توقعات بوصول سوق التأمين السعودية إلى 1.3 مليار دولار بعد تطبيق التأمين الإلزامي

الربيعان: وضع «التعاونية للتأمين» سيتأثر بعد دخول منافسين كبار * العنزي: ستظهر حركة اندماجات بين الشركات التي لا تستطيع الوفاء بمتطلبات النظام الجديد

TT

يتوقع متخصصون في سوق السعودية أن يصل حجم السوق إلى 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار) بعد تطبيق التأمين الالزامي على المركبات الأجنبية ورخص السائقين والتأمين الصحي على المقيمين العاملين في المملكة، وأن السوق سيشهد منافسين كبار بملاءة مالية كبيرة وقدرات فنية عالية ولها ارتباطات بشركات عالمية لها باع طويل في هذا السوق، مشيرين إلى أن السوق تحكمه الارتجالية وعدم التنظيم وعدم الوضوح وأغلب من يعمل في السوق لا يعدو عن كونه شركات أجنبية مسجلة في الخارج وكثيرا منها يعمل وفق تنظيمات وقوانين أجنبية لا تتناسب مع مرئياتنا للتأمين، بل أن هناك كثيرا من السلوكيات الخاطئة التي استقر العمل وفقا لها.

وقال موسى الربيعان مدير عام التعاونية للتأمين إن مشروع رقابة شركات التأمين أجيز من قبل مجلس الشورى السعودي بعد جلستين صاخبتين شهدتا مداولات مطولة خصوصا في ما يتعلق بتحديد الجهة الرسمية التي تتولى الإشراف على النظام ككل، مضيفاً أنه وبانتهاء مداولات المجلس للنظام في جلسته التي عقدت يوم الأحد 29 سبتمبر (أيلول) الماضي يكون المجلس قد أنهى سلسلة طويلة من البحث والمراجعة لنظام يعد الأحدث في الاقتصاد السعودي وتم رسميا التوصية بأن تقوم مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» بالإشراف على سوق التأمين السعودي بعد أن تباينت مواقف أعضاء المجلس حيال ذلك، خصوصا أن مقترحا لهيئة بديلة للإشراف على السوق تكون «ساما» عضو فيه الى جانب وزارة التجارة والمالية قد لقي قبولا من عدد من الأعضاء.

وأوضح الربيعان لـ«الشرق الأوسط» أنه من بين النقاط التي كانت محط البحث في نظام التأمين السعودي ما يتعلق بوضع الشركات القانوني ونسب الملكية الأجنبية، وقد أقر بالفعل رأس المال الأدنى لشركات التأمين والذي حدد بـ100 مليون ريال (26.7 مليون دولار) لأي شركة تعتزم الحصول على تسجيل بالسوق وممارسة أعمال التأمين الذي أشترط أن يكون «تعاونيا» على غرار الشركة الوحيدة المسجلة بالسوق حاليا وهي «التعاونية للتأمين» المملوكة بالكامل لجهات استثمارية حكومية سعودية.

وأشار إلى أن التأمين التعاوني الذي يفترض أن تعمل شركات التأمين السعودية على أساسه عند اعتماد النظام الجديد من مجلس الوزراء السعودي كبديل مقبول شرعيا للتأمين التجاري، ويتشابه في ممارساته وخدماته مع التأمين التجاري لكنه يقترب من كون صناديق انتفاع بحيث يعاد فائض أعمال التأمين للعملاء ويحدد قنوات استثمار مباحة إسلاميا للمتاجرة.

وأضاف: حدد المراقبون أيضا أجزاء من النظام الجديد كقنوات الاستثمار المسموح لشركات التأمين الدخول بها وطبيعة النشاط الاستثماري أسوة بنظام ممارسة الأعمال المصرفية الذي تعمل به البنوك السعودية كمحاور رئيسية استغرقت وقتا من المداولة.

وأفاد الربيعان بالقول انه وعلى الرغم من كون «التعاونية للتأمين» تتمتع بوضع استثنائي لكونها الوحيدة المسجلة رسميا إلا ان هذه الوضعية لم تكن مريحة على الدوام لأنها تواجه الآن منافسة بدون ضوابط من شركات كبيرة وصغيرة، معروفة ومجهولة، بعضها محترف وقادر وأكثرها مغامر مخاطر، ونشهد كل عام خروج أسماء ودخول أخرى في محيط السوق الذي لا يعرف الكثير عن التأمين سوى مقارنة الأسعار، مؤكداً أن الوضع التنافسي للشركة الوحيدة المسجلة رسمياً سيتأثر بعد دخول منافسين كبار بملاءة مالية كبيرة وبقدرات فنية عالية، بعضها قد يرتبط بشركات عالمية لها باع طويل في التأمين على المستوى الدولي، لكن السوق أيضا سيشهد انفتاحا واسعا ونعتقد أن سوق التأمين السعودي سيصل بعد إقرار التنظيم إلى ما يقرب من 5 مليارات ريال مدعوما بمشروعين جديدين سيطبقان قريبا في السعودية وهما التأمين الإلزامي على المركبات الأجنبية ورخص السائقين، ومشروع التأمين الصحي الإلزامي على الأجانب العاملين بالسعودية. وذكر بأن تجربة المصارف السعودية بإشراف مؤسسة النقد السعودية ثرية وناضجة وهي الآن تعد تجربة مشجعة ومهيأة للتكرار مع سوق التأمين الذي يعمل به شركات تأمين والتي هي في الأساس شركات أموال. وعبر الربيعان عن قناعته بأن السوق سيتطور بإشراف «ساما» مشيرا الى انها قد بدأت بالفعل تحضيراتها منذ فترة طويلة وقدم المعهد المصرفي التابع لها دورات تأهيلية في مجال التأمين.

