات.

وذكرت مورغان ستانلي أن مخاطر حدوث ركود وصدمة جيوبوليتكية عالميين قد تشكل عامل ضغط من شأنه إقناع المستثمرين الدوليين بإبقاء استثماراتهم حيث هي وعدم نقلها إلى مناطق أخرى، لكنها تساءلت ما إذا كان تورط الولايات المتحدة في أزمة جيبوليتكية طويلة الأجل سيضعف حماسة المستثمر الدولي إزاء وضع أميركا كملاذ آمن لمصلحة مناطق قد لا يراها هذا المستثمر في الظروف المستجدة أقل أمانا، مثل منطقة اليورو.

وأبرزت المؤسسة تزايد أهمية منطقة اليورو بالنسبة للمستثمرين الدوليين مشيرة إلى أن المشتريات الأجنبية من الأسهم والسندات المقومة باليورو بلغت في النصف الأول من السنة الماضية 2001 ما قيمته 126 مليار دولار مقارنة بنحو 39 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2000، و67 مليار دولار في النصف الأول من عام 1999، وبليون دولار فقط في النصف الأول من عام 1998، ولاحظت كذلك أن منطقة اليورو التي بلغ مقدار العجز في حسابها الجاري العام الماضي 31 مليار دولار تعتبر محصنة أكثر من الولايات المتحدة نسبيا ضد انكماش الاستثمارات الدولية.

وخلص التقرير إلى القول: إذا قرر المستثمرون الدوليون الإستجابة لبيئة دولية أكثر خطورة بإبقاء أموالهم أقرب إلى مناطقهم فستجد الولايات المتحدة صعوبة أكبر نسبيا في تمويل عجز حسابها الجاري.

وترافق تقرير مورغان ستانلي مع توقعات كثير من المؤسسات المعنية بدرس النشاط الاستثماري في أن يشهد الشهر الجاري سحوبات ضخمة من صناديق الاستثمارات السهمية التي تشكل إحدى أهم قنوات المستثمرين الدوليين إلى أسواق المال الأميركية، وحسب مؤسسة تريم تابـــس الأميركية انصبت التوقعات على حدوث عمليات سحب قياسية قد تصل إلى 40 مليار دولار رصدت خلال شهر واحد علاوة على عمليات الهروب الضخمة إلى الأدوات المالية الأكثر أمنا، في حال استمر التدهور الراهـــن في المؤشــرات الرئيسيــة.

ويتعلق الغموض بمصير ما يصفه صندوق النقد الدولي في أحدث تقاريره حصة الأسد من تدفقات رأس المال الدولية إلى أسواق المال الأميركية التي تطورت بسرعة كبيرة في النصف الثاني من التسعينات، لا سيما بعد الأزمة الآسيوية، لتشكل نحو 64 في المائة من صافي التدفقات الاستثمارية العالمية العام الماضي مقابل متوسط سنوي لا يزيد على 35 في المائة فقط في الفترة من عام 1992 إلى 1997، وليرتفع حجمها التراكمي الى 6.3 تريليون دولار، ما يعادل ستة أضعاف ما كانت عليه عام .1996 وتبرز تقارير صندوق النقد الدولي عن حركة رأس المال الدولي مدى تعاظم اعتماد أميركا على التدفقات الاستثمارية الأجنبية في الأعوام القليلة الماضية إذ اجتذبت أسواق المال الأميركية نحو 30 في المائة من فائض الحساب الجاري الدولي الإجمالي عام 1990 في حين كان مقدار العجز في حسابها الجاري لا يتجاوز حينئذ 79 مليار دولار إلا أن ارتفاع حصة أميركا من هذه الاستثمارات إلى 64 في المائة (زهاء 400 مليار دولار) عام 2000 رافقه ارتفاع عجز حسابها الجاري إلى 450 مليار دولار.

=