مدير «لاسمير» المغربية يتوقع تراجعاً نسبياً في أرباح الشركة بسبب حريق مصفاة المحمدية

الشركة متمسكة بخطتها الاستثمارية البالغة 800 مليون دولار لكن تنفيذها ينتظر موافقة الحكومة

TT

توقع عبد الرحمن السعيدي مدير عام شركة «لاسمير» المغربية التي تملك مجموعة هولدينغ كورال السعودية (مقرها السويد) نسبة ثلثي رأسمالها، تراجعا نسبيا في أرباح الشركة التي كانت متوقعة لهذا العام في حدود 50 مليون دولار أميركي، وذلك نتيجة حادث حريق مصفاة المحمدية نهاية الشهر الماضي، وقدر خسائر الشركة بسبب الحادث بحوالي 150 مليون دولار.

وقال السعيدي في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، ان الشركة متمسكة بخطتها الاستثمارية التي تبلغ قيمتها 800 مليون دولار أميركي، بيد أن تنفيذها ما يزال بانتظار موافقة الحكومة المغربية، لكنه أبرز ان اهتمام الشركة حاليا منصب على تدابير طارئة بسبب الحادث بهدف اعادة مصفاة المحمدية الى نشاطها الطبيعي، متوقعا أن تبدأ الشركة التي تبلغ طاقتها الانتاجية 125 ألف برميل يوميا، بتزويد السوق المغربي بنسبة 70 في المائة من طاقتها الانتاجية بداية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل وفيما يلي نص الحوار:

* ألم يكن بامكان شركة كبيرة مثل شركتكم، وضع تدابير احترازية أنجع لمواجهة كارثة مثل التي حصلت في مصفاة المحمدية؟

ـ هذه كارثة طبيعية، ومهما كانت الحواجز التي أقمناها لوقاية المصفاة من مثل تلك الكوارث، فان الجدران الواقية لم يمكنها الصمود أمام قوة تدفق المياه. كما أن المياه بدأت تخرج من الأنفاق، وغرقت كل مدينة المحمدية بكاملها، وسقطت القناطر، بسبب قوة المياه التي تجاوزت معدل منسوب المياه في السد. وقد لاحظ الجميع أن شاحنات ضخمة وصهاريج البترول المنقولة التابعة لشركات توزيع الطاقة، والتي كانت راسية بصفاف الوادي، جرفتها المياه مئات الأمتار.

ينبغى التمييز بين قدرة الانسان على توقع الحوادث الأسوأ وبين قدراته الفعلية على مواجهتها، وبين قوة الطبيعة وبين امكانيات الانسان، وفي مستوى ثان التمييز بين مسؤولية الدولة و مسؤولية القطاع الخاص، ومن جانبنا قمنا بكل التدابير الوقائية التي يمكن لشركة صناعية خاصة القيام بها، وهي حواجز ضخمة وعمليات افراغ للمساحات التي كنا نتوقع أن تتسرب اليها المياه كما حدث سنة 2001، لم يكن بامكاننا توقع ارتفاع منسوب المياه ليتجاوز مترين، وفي وقت قياسي.

* قلتم أنكم تلقيتم أول اشعار بالفيضان في حدود الساعة الحادية عشرة، ومن جهته قال محمد زاهود وزير المياه في مؤتمر صحافي بأن قدرة التوقع لدى مصالح الأرصاد الجوية لا تتجاوز ست ساعات، لكن ادريس بنهيمة والي الدار البيضاء قال كلاما آخر قبل يومين من وقوع الكارثة، عندما حذر من انفجار السد، وقال ان الحكومة لم تخصص له اعتمادات كافية، ألا تلاحظون أن هنالك خللا ومسؤولية بشرية ما في المحيط العام الذي وقعت فيه الكارثة؟

