المستثمر العربي في ظل الأزمات الاقتصادية الدولية

د. عبد الرحمن إبراهيم الصنيع *

TT

في فترة الازمات الاقتصادية (بغض النظر عن جنسية المستثمر او الدولة المستثمر فيها) يمكن تصنيف انواع وسلوك المستثمرين الى عدد من الفئات، والتي اهمها:

1 ـ فئة المستثمرين الذين يؤمنون بقوة اقتصاد الدولة التي يستثمرون فيها ويعتبرون ان الازمة امر بديهي، لأن الاقتصاد يمر بإحدى دوراته الطبيعية (الانكماش) وان الجهات المسؤولة في دولة الاستثمار ستقوم باتخاذ الاجراءات اللازمة لاسترجاع عافية الاقتصاد، معظم هذه الفئة هم من المستثمرين في الاصول الثابتة وغالبية هؤلاء هم من الحكومات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية وبعض من رجال الاعمال الاثرياء، وبالتالي فإنهم عادة يحتفظون ويتمسكون بأصولهم الثابتة مثل (الممتلكات العقارية) خوفا من الخسائر الفادحة التي قد يتكبدونها في حالة بيعهم لها.

2 ـ فئة المستثمرين الذين يؤمنون بأن المال جبان ومعظم هذه الفئة هم من المستثمرين في اسواق الاوراق المالية (البورصة) والتي من السهل تحويلها الى سيولة نقدية، وبالتالي فإنهم يحاولون البحث عن اسواق اوراق مالية في دول ذات اوضاع اقتصادية افضل وبعيدة عن بؤرة الازمات، او يقومون باستثمار اموالهم في اوعية استثمارية اكثر أمنا مثل البنوك او سبائك الذهب او في مشاريع تدر عليهم عوائد اعلى، وغالبية هؤلاء هم من المؤسسات الاستثمارية والمنشآت والافراد.

3 ـ فئة المستثمرين الذين يعتمدون على توجيهات السماسرة او المستشارين الماليين ويعملون بها، وغالبية هؤلاء هم من اصحاب ومديري الشركات ورجال الاعمال وبعض الافراد. وعادة يقدم المستشارون لعملائهم استشارات مبنية على دراسات دقيقة آخذين بعين الاعتبار الاوضاع المالية والاقتصادية السائدة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، وايضا التوقعات المستقبلية لأوعية مختلفة ومتنوعة من الاستثمارات.

4 ـ فئة العامة من الناس: وهؤلاء يشكلون حوالي %80 من البشر ويمثلون الطبقة الكادحة في جميع المجتمعات. وسلوك هذه الشريحة، في ظل ظروف عالمية تثير مخاوفهم من نشوب الحرب، هو انهم يقومون بتحويل ما لديهم من اموال فائضة الى الذهب وهذا يؤدي بدوره الى ارتفاع اسعاره وعندما يشعرون بالطمأنينة وبزوال الخوف من قيام أي حرب فإنهم يقومون ببيع ما لديهم من ذهب لاسترجاع اموالهم لاقتناء احتياجاتهم من سلع وبضائع وغيره. وهذا بالطبع يؤدي الى انخفاض الطلب على الذهب وبالتالي الى انخفاض اسعاره. والامر البديهي هنا ان تعامل العامة من الناس في جميع انحاء العالم مع الذهب في ظل الظروف الصعبة مثل الخوف من الحروب والكوارث الطبيعية يعتبر موروثا اجتماعيا توارثته الاجيال منذ بدايات تاريخ الانسان. ولكن في واقع الامر، بالنسبة لحقيقة الاستثمارات العربية فإنه وكما تشير احدى الدراسات التي اعدت في ابوظبي الى ان اجمالي حجم الاستثمارات العربية في الخارج يبلغ حوالي 1.5 مليار دولار تقريبا، نصف هذه المبالغ تمثل استثمارات الحكومات العربية وغالبيتها هي اصول ثابتة. والنصف الآخر هو استثمارات رجال الاعمال الاثرياء وغيرهم من المستثمرين وتمثل الاصول الثابتة لهم ما بين %40 - %30، والباقي استثمارات في اسواق الاوراق المالية. وفي المقابل نجد ان اجمالي حجم الاستثمارات الاجنبية داخل البلاد العربية حوالي عشرة مليارات دولار، والامر المؤسف ان حجم الاستثمارات العربية البينية يبلغ حوالي 16 مليار دولار. هذه حقا تطورات سيئة جدا لا تتناسب ولا تتماشى مع تطلعات الحكومات ولا شعوب الاقطار العربية. وهذا بالطبع أمر مثير للدهشة، بل وللحيرة، خاصة ان كثيرا من الدول العربية، ومنذ منتصف التسعينات الميلادية، اخذت على عاتقها تطوير واعادة هيكلة اقتصادياتها وقامت بتبني وتطبيق الآليات لتحقيق هذه الاهداف مثل خصخصة بعض القطاعات الحكومية وبالتالي منح القطاع الخاص دورا رياديا، تنويع القاعدة الاقتصادية، تطوير النظام المصرفي، تحديث اسواق الاوراق المالية، تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية، وغيرها.

ولقد نجم عن ذلك، التحسين النسبي لآفاق الاستثمار من حيث توفر الفرص الجيدة في الاقتصاديات العربية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن الاستثمار الآن في القطاعات التالية: خطوط الطيران العربية، خطوط السكك الحديدية، الاتصالات، محطات توليد الكهرباء، المشاركة في اقامة المشاريع الزراعية والصناعية، صيانة المطارات والموانئ والطرق والجسور، اعادة تأهيل وتشغيل المشروعات المتعثرة، وغيرها من مشاريع أخرى. والأمر الغريب هنا وبهذا الخصوص، هو انه بالرغم من ان معظم الفرص الاستثمارية لهذه القطاعات متوفرة في غالبية الدول العربية إلا ان البعض يدعي بأن الفرص الاستثمارية في العالم العربي لا تستوعب حجم الاموال العربية المستثمرة في الخارج!!! وفي واقع الامر الاشكالية لا تكمن في ذلك، بل في تخلف الاقطار العربية بالنسبة لتوجهها نحو التكامل الاقتصادي العربي والذي كان بسبب غياب الارادة السياسية. على اي حال، ان الاقطار العربية، بالرغم من انها تعتبر متأخرة جدا، إلا انها على وشك قيام منطقة التجارة الحرة في ما بينها والتي تعتبر المرحلة الثانية من المراحل الخمس التي يجب ان تستكمل معطياتها أي دول تنوي الوصول الى التحالف (او التكتل) الاقتصادي، والمراحل الخمس، وعلى وجه الترتيب هي (الاتفاقية التفاضلية، منطقة التجارة الحرة، الاتحاد الجمركي، السوق المشتركة، الوحدة الاقتصادية). اما بالنسبة لمنطقة التجارة الحