رئيس مصر للطيران : جزء كبير من خسائر الشركة غير حقيقي وعملية التطوير لن يظهر أثرها قبل عام

الطيار أحمد النادي: السوق المصري يملك استثمارات ضخمة ونسعى لتعظيم العائد

TT

بعد تحويل مؤسسة مصر للطيران الى شركة قابضة اتجهت الأنظار بكثير من الترقب والقلق نحو شركة الخطوط الجوية التي ورثت الى جانب أسطول الطائرات والطيارين مشاكل كثيرة في سياسات التسويق والأسعار، وتعثر العديد من خطوطها، ومنافسة اقليمية شرسة وظروف كساد في الطيران الدولي، اضافة الى نزيف خسائرها المستمر منذ خمس سنوات.

وجاء انفصال الأنشطة ذات الربحية العالية مثل الخدمات الجوية والأرضية عن شركة الخطوط ليرسم أكثر من علامة استفهام حول قدرة الشركة على النهوض بأعبائها وتخطي خسائرها وصياغة منظومة سياسات جديدة تساعدها على الاستمرار خاصة بعد ان أنهت الحكومة المصرية احتكار المؤسسة الوطنية ومنحت الشركات الخاصة امتيازات جديدة ـ كبداية ـ للدخول في منافسة قوية مع شركة مصر للطيران.

«الشرق الأوسط» التقت مع رئيس شركة مصر للطيران للخطوط الجوية الطيار احمد النادي الذي جاء من داخل الشركة ليقود عملية اصلاح واسعة بمفاهيم مختلفة عن التي تبنتها الادارات السابقة، وبتفاؤل مشوب بالحذر أكد النادي قدرة شركته على عبور مفترق الطرق عندما تنتهي من إعادة دراسة شبكة الخطوط والتي يتوقف عليها رسم سياسات تسويق وأسعار جديدة، وكذلك فتح آفاق أوسع للتعاون مع شركات الخطوط العربية الكبيرة مثل الخطوط السعودية وطيران الإمارات والخليج.

* الميزانية المعلنة لشركة مصر للطيران تظهر ارباحا توزع سنويا على العاملين، في حين ان شركة الخطوط تخسر ماديا منذ خمس سنوات، ما هي أسباب الخسائر المستمرة، وماهي خططكم للحد منها؟

ـ الحقيقة ان كل الشركات مع بعضها تحقق ربحية وفائضا يغطيان خسائر شركة الخطوط، لكن بعد ان تم فصل الشركات عن بعضها لا بد من ادراك ان جزءاً كبيراً من خسائر شركة الخطوط هو في الواقع لصالح مكاسب الشركات الأخرى، وهذا نتاج طبيعي للتحول في أداء الشركة ـ القديمة ـ والذي ارتبط بتطور ونمو حجم اعمالها بشكل مطرد وتضخم حتى أصاب الشركة بالترهل ولم تعد قادرة على أداء المهام المطلوبة منها. ولم يعد من الممكن ان يسيطر على كل أنشطة الشركة الآخذة في النمو شخص واحد أو مدير واحد وكان تقسيم الشركة هو الحل.

* هل تعني أن خسائر شركة الخطوط بسبب إجبارها في الماضي على شراء الخدمات بأسعار باهظة وأن مكسب شركات الخدمات الأخرى كان على حساب شركة الخطوط؟

ـ ليس بالضبط، هذا جزء من السلبيات التي نعمل لتلافيها في عملية إعادة تنظيم الشركة، ولكن لا بد ان نتفق ان كل شركات الخطوط في العالم تخسر أو تحقق هامش ربح ضئيل على أحسن حال، لان الاستثمارات في الطيران ضخمة ومكلفة في حين ان ربحية شركات الخطوط لا تكون نقودا أو معدات أو تجهيزات لان معظم شركات الخطوط تعمل على السيولة المالية والتدفقات النقدية، يأتي المكسب المعنوي وارتفاع القيمة الأسمية للشركات من أهم مكاسبها اذا استطاعت تحسينها، وعادة لا تتجاوز الربحية 2 في المائة واعظم شركات الخطوط لا تزيد أرباحها على 4 في المائة على رأس المال الدائر وهو ضخم.