ـ من المؤكد أن الحادث الذي وقع بمنطقة المحمدية يتجاوز بكثير قدرات شركة مثل شركتنا مهما كانت امكانياتها. أما عن التدابير الوقائية التي كان يفترض أن تقوم بها كل جهة معنية في مثل هذه الحالة، وأعني السلطات وشركة «لاسمير» والشركات الخاصة الأخرى، فهذا أمر آخر. ومن جانبنا قمنا بواجبنا من الوقاية في حدود الوقت الضيق الذي أتيح لنا، ونجحنا في تقليص حجم الخسائر قدر الامكان. وبالنسبة لتصريح والي الدار البيضاء، فهو مسؤول في السلطة ويمثلها وليس لدي ما أعلق به على تصريحاته، ولست في موقع يخول لي معرفة ما اذا كانت هنالك مسؤولية تتحملها الدولة. بل نحن ضحايا وضعية، ونحن نعرف أن الدولة لديها امكانيات محدودة، والجميع يعرف أن مدينة المحمدية بكاملها كانت عرضة للفيضان، لكنه أمر يعود الى سنوات عديدة.

وبالنسبة لشركة «لاسمير» فان تخصيصها يعود الى ست سنوات فقط، بينما كانت المخاطر قائمة منذ عقود لا سيما أن المنطقة وقعت بها فيضانات في نهاية الستينات ولست من الذين يحبذون تحميل المسؤولية أو القاءها على الآخرين، بل أقول بأنني فخور بالتدابير التي اتخذتها مؤسستنا في وقت قياسي لمواجهة الكارثة، لا سيما أن مصفاة كمصفاة «لاسمير» لا يمكن ايقافها بالكامل في الظروف الطبيعية الا في حدود ثلاثة أيام.

نحن الآن ضحايا كارثة تجاوزت الجميع، وقد تكبدنا خسائر كبيرة، ونحن مقدرون للمساعدة التي قدمتها لنا السلطات العمومية، لأنه لولا مساعدتها الفعالة لكانت الخسائر أكبر بكثير، وأعني القوات المسلحة الملكية والوقاية المدنية ووزارتي الصحة والطاقة، والولاية والسلطات المحلية، كلهم قاموا بواجبهم نحونا، ولكن للأسف فقدنا اثنين من رجالنا اكتشفت جثثهما في اليوم الثاني داخل وحدة الطاقة الحرارية التي تتولى عملية مراقبة كل وحدات المصفاة.

* وما هي ملابسات وفاة الرجلين؟

ـ ان وحدة الطاقة الحرارية هي آخر نقطة تظل مشغلة داخل المصفاة، وعندما أمر المسؤول عن هذه الوحدة العمال المتبقين داخلها بمغادرة المكان بسبب ارتفاع درجة الخطورة، فضل بعضهم البقاء لانقاذ الآخرين وقالوا نحن مسؤولون عن تضحيتنا الى آخر لحظة، لكن الله قدر أن اثنين منهم لقيا حتفهما في الحريق.

* وما هو حجم التأمين الذي تتوفر عليه شركتكم ازاء مثل هذه الحوادث؟

ـ ان شركتنا تتوفر على تغطية كاملة (100 في المائة) من قبل شركات التأمين، ازاء مثل هذه الحوادث، ولحسن الحظ أننا أجرينا مفاوضات جيدة بهذا الشأن في العام الماضي اثر تفاعلات أحداث 11 سبتمبر (أيلول) عندما تضاعفت أسعار التأمينات. وقد بدأ خبراء شركات التأمين في معاينة مضاعفات الحادث. ولا توجد في المغرب أي شركة تأمين تتحمل بمفردها مخاطر حوادث من هذا القبيل ولذلك فلدينا شبكة من المؤمنين الأجانب والمغاربة.

* هنالك من يعتقد أن حجم الخسائر المادية ربما يتجاوز القيمة الأولية التي أعلنتم عنها، فهل لديكم مؤشرات جديدة حول القيمة النهائية لخسائر الشركة؟

ـ ان عملية تحديد الخسائر مرتبطة بالاطلاع الدقيق على مختلف تجهيزات الشركة التي غرقت في الفيضانات وتعرضت لأضرار نتيجة الحريق، ونحن متمسكون بتقديراتنا الأولية حول حجم الخسائر بأنها في حدود 150 مليون دولار أميركي، مع معدل خطأ بـ20 في المائة.