ومن جانبه اعتبر الدكتور فهد بن حمود العنزي، باحث ومحكم في شؤون التأمين، وأستاذ القانون المدني المساعد بجامعة الملك سعود أن نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني أول تنظيم لسوق التأمين بالمملكة وقد جاء في وقت نحن في أمس الحاجة إليه وقد صدرت مؤخرا تنظيمات في مجال التأمين الصحي والتأمين الإلزامي على المركبات والرخص وكل هذه التنظيمات صدرت في وقت لم يكن هناك تنظيم لسوق التأمين السعودية، لاسيما أن السوق لدينا هو سوق تحكمه الارتجالية وعدم التنظيم وعدم الوضوح وأغلب من يعمل في السوق لا يعدو عن كونه شركات أجنبية مسجلة في الخارج جاءت وحطت من كل حدب وصوب وكثيرا منها يعمل وفق تنظيمات وقوانين أجنبية لا تتناسب مع مرئياتنا للتأمين، بل أن هناك كثيرا من السلوكيات الخاطئة التي استقر العمل وفقا لها.

وعن أهم ما يميز التأمين قال: اعتماد التأمين على القواعد التنظيمية إذ لا يمكن تصور سوق تأمين بدون وجود تنظيم لها، فكثير من حقوق العملاء والشركات أهدرت بسبب غياب التنظيم وبالرغم من وجود بعض الملاحظات على مشروع النظام منها عدم وجود هيئة رقابة مستقلة للرقابة على شركات التأمين، بالإضافة إلى انه يلاحظ على المشروع انه يتصدى فقط للجوانب الشكلية لمسألة التأمين فهو يعنى فقط بتسجيل شركات التأمين والرقابة عليها ولم يتبين وضع تنظيم للجوانب الموضوعية في التأمين والتصدي لإشكالاتها، حيث أن هناك كثيرا من مسائل التأمين التي تعاني من وجود فراغ تنظيمي يخصها لاسيما تلك المرتبطة بعقد التأمين من حيث شروطه وأركانه والشروط التعسفية التي تدرجها الشركات في عقودها وطريقة صرف التعويضات وتنظيم المهن المرتبطة بالتأمين مثل مهن مقدري الخسائر وخبراء التأمين والوساطة في نزاعات التأمين وطرق التقاضي وما إلى ذلك من مسائل مهمة مرتبطة بالتأمين وبالرغم من هذه الملاحظات فإن مجرد صدور هذا النظام فإنه يمكن اعتباره خطوة في الطريق الصحيح لتنظيم سوق التأمين بالمملكة وإيجاد الأرضية القانونية اللازمة للعمل التأميني ولعل أهم نتيجة مباشرة لإقرار هذا النظام هو خروج شركات التأمين التي تعجز عن الوفاء بالمتطلبات النظامية من سوق التأمين السعودي وذلك في حالة عدم تسويتها لأوضاعها وفق المدة الممنوحة لها، كما ستشهد السوق حركة اندماجات بين شركات التأمين التي لا تستطيع الوفاء وحدها بمتطلبات النظام وكذلك ظهور شركات تأمين مسجلة قادرة على تلبية احتياجات السوق المرتبطة بالتأمين الالزامي على المركبات والرخص وكذلك التأمين الصحي.

وبين د. العنزي أن مجرد صدور النظام سيؤدي إلى إيجاد أرضية نظامية لعمل شركات التأمين الصحي بعد حصولها على الترخيص وكذلك قيام مجلس الضمان الصحي بالأعباء المنوطة به، ذلك أن عمل شركات التأمين الصحي قبل صدور النظام لا يعتبر من الوجهة النظامية صحيحا فكيف لها أن تمارس التأمين الصحي وهي لم تحصل على ترخيص بمزاولة التأمين أصلا.

وكان الدكتور عبدالاله ساعاتي مدير عام الشركة السعودية للتأمين التعاوني «ميثاق» قد طالب في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» باعطاء شركات التأمين التي ترغب في تقديم خدمات التأمين وفقا لنظام الضمان الصحي التعاوني مهلة تتمثل في مرحلة انتقالية ريثما تلبي متطلبات النظام التي وصفها بانها مبالغ فيها.

وقال ان طبيعة التأمين الطبي التعاوني لا يتطلب توافر رأسمال كبير حيث يتسم هذا النشاط بانه ادارة لصناديق تأمينية، مشيرا الى ان النظام الذي يطالب بتوفير 75 مليون ريال كرأسمال يترك 25 مليون ريال منها كضمان، هذا بالاضافة الى 125 الف ريال كل 3 سنوات للتأهيل، و50 الف ريال سنويا بالاضافة الى توجيه 1 في المائة من قيمة بوالص التأمين، مما سيرهق كاهل تلك الشركات.

واضاف ان شركته اكملت استعداداتها لتقديم طلب رسمي للحصول على ترخيص لتوفير خدمات الضمان الصحي وفقا للنظام الجديد، حيث تعتزم رفع رأسمالها من 10 ملايين ريال حاليا الى 75 مليون ريال، كما انها قامت بتوفير نظام آلي يعد الاحدث وقامت بتدريب قرابة 40 شابا على كيفية التعامل مع هذا النظام، كما انها تقوم حاليا بتسويق عدد من منتجات التأمين العام كتأمين المركبات ضد الغير والتأمين الشامل للمركبات، وكذلك التأمين ضد الحريق، والتأمين البحري، وتأمين مزاولة المهن، وذلك لتقليل نسبة المخاطرة التي يتسم بها قطاع التأمين الصحي بشكل اجمالي.

يشار إلى أن بعض شركات التأمين بقيادة «التعاونية للتأمين» قد اتفقت مع عدد من كبرى المستشفيات الخاصة في السعودية في اجتماع عقد في ابريل (نيسان) من العام 2001 على ضرورة توحيد معايير تقديم الخدمات الصحية، مدفوعة لذلك بعدة عوامل أهمها: عدم وجود معايير موحدة تنظم تأمين النشاط الصحي وتحكم علاقات التعامل بين شركات التأمين ومقدمي الخدمة الطبية، وزيادة حجم نشاط التأمين الصحي في المملكة بشكل مضطرد، وظهور الحاجة الملحة إلى تنظيم العمل بطريقة أفضل من خلال تطبيق نظم معلوماتية متطورة تساعد على اجراء عمليات الربط الالكتروني بين شركات التأمين والمستشفيات مع تطوير أنظمة الدفع، وأنظمة الاكتتاب وتقييم المخاطر، والتحليل القياسي لمعدلات الخسارة، وتسهيل عمليات التدقيق والمراقبة وتوفير المعلومات الاحصائية.

ويشهد السوق السعودي للتأمين حاليا تنافسا محموما بين المستشفيات الحكومية والخاصة نتيجة لتحول بعض المستشفيات الحكومية لتقديم بعض خدماتها الصحية بمقابل مادي، حيث يقدر عدد الحالات التي سحبت من القطاع الصحي الخاص إلى المستشفيات الحكومية بين 20 ـ 30 في المائة خلال العام الماضي.

يذكر أن دراسة حديثة عن نظام الضمان الصحي التعاوني المزمع تنفيذه في السعودية، والذي نفذت المرحلة الأولى منه أخيراً والتي تشمل منسوبي الشركات التي تزيد عمالتها عن 500 موظف، أشارت إلى أن انخفاض عائدات البترول بنهاية الثمانينات جعل الدول الخليجية ترشد من إنفاقها الحكومي، فتأثرت بالتالي الميزانيات المخصصة للصحة، وفي السعودية مع وجود أكثر من 6 ملايين من العمالة الوافدة يستخدم معظمهم المرافق الصحية أثر ذلك سلباً على الخدمات التي توفرها للمواطن السعودي، وبالاضافة إلى ارتفاع معدل النمو السكاني وظهور الأمراض المزمنة التي تتطلب تكلفة علاجية عالية، على أثر ذلك بدأ الاحساس بوجود مشكلة في تمويل الخدمات الصحية، وبدأ التفكير في ايجاد بدائل جديدة لهذا التمويل، وجاء نظام الضمان الصحي التعاوني كأفضل البدائل المتاحة في هذا الصدد، وأوصت هذه الدراسة بضرورة التنسيق الفعال بين مقدمي الخدمة وشركات التأمين المشاركة في تطبيق النظام والتأكيد على توضيح حقوق وإلتزامات المشتركين للحد من وجود المشاكل. وإنشاء آلية لفض المنازعات وحل الخلافات بين شركات التأمين والمستشفيات حول المطالبات المالية التي تختلف فيها وجهات النظر بين كلا الجانبين لعدم ضياع حقوق المستشفيات من جهة وعدم إدخال المرضى كطرف في هذه المنازعات، ووجوب اشتمال تغطية الضمان على جميع الاحتياجات الوقائية والتشخيصية والعلاجية بما في ذلك خدمات الأسنان.