* هل انتهيتم من عملية تقييم أصول شركة الخطوط وديونها، وما هي الموارد التي ستعتمدون عليها بعد فصل الأنشطة عالية الايرادات في شركات مستقلة؟

ـ ليس بعد، عملية تقييم الأصول تخضع لفحص دقيق جدا لكل اصول الشركة القديمة واعادة تقدير قيمتها وفقا للتغييرات التي طرأت على السوق واعادة حسابات التكلفة على أساس قيمتها الحالية وليس قيمتها عند التشغيل، فالمباني مثلا وتجهيزاتها لا يتم حساب تكلفتها وانما قيمتها الحالية. وعلى الجانب الآخر فالطائرات مثلا عند شرائها جديدة تكون قيمتها عالية لكن بعد سنوات التشغيل ودخول طرازات أحدث تتغير قيمتها وهكذا، فلا نستطيع أن نقول ان شركة الخطوط ورثت تركة تقدر بقيمة ما على أساس حسابات الأوراق، لكن لا بد من اعادة تقييم كل أصول المؤسسة السابقة.

* لكن لديكم مشاكل مع شبكة الخطوط وسياسات التسويق والبيع الى جانب عملية تحديث الاسطول التي خلقت مشاكل فنية ومالية، هل حددتم أولوياتكم في التعامل مع هذه المشاكل؟

ـ نعم لدينا مشاكل ولن ندفن رأسنا في الرمال، لكننا لا نملك عصا سحرية نغير بها كل تراكمات الماضي، على رأس مشاكل الشركة تأتي اعادة دراسة الشبكة الخارجية والداخلية، فلدينا خطوط طويلة بعضها يحقق مكاسب وبعضها يخسر، وأي طائرة تطير ولا تأتي بايرادات تمثل خسارة كبيرة لاي شركة خطوط.

وفي الوقت الحالي نعيد النظر في هذه الخطوط التي تمثل حالة صارخة ونحاول وضع مجموعة حلول واجراءات لمساعدتها وتنميتها واقالتها من عثرتها حتى تستمر وتتجاوز خسائرها أو نعلقها اذا لم يكن هناك بد مثلما حدث مع خط سيدني. وهذا اجراء لا اعتقد اننا سنضطر للجوء إليه بسرعة، خاصة اذا تم العمل في المرحلة القادمة بالشكل العلمي المدروس من كل الجوانب الفنية والمالية والادارية قبل اتخاذ القرار.

وبدأنا بالفعل تجربة بدائل مع خط طوكيو ـ القاهرة حيث رفعنا عدد الرحلات الاسبوعية الى ثلاث رحلات بعدما لمسنا نمو حركة النقل على هذا الخط ونعمل حاليا لدراسة الوقفات المناسبة قبل تثبيت الخط في شكله النهائي، بما يحقق أيضا اتاحة استخدام ساعات طيران أكثر من الممكن الاستفادة بها على رحلات اقليمية متوسطة أو قصيرة المدى.

من جهة أخرى فإن الخطوط الداخلية تعتبر بمثابة امتياز خاص نحظى به ليس باجراءات احتكارية ولكن بواقع عملنا طوال سنوات التنمية وفتح خطوط لمختلف المدن والمناطق السياحية والاقتصادية في مصر، وصحيح ان لدينا شركات طيران خاص تعمل على الخطوط الداخلية حتى من قبل القرارات الاخيرة التي تبنتها الحكومة لتشجيع الطيران الخاص لكن الحقيقة ان لدىنا سوقا داخليا كبيرا وواعدا أيضا، ولا بد ان نضمن الحصول على أكبر نصيب فيه.