* وما هي التدابير التي اتخذتموها لاستئناف عمل وحدات الانتاج؟

ـ بعد أسبوع واحد من الحادث، قمنا بتوقيع اتفاق مع شركة متعددة الجنسيات مقرها اسكوتلاندا، بهدف توفير 13 وحدة طاقة الكهربائية لتموين وحدات الانتاج، وقد تم نقلها عبر الطائرات، وستمكن من استئناف العمل في وحدتي انتاج في غضون أيام.

* ما هي قيمة العقد الذي وقعتموه؟

ـ القيمة كبيرة جدا لكن بالنسبة لنا استئناف الانتاج أمر حيوي جدا، ونحن نتخذ كل التدابير من أجل تلبية متطلبات السوق الداخلي، ولا نتأخر في الانفاق في حدود امكانياتنا طبعا، من أجل استئناف الانتاج في أقرب وقت. وحول طبيعة العقد فهو يتعلق باستئجار وحدات لتحويل الطاقة الكهربائية بقيمة مليون دولار شهريا، وهي مكلفة ولكننا نعتقد أنها منطقية بالنظر للظروف التي نجتازها.

* وما هو تاريخ استئناف الوحدات الانتاجية عملها بشكل طبيعي؟

ـ بالنسبة للوحدتين الأولى والثانية التي لم تتعرض لأضرار تذكر لكن السيول غمرتها، فان استئنافها كان يمكن أن يتجاوز مدة العشرة أيام التي توقعناها في البداية، وللتغلب على الصعوبات قمنا باستئجار المحولات الكهربائية لكي تعمل كرافد الى جانب محولات الطاقة الكهربائية التي تتولاها مؤسسة المكتب الوطني للكهرباء. ولذلك فنحن ملتزمون بتوفير مواد الطاقة في الوقت الذي التزمنا به بل بوتيرة أسرع، وستستأنف الوحدتان الأولى والثانية عملها في بداية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل وقد بدأت عمليات توزيع مواد الطاقة انطلاقا من مصفاة سيدي قاسم ( شمال الرباط) ومن مصفاة المحمدية نفسها اعتمادا على الخزانات. وقد حصلت في البداية شركة «شال» على كميات من البنزين، ويصل معدل توزيع مواد الطاقة من خزائن مصفاة «لاسمير» 250 متراً مكعباً في اليوم، ولذلك تسير الأمور بشكل أفضل.

* وما هي تقديراتكم حول حجم تأثير حادث الحريق على نتائج الشركة هذا العام؟

ـ لحد الآن من الصعب وضع تصور دقيق، لأننا نفكر الآن فقط في معالجة الجروح التي سببها الحادث، واعادة المصفاة الى وضعها الطبيعي. وشهد هذا العام ثلاث وقائع مهمة لها تأثيرات كبيرة أولها الاجراءات التي قامت بها الحكومة على مستوى تغيير بنيات الأسعار وقد كانت لها انعكاسات مباشرة على نتائج شركتنا بتقليص نسبة 6 في المائة من رقم الأعمال الذي تحققه مبيعاتها، والذي يبلغ 18 مليار درهم مغربي (180 مليون دولار أميركي)، وهو تقليص كبير من أرباح الشركة. وثانيا وقع ارتفاع في أسعار البترول عالميا وكان ذلك أمرا مناسبا لنا، وقد قلص ذلك الهامش الذي تمنحه الأسعار التي وضعتها الحكومة.

وكنا ننتظر لو لم تقع حادثة الحريق، تحقيق أرباح بقيمة 500 مليون درهم مغربي (50 مليون دولار أميركي)، وهي قيمة تقارب الأرباح التي حققتها الشركة في العام الماضي أو تتجاوزها بقليل. لكن الآن بعد ما حدث فسنكون مضطرين لطرح عدد من الأمور وتكلفة الاصلاحات، ومن الصعب تقديرها الآن.

