الإدارة المنفذة أهم من التخصيص نفسه

هل سيدفع المواطن العامل ثمن التخصيص بترك سوق العمالة بلا ضوابط؟

TT

بعد صدور قرار مجلس الوزراء السعودي بطرح عدد من القطاعات الحكومية في السوق ليقوم القطاع الخاص بتمويلها والاستثمار فيها هادفا لزيادة الكفاءة الانتاجية لتلك المشروعات والقضاء على الروتين الاداري الطويل وجعلها عرضة للمنافسة الحرة بما يحسن انتاجها ويقلل من اسعار خدماتها في سوق منافسة تضمن البقاء للأفضل فقط، إلا ان التخصيص وحده ليس كافيا للتفاؤل بنجاح هذه المشروعات ما لم يصاحبه تطبيق اداري ناجح اثناء عملية التحول من عقلية الادارة الحكومية الى عقلية ادارة السوق حيث ان حساب الأرباح والخسائر هو المقياس الأمثل لنجاح هذا المشروع او فشله وذلك لللأسباب التالية:

1 ـ معظم أو كل هذه القطاعات ذات طبيعة ربحية وإلا لن يغامر القطاع الخاص للاستثمار فيها، اضافة الى انها مشاريع ناجحة تدر عائدا جيدا للحكومة. وبسبب تخصيصها ستفقد الحكومة جزءا مهما من مصادر دخلها سيدخل جيب القطاع الخاص. الحاجة للادارة الجيدة اساسية اثناء عملية التحول بما يحفظ اسعار تلك الخدمات عند مستوى معقول حتى لا يتضرر ذوو الدخول الدنيا من عملية النقل سيما ان اغلب تلك القطاعات ذات مساس مباشر بحياة المواطن ورفاهيته.

2 ـ الحكومة مسؤولة عن رفاهية المواطن، فهي لن تسمح بافلاس اي من تلك المشروعات فلو افلس احدها، لا سمح الله، لوجدت الحكومة نفسها مضطرة لدعمها من ميزانيتها حفاظا على حقوق موظفي تلك القطاعات الذين هم مواطنون بالدرجة الأولى قبل ان يكونوا موظفي قطاع خاص. فالحاجة للادارة الجيدة هنا ماسة مع ضرورة مراقبة اداء تلك المشروعات قبل ان تقع في مأزق الخسارة ثم تصيح مستنجدة بالحكومة لاعانتها.

3 ـ الخوف من ان يستمر كبار موظفي المشروعات الحكومية في ادارة المشاريع بعد تخصيصها، ولتجنب هذا الأمر يفترض التركيز جيدا في اختيار من يدير هذه المشروعات من اصحاب الكفاءات الادارية حتى لا يكون الأمر مجرد انتقال نفس الوجوه من قطاع الحكومة الى قطاع السوق.

4 ـ ان هناك ترابطاً وتشابكاً وتداخلاً بين القطاعين العام والخاص، ولكن مرونة وسرعة وديناميكية القطاع الخاص يقابلها روتين وتأخر قطاع الحكومة فيجب اعادة النظر في بعض اجراءات القطاع الحكومي حتى يساير القطاع الخاص ويدعمه بدلا ان يوقفه ويؤخر نشاطه.

5 ـ كثيرا ما يعاملنا الاقتصاديون معاملة الفقهاء لعامة الناس باعطائهم الرأي الراجح وترك المرجوح بقولهم ان التخصيص يزيد كفاءة الانتاج ويحد من الرشوة والمحسوبية ويسهل اجراءات الحصول على السلعة او الخدمة، إلا ان الرأي المرجوح هنا ان هناك مشاريع بيعت بأقل من قيمتها الحقيقية في بعض الدول النامية نظرا لسوء الادارة. كما ان التخصيص وتحديدا في مراحله الأولى يضر بأصحاب الدخول الدنيا حيث يجب ان يدفعوا ثمنا لخدمة كانت تقدم لهم مجانا تحت مظلة الحكومة سيما ان تسعير الخدمات قد لا يكون حلا ناجحا دائما في ظلال التخصيص وحرية السوق والأسعار. فنعود ونؤكد اهمية الادارة لانجاح التخصيص وليس العكس.

6 ـ كذلك يجب ان لا يفوتنا تأثير التخصيص على سوق العمل السعودي ونحن في مرحلة السعودة وإحلال المواطن مكان الأجنبي فهل سيكون هناك حد ادنى للأجور وساعات العمل بما يحفظ حقوق العامل وصاحب العمل ام سيظل القطاع الخاص يستقدم العمل الرخيص من الخارج فيما يبقى المواطن بلا عمل.

7 ـ وأخيرا يبقى السؤال المهم عن قدرة السوق المالية السعودية الصغيرة نسبيا على امتصاص الفائض المالي الكبير من جراء طرح اسهم هذه المنشآت المعروضة للتخصيص حتى وان كان طرحها على مراحل وليس في فترة واحدة.

وبالعودة للنقطة الأولى وهي فقدان الحكومة لجزء مهم من مواردها من جراء التخصيص سيما ان الدين العام يفوق 600 بليون مليار سعودي فان وجهة النظر الاقتصادية البديلة هنا هو تأجير هذه المشروعات للقطاع الخاص لتدار بعقلية الخصوصية وتدر عائدا للحكومة يتمثل في قيمة ايجار تلك المشروعات او كما يسمى اقتصاديا بـcontract out.

جامعة كولورادو ـ الولايات المتحدة