* ملاحظ انك تتحدث بكثير من التفاؤل عن السوق الداخلي وكأن الطائرات ستأخذ مكان السيارات والحافلات في التنقل داخل مصر؟

ـ التفاؤل لأن لدينا 22 مطارا دوليا وهذا رقم يعكس استثمارات ضخمة في هذا المجال ولا بد من استخدامها والافادة منها، وبالنظر لتعداد سكاني وصل نحو 70 مليون مواطن فإن نسبة الركاب المحتملين ترتفع بالتالي. وفي الوقت الحالي نعكف على دراسات حول حجم سوق النقل الجوي المصري الداخلي، لكن لدينا دراسة مقارنة على المعروض من مقاعد على منطقة مثل اوروبا وما حققته من أرباح وخسائر، مقارنة بالمعروض عن نفس الفترة الزمنية من مقاعد على الرحلات الداخلية، وكان المعروض على الداخلي 80 في المائة من المعروض على أوروبا لكنه حقق مكاسب بينما حققت أوروبا خسائر، إذن السوق موجود والركاب موجودون والسياحة أيضا تعافت مؤخرا، ولا يجب ان نغفل ان السوق الداخلي يتمتع بميزة الاستقرار من السوق الخارجي فلا يتأثر بشكل خطير بالتوتر في المنطقة، وبالتالي نستطيع بناء سياسات قوية عليه.

* توصلتم مؤخرا لاتفاق مع الخطوط النمساوية، كما ان المفاوضات مع الخطوط الكندية مستمرة لمد خط مونتريال الى تورنتو، هل ستتوسع مصر للطيران في الاتفاقات الثنائية للقفز على مشاكل بعض الخطوط المتعثرة؟

ـ بالفعل توصلنا لاتفاق مع الخطوط النمساوية للتعاون لنقل الركاب بنظام Limitedallianece وذلك بعد ان كان لدينا اتفاق مماثل بنظام Staralliance، والاتفاق يسمح لمصر للطيران بنقل الركاب من القاهرة وافريقيا الى فيينا ثم تقوم الخطوط النمساوية من خلال خمس رحلات يوميا بنقلهم الى كوبنهاجن وبذلك نحقق مكاسب على خط فيينا وتحقيق الخطوط النمساوية مكاسب أيضا كما اننا وفرنا رحلة كوبنهاجن والخسائر التي كانت تحققها، ومن جهة أخرى تستفيد الخطوط النمساوية من شبكة مصر للطيران في افريقيا بنقل الركاب من النمسا الى القاهرة حيث يتم تجميعهم واعادة توزيعهم من القاهرة على رحلات الشركة للعواصم الافريقية، أي ان تغذي الرحلات النمساوية رحلات الشركة في افريقيا وذلك مفيد بدون شك للجانبين.

أما بالنسبة لخط مونتريال فإن الشركة تعيد النظر حاليا في كل الشبكة وخاصة الخطوط الطويلة ولدينا تصور لدراسة تسيير خط مباشر من القاهرة الى مونتريال دون توقف في نيويورك لتجنيب الركاب مشقة الاجراءات الأمنية المبالغ فيها حيث يلتزم الركاب وخاصة القادمين من الشرق الاوسط والعابرين ترانزيت للمطارات الاميركية بضرورة فحص كل امتعتهم علاوة على التفيش الشخصي، ومثل هذه الخطوة تخضع لاتفاقات ومفاوضات مع اير كندا AirCanada لدراسة تسيير رحلات مباشرة من القاهرة لمونتريال ومد الخط الى تورنتو. وبالطبع هناك تبادل للميزات بين الجانبين بما يحقق فائدة أكيدة أهمها عدم الاضطرار لإيقاف خط بل استمراره وتنميته مع تفادي الخسائر بأعلى قدر ممكن.

