مصر : مخاوف من استمرار ارتفاع السلع الاستهلاكية والمعمرة بعد تحرير سعر صرف الجنيه

ارتفاع عشوائي لأسعار السلع الغذائية و25% زيادة متوقعة لأسعار السيارات وخبراء يطالبون بقوانين صارمة لضبط الأسواق

TT

ما زالت توابع تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار تطرح حالة من الترقب ليس بين الدوائر الاقتصادية ومجتمع الأعمال فقط بل وبين المواطن العادي، وتتجه حالة الترقب إلى مستوى الدخل الحقيقي للمواطن وقدرته على تلبية احتياجاته من السلع والخدمات في ظل التحرير المفاجئ للصرف وضعف مستوى الأجور والمرتبات، حيث بدت مخاوف واسعة من آثار ارتفاع سعر صرف الدولار على أسعار السلع بكل أنواعها محلية ومستوردة، ويعزز هذه المخاوف الارتفاع العشوائي لبعض السلع الاستهلاكية والترفيهية والمعمرة بمجرد صدور قرار تحرير سعر الصرف، ورغم ترحيب كثير من خبراء الاقتصاد والمحللين في مصر بهذا القرار إلا أن هناك مخاوف من استغلاله في رفع الأسعار بصورة ضخمة في الأجل القصير، مؤكدين على أنه لكي تبدو خطوة تحرير صرف العملات في صالح المستهلك المصري، لا بد للحكومة أن تضع معايير وضوابط صارمة لكبح جماح آثار هذه الخطوة.

ورغم ان السلع المتوافرة في المحلات والمتاجر المصرية موجودة منذ مدة إلا انه فور معرفة قرار تحرير سعر الدولار قام التجار تلقائيا برفع الأسعار، حيث طال الارتفاع كل السلع بلا استثناء فزادت أسعار السمن الصناعي جنيهين في العبوة أما الزيت فقد زاد بمقدار جنيه في عبواته المختلفة، و ارتفعت أسعار المنظفات الصناعية الخاصة بالغسالات الأوتوماتيك ليزيد ثمن العبوة زيادة تتراوح بين 2 إلى 3 جنيهات، أما سوق السلع الغذائية المستوردة فهو يشهد حالة عدم توازن، خاصة ان هناك بعض المستوردين يفضلون الاحتفاظ بالسلع التي تم استيرادها تحسبا لزيادة الأسعار، والبعض الآخر منهم يقوم برفع الأسعار بشكل عشوائي لا يتناسب مع آليات السوق.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر تستورد سنويا نحو 200 ألف طن من اللحوم لسد أوجه النقص في الإنتاج المحلي، ولا شك أن أسعار اللحوم سترتفع بصورة ملحوظة، خاصة بتزامن قرار تحرير سعر الصرف مع قدوم عيد الأضحى، ويعقب درويش شعبان (جزار) بأن سعر كيلو اللحمة وصل إلى 30 جنيها، مؤكدا أن الأسعار سوف ترتفع أكثر لانخفاض الإنتاج الوطني من المواشي والاعتماد على المستورد الذي ستقفز أسعاره أيضا خلال الأيام القادمة، وقد طال الارتفاع أيضا أسعار الدواجن ليزيد سعر كيلو الدجاج الأبيض خمسين قرشا، حتى الدواجن البلدي زاد سعرها جنيها واحدا لكل كيلو، وأشار عمر الفاروق عضو مجلس إدارة الاتحاد العام لمنتجي الدواجن إلى أن سعر الطن من الأعلاف كان يباع بـ 530 جنيها منذ أسبوعين فقط والآن قفز إلى 700 جنيها كما ارتفع سعر طن الكسب إلى 1100 جنيه، موضحا ان البديل سيكون استيراد الفراخ المجمدة التي سترتفع أسعارها في ظل القرارات الأخيرة.