* وما هي الكميات التي يتم توزيعها حاليا، لا سيما أن المستهلكين في محطات توزيع الوقود لاحظوا في الأيام الأولى التي أعقبت حادث الحريق، نقصا في مواد البنزين والديزل النوع الجيد؟

ـ بالنسبة للبنزين الرفيع الخال من الرصاص لدينا احتياط في المحمدية قيمته 27 ألف طن ويغطي حاجة السوق لمدة أربعة أشهر استهلاك، اضافة لاحتياط من البنزين الرفيع قيمته 25 ألف طن ويمثل شهر استهلاك، ولدينا كمية 4 آلاف طن احتياط من البنزين العادي ويمثل قيمة استهلاك 40 يوما. لا توجد اذن مشكلة بالنسبة للبنزين. أما بالنسبة للديزل فهنالك فقط احتياطي مدة 12 يوما فقط ونقوم باستيراد 38 ألف طن، اضافة للانتاج الذي توفره حاليا مصفاة سيدي قاسم ووحدتي انتاج «لاسمير» رقم 1 و2، التي تستأنف نشاطها فور الانتهاء من عملية ربطها بالمولدات الكهربائية.

ويمكننا الى حدود نهاية شهر ديسمبر أن نلبي نسبة 65 الى 70 في المائة من متطلبات السوق الداخلي المغربي، والبقية ستتم تلبيتها عبر الاستيراد، ولكن لدينا القدرة الكافية على انتاجها، ولذلك لا داعي للمخاوف.

* ما هي قيمة العجز حاليا بين قدراتكم الانتاجية وبين متطلبات السوق الداخلي؟

ـ تقدر قيمة العجز تقريبا في حدود 120 ألف طن من المواد البترولية شهريا، وحسب الاحتياط الذي تتوفر عليه البلاد فلا توجد أية مخاوف في هذا الصدد.

* وهل هنالك نية في المدى القريب للتخلي عن جزء من اليد العاملة في مصفاة المحمدية أو سيدي قاسم؟

ـ حتى الآن لم نقم بتسريح أي من العمال، وربما لجأنا أحيانا لعدم استبدال المستخدمين أو الأطر الذين يغادرون الشركة بارادتهم، ولكننا لم نسرح أحدا لاعتبارات ترشيد النفقات، بل ساعدنا الذين رغبوا في البحث عن فرص أخرى خارج الشركة، وهي أمور تتم بطرق التراضي.

ورغم وجود حوالي 200 عامل احتياطي في مصفاة سيدي قاسم (تشغل حوالي 300 عامل)، فاننا لم نقم بتسريحهم، ولكننا نبحث معهم عن صيغة توافقية. ولكنني أؤكد أن شركة من حجم «لاسمير» توظف حاليا عددا من المستخدمين يفوق عددهم في شركات مماثلة ببلدان أخرى.

* وهل ان الشركة متمسكة بخطتها الاستثمارية رغم خسائرها بسبب حادث الحريق؟

ـ ان الادارة والمساهمين والعمال في شركة « لاسمير» وكذلك الحكومة المغربية وجميع الشركاء في السوق، متمسكون بنهوض هذه المؤسسة التي تقوم بدور محوري وحساس جدا في قطاع الطاقة بالبلاد. ومن أجل ذلك نحن متمسكون بخطتنا الاستثمارية وننتظر موافقة الحكومة، وسنشرع في تفعيل المخطط بعد ثلاث سنوات من بدء تنفيذ الاستثمار. وهنالك مشاكل ذات طبيعة استعجالية الآن وقد بدأنا بتنفيذها وهي مرتبطة بحادث الحريق، وتقتضي اعادة الشركة الى وضعها الطبيعي.

وبالنسبة لمتابعة الخطة الاستثمارية فقد أوفدنا فريقا من خبراء الشركة اسبوعا واحدا قبل الحادث، الى لندن، لدراسة العروض التقنية للمزودين الذين سيتولون عملية تشييد الوحدات الجديدة للمصفاة، ورغم انشغالاتنا الاستعجالية الطارئة فنحن نولي اهتماما متواصلا بمستقبل الاستثمار، الذي نقدر تكلفته في 7 مليارات درهم مغربي أي ما يعادل 700 مليون دولار أميركي، تضاف اليها نفقات مالية قيمتها 100 مليون دولار أميركي، وفي المجموع 800 مليون دولار.