من جهة أخرى ندرس حاليا تعديل مسار بعض الخطوط الطويلة مثل خط بانكوك ـ كوالالمبور، وخط طوكيو لتعديل الوقفات أو إلغائها تبعا لما تسفر عنه الدراسة لتحقيق أعلى عائد من هذه الخطوط، حيث اظهرت الدراسات الأولية تأثير محطات الوقوف للخطوط العاملة في شرق آسيا على نسبة التشغيل. وهذا ما سيتضح بعد الانتهاء من اعادة دراسة الشبكة التي تعد بالنسبة لمصر للطيران في الوقت الحالي ركن الزاوية في عملية انتشال شركة الخطوط من خسائرها والدفع بها للتنافس بقوانين السوق الحرة.

* بينما اتجهت العديد من شركات الطيران العالمية للتكتل والاندماج، لم نسمع عن خطط طموحة لانشاء تكتل عربي مماثل، لماذا في تقديركم لا نرى تعاونا عربيا واسعا في مجال الطيران والنقل الجوي؟

- انشاء تكتلات مسألة تحتاج لظروف اعداد وتنسيق عال وجهود مكثفة وهي خطوة كبيرة صعب تبنيها دون دراسة متأنية، ولكن التعاون العربي موجود بالفعل وبشكل ملموس من خلال الاتحاد العربي للنقل الجوي، وكل شركات الطيران العربية الاعضاء بالاتحاد يعملون بالفعل في إطار السياسات التي اقرتها اللجنة التنفيذية للاتحاد لدعم التنسيق فيما بينها، وهناك تأكيد على زيادة التعاون بعد احداث سبتمبر وما لحق بشركات الطيران من خسائر بسببها، وقد اثبتت التجارب نجاح التعاون العربي في الشراء المشترك للوفود والخدمات الأرضية في المحطات الخارجية والتنسيق في التعامل مع أنظمة الحجز العالمية، كما عملت الشركات أيضا من خلال الاتحاد على دراسة سبل تشجيع السياحة العربية وتقديم اسعار تشجيعية وبرامج مناسبة للسائح العربي والحد من العقبات الخاصة بمنح التأشيرات في المطارات العربية ذلك بالاضافة للتعاون المشترك في تشغيل بعض الخطوط

* ولكنكم لم تكرروا نموذج التعاون مع الخطوط النمساوية مع أي شركة عربية، هل تخشون الدخول في اتفاقات تؤدي للتنازل عن بعض النقاط لصالح الاطراف الأخرى؟

ـ التعاون المماثل مع شركات الخطوط العربية كالخطوط السعودية وطيران الامارات وشركة طيران الخليج، يحتاج للكثير من العمل بالنظر لظروف تشابه شبكة الخطوط التي تعمل عليها شركات الخطوط العربية الكبيرة، ومن ثم فإن فرص التعاون المماثلة ضئيلة لان تشابه خطوط الشبكة يخلق حالة تنافس وأي مشروع على نفس النسق من التعاون سينطوي على تنازل كل طرف عن نقاط معينة لصالح الطرف الآخر، ورغم ان ذلك يبدو صعباً ولكنه ليس مستحيلا بعد الانتهاء من اعادة دراسة الشبكة التي ستتحدد لدرجة بعيدة شكل الخطوط ومساراتها والنقاط التي يمكن انشاء تفاهمات مع بعض الخطوط العربية لتدعيم هذه الخطوط من جهة وتوجيه الفائض من التعاون لخدمة خطوط أخرى وهكذا.

وليس بالضرورة أن يكون شكل التعاون مطابق للاتفاق مع الخطوط النمساوية لان تلك الأخيرة لا تطير على نفس شبكة مصر للطيران والتعاون فيما بيننا في المسارات غير التنافسية، وهناك اشكال أخرى للتعاون الثنائي بين الخطوط العربية يمكن التوصل إليها.