ويبدو تأثير قرار تحريك سعر الصرف واضحا على واردات الحبوب، حيث تعتبر مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح الذي بلغ سعره في الأسواق الخارجية أكثر من 160 دولارا، إضافة إلى ارتفاع سعر العدس من 2200 إلى 2400 جنيه، وكذا الفول الذي ارتفع سعره إلى 1400 جنيه مقابل 1200 جنيه للطن قبل القرار. ويشير حسن همام رئيس الشعبة العامة للحبوب والحاصلات الزراعية بالاتحاد العام للغرف التجارية إلى تحفظه على توقيت القرار، موضحا أنه سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب التي تصل فاتورة وارداتها السنوية لنحو 600 مليون دولار بما فيها الفاصوليا وتقاوي البطاطس أما أسواق الأجهزة الكهربائية فقد أكد تجارها على أن تذبذب سعر الدولار طوال الشهور الماضية أدى بالتبعية إلى زيادة الأجهزة بصورة مستمرة وغير متوقعة فعلى سبيل المثال زادت في الساعات الأخيرة بعض الأجهزة مثل جهاز الفيديو الذي زاد سعره حوالي 25 جنيها، وارتفع سعر الثلاجة نحو 50 جنيها بعد زيادة سعر الدولار، فضلا عن الزيادة التي شهدتها الأجهزة المنزلية كلها في الفترة الأخيرة رغم ركود الأسواق، وأوضح محمد حجاج تاجر أدوات منزلية ان الصورة لم تتضح حتى الآن لان الأيام القليلة الماضية لا تسمح لنا بالحكم، وان كانت مؤشرات ارتفاع الأسعار تنبئ بارتفاعات جديدة في الأيام القادمة خاصة مع تزايد حركة المبيعات بعد العيد.

وتأتي صناعة السيارات المصرية التي تعتمد على المكونات الأجنبية المستوردة بنسبة 60 % على الأقل أكثر السلع تأثرا بزيادة سعر الصرف لارتفاع قيمة الدولار الجمركي، وحسبما يتوقع العديد من منتجي ومستوردي وكذلك تجار السيارات فإن الأسعار ستزاد بنسب تتراوح بين 20 و25 % على مختلف أنواع السيارات المستوردة أو المنتجة محلياً، وقال عفت عبد العاطي رئيس شعبة وكلاء موزعي السيارات بغرفة القاهرة إن السيارات سلعة لا تخزن وإنما يتم إنتاجها من واقع طلبات الإنتاج، وبالتالي فإن أي ارتفاع في سعر الدولار يؤثر فوراً على أسعار السيارات، مشيرا إلى جانب آخر من القضية وهو أن شركات السيارات التي اقترضت من البنوك بالدولار مضطرة إلى شراء الدولار بأسعار مرتفعة حتى تستطيع تسديد مديونياتها، وهنا ستواجه هذه الشركات مشكلة في ارتفاع التكلفة.

وأردف محسن نصار تاجر سيارات مستعملة «ان آثار ارتفاع الأسعار التي ستسود السوق لن تقتصر على منتجي وموزعي وحتى مستوردي السيارات بل ستمتد إلى قطاعات الصناعات المغذية ومحلات قطع الغيار ومحطات ومراكز الخدمة والصيانة وكذلك السيارات المستعملة نظرا لارتباطها بأسعار السيارات الجديدة التي سيرتفع سعرها حتما. وقد أجمع الخبراء والمحللون على أنه ينبغي أن يكون هناك متابعة ونشر إعلامي عن السلع التي يجب ألا يرتفع سعرها وهي السلع المصرية 100%، هذا بالإضافة إلى الدور الهام لوزارة التموين المصرية في تحديد السلع الأساسية القابلة للزيادة على أن تكون تلك الزيادة معقولة، وفي نفس الوقت ضمان عدم إساءة قطاع الإنتاج استغلال الفرصة، ويرى الدكتور حاتم القرنشاوي عميد كلية التجارة بجامعة الأزهر أن الضمان الأول الذي يجب توافره حتى لا يحدث ارتفاع في الأسعار أن يتقبل الجهاز المصرفي هذا القرار وألا يلجأ إلى المضاربة والاتجار بالعملة، منبها على الدور الأكبر لقيادات البنك المركزي وقدرته على الإدارة الناجحة في ظل هذا القرار وقدرته علي تحمل المسؤولية تجاه المتغيرات.