تفاؤل بنمو الاقتصاد العالمي 3.5% في 2003 لكن خطر الانزلاق إلى ركود لا يزال جاثما

«قنابل موقوتة» في قطاع البنوك نتيجة ديون شركات الاتصالات ودعم الزراعة يمحو أثر المساعدات للدول الفقيرة

TT

تجتمع تحليلات المؤسسات الاقتصادية الكبرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد على توقع نمو الاقتصاد العالمي في عام 2003 بشكل اقوى من 2002، وان كانت نسبة هذا النمو تتفاوت بين تحليل واخر. فالبنك الدولي يتوقع، حسبما ورد في «غلوبال ايكونوميك بروسبكت 2003»، ارتفاع نسبة النمو الى 2.5 في المائة، بينما تشير ارقام «الايكونومست» نقلاً عن صندوق النقد الدولي الى ان نسبة 2.5 في المائة سجلت في 2002، على ان ترتفع الى 3.5 في المائة في .2003 وتشير «الايكونومست» في تقريرها «العالم في 2003» الى ان النمو المتوقع يعتمد بالدرجة الاولى على التحسن المتوقع في اداء الشركات الاميركية، وهو ما تعيره توقعات البنك الدولي اهمية كبيرة ايضاً. الا ان هذا التحسن لن يصل الى مستوى يحرك عجلة الاقتصاد الاميركي بشكل نشيط وسريع، حسبما تحذر «الايكونومست»، لأن عزيمة النمو في الاقتصاد الاميركي ستثقل بسبب مستوى الادخار المتدني، وأسعار المنازل المرتفعة، والعجز في حساب المعاملات الجارية البالغ 4.7 في المائة من اجمالي الناتج المحلي. وتعتقد «الايكونومست» ان اقتصادات اوروبا واليابان ستفشل مرة اخرى في تغطية اي كبوة في الاقتصاد الاميركي. لا عجب اذاً من تحذير البنك الدولي بأن خطر انزلاق الاقتصاد العالمي الى حالة ركود ما يزال جاثماً.

وتعرض «الايكونومست» الى حركة النشاط المتوقع في القطاعات الانتاجية والخدماتية في 2003، ففي قطاع صناعة الطائرات المدنية يتوقع ان تتأخر مرحلة التعافي في شركة «بوينغ» الاميركية ومنافستها الاوروبية «ايرباص». وعلى الرغم من ان «بوينغ» استولت حتى امد ليس ببعيد على ثلثي سوق الطيران، فان «ايرباص» ستسلم عدداً اكبر من الطائرات في 2003 (حوالي 300). وتعتقد «الايكونومست» ان الطلبات من شركات الطيران الرخيصة الكلفة المزدهرة في اوروبا (مثل ايزي جت وراين اير) ستمثل الاغلبية، على ان ترتفع طلبات الشركات الوطنية بعد تعافي القطاع في .2004 ويتحدد في العام 2003 مستقبل الطائرة العملاقة التي تنوي «ايرباص» بناءها، حيث يفترض ان تبدأ شركات الخطوط الجوية بتسجيل طلباتها لطائرة «ايه 380» ذات الـ555 مقعداً، والتي اذا ما سجلت طلباً كافياً يفترض ان تحلق في .2006 اما في قطاع الدفاع وصناعة الاسلحة فتتوقع «الايكونومست» ارتفاع النفقات الدفاعية الاميركية الى 379 مليار دولار في 2003، بارتفاع 48 مليار عن نفقاتها في .2002 لكن الجزء الاكبر من هذه الزيادة سيمول عملية استبدال الكثير من الاسلحة القديمة بالاضافة الى دفع الرواتب، حيث ان الولايات المتحدة ستسعى الى استقطاب نوعية جديدة من الجنود ذوي مؤهلات علمية وتقنية عالية جداً، وهي «نوعية لا تزال مجهولة في اوروبا» حسب «الايكونومست».

وفي قطاع الزراعة، تجزم «الايكونومست» بأن العقبات التجارية التي تفرضها الدول الغنية على الواردات الزراعية ستبقي الدول النامية فقيرة، لافتة الى ان قيمة الدعم الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي لمزارعيه تبلغ حوالي 93 مليار دولار سنوياً، الامر الذي يمحو اي اثر ايجابي لمساعدات الاتحاد للدول النامية البالغة 25 مليار دولار سنوياً.

وبالنسبة للمنتجات الزراعية، تتوقع «الايكونومست» ان يبدأ الكاكاو عام 2003 بسعر 1800 دولار/طن، (اعلى مستوى منذ 15 سنة) بعد ان كان يتداول على مستوى 800 دولار/طن المتدني. تجدر الاشارة الى ان سعر الكاكاو تسليم مارس (آذار)، سجل في ديسمبر (كانون الاول) 2074 دولار/طن حسبما اورد موقع «بلومبرغ» على الانترنت، وهو اعلى مما توقعت «الايكونومست». في كلتا الحالتين، لا بد من لوم حالة اللااستقرار السياسي في ساحل عاج، الذي يمثل 40 في المائة من انتاج الكاكاو العالمي. اما السكر، فسيؤدي المحصول الكبير في كل من البرازيل وتايلاند الى هبوط سعره الى ما يقارب 6.5 سنت للباوند، وسيرتفع سعر الارز بنسبة 10 في المائة بعد الاسعار المتدنية التي سجلها. وتنصح «الايكونومست» بتوقع استمرار ارتفاع اسعار القمح مع تواصل ضآلة الانتاج الاميركي.

وتقول «الايكونومست» بأن قطاع السيارات في الولايات المتحدة سيشهد تعاظم التهديد من الشركات اليابانية لمنافسيها الاميركيين، حيث ان «تويوتا» ستقصي «كرايزلر» عن مركز ثالث اكبر منتج للسوق الاميركي بعد «جنرال موتورز» و«فورد». كما ان عوامل عديدة، بينها نوعية الانتاج، تجعل الشركات اليابانية في موقف اقوى. فشركتا «نسيان» و«تويوتا» تحققان 1000 دولار ربحية في كل سيارة تنتجاها، في حين تقتصر ربحية «جنرال موتورز» على 330 دولارا للسيارة.

وفي قطاع تقنية المعلومات، تبشر «الايكونومست» بأن الانفاق سيرتفع لكن ليس قبل اقتراب نهاية 2003، مشيرة الى امكانية توقع نسبة نمو على المدى الطويل تتراوح بين 5 ـ 10 في المائة سنوياً، وهذه تبقى ادنى بكثير من نسبة النمو التي حققت في 1999 ـ 2000 والتي راوحت بين 15 ـ 20 في المائة. وتعتقد «الايكونومست» ان احدى فرص الاستثمار في قطاع تقنية المعلومات تكمن في تجهيزات امن الشبكات، «حيث ان عام 2003 سيشهد حوالي 75000 هجوم رقمي على شبكات الشركات، لذلك فان الشركات سترفع الانفاق على الامن من مستواه في العام المنتهي الذي مثل 0.15 في المائة من المبيعات السنوية. وتقول شركة «اي. دي. سي» ان حجم سوق استكشاف الدخلاء على الشبكات سيتضاعف اربع مرات من مستوى 2002 الى ملياري دولار في .2005 وستواجه شركات الادوية مشكلات تتمثل اولاً بخسارة المداخيل من الأدوية التي خسرت حقوقها للملكية الفكرية عليها، والتي مثلت 2.8 مليار دولار في 2002، ويتوقع ان تتضاعف الى 6 مليارات في .2003 وكأن تناقص المداخيل لا يكفي، حتى ترتفع كلفة الانتاج بشكل عام بسبب نفقات الابحاث والتطوير. فانتاج دواء معين يكلف 800 مليون دولار قبل ان يصبح متوفراً. وستشهد سنة 2003 انفاق 50 مليار دولار على الابحاث والتطوير لإنتاج الدواء في حين لن يتبين اذا كان هذا الانفاق في محله قبل .2015 اما بالنسبة لقطاع الخدمات المالية فتحذر «الايكونومست» من وجود العديد من «القنابل الموقوتة» في القطاع: فالبنوك مكشوفة لقطاع الاتصالات بما يزيد على تريليون دولار، والوضع في اميركا الجنوبية قد يزداد سوء اذا تبعت البرازيل مثال الارجنتين في الانهيار المالي، بينما يبقى الدولار في موقف مهتز بوجود العجز المتفاقم في المعاملات الجارية، ولن تسلم سوق الاوراق المالية اذا تعرض الدولار لسقوط مريع.

اما في قطاع الاتصالات، فالعشرات من الشركات على شفا الانهيار. ففي عامي 2000 ـ 2001 عجزت 50 شركة عن دفع ديونها التي بلغت 70 مليار دولار. وتعتقد «الايكونومست» ان العديد من الشركات ستنضم الى مجموعة المتخلفين عن الدفع، لكن عمليات الاستحواذ غير الممكن تفاديها ستبدأ مع اقتراب نهاية العام بعد ان تكون معظم الشركات قد مرت في مرحلة استبدال اطقم الادارة وتصحيح دفاترها المالية. وستكون شركات الهاتف الجوال اولى شركات الاتصالات لتدخل في عملية التوحد والاستحواذ، حسب «الايكونومست»، التي لفتت الى ان شركة «بيبي بلز» الاميركية التي لا تعاني من مشكلة الديون المرتبطة بقطاع الانترنت وتتمتع بمداخيل مستقرة، ستكون بارزة في مجال شراء الشركات الاخرى.

وفي القطاعات الخدماتية الاخرى، تتوقع «الايكونومست» ان لا يتعافى قطاع الاعلان قبل 2004، ذلك لانه يعتمد على تعافي سوق الاعلان الاميركي الذي يقدر حجمه بـ130 مليار دولار. وتقول «الايكونومست» ان المعلنين ينفقون 95 في المائة مستهدفين من هم دون 50 سنة من العمر، في حين ان من هم فوق 60 سنة يمثلون خمس سكان الغرب وسيمثلون ثلث العدد في 2050 . كما ان ثلاث ارباع الممتلكات المالية هي في ايدي من هم فوق 50 سنة. لذلك، سيتوجب على الشركات المعلنة تغيير اهدافها، «وعلينا ان نتوقع رؤية الكثير من الجدات على شاشات التلفزيون»، حسبما توقعت «الايكونومست».

أما بالنسبة لقطاع شركات الطيران، فترى «الايكونومست» ان هذا القطاع يحتاج لموجة من الاندماج بين الشركات في 2003، حيث وصفته بعبارة مختصرة: مقاعد كثيرة وركاب قلائل. وفي حين تحذر «الايكونومست» من امكانية لحاق شركات طيران اميركية بشركة «يو. اس. ايرويز» في اشهار افلاسها، فان «يونايتد ايرلاينز» لم تصمد حتى قدوم 2003 حيث اعلنت افلاسها مؤخراً. لكن هناك بعض الامل بتحسن قطاع الطيران يأتي من نمو القطاع في آسيا بشكل سريع. وفي حال انهاء التوتر في شأن العراق فان القطاع سيتحسن بشكل يتجاوز قيمة الذروة التي تحققت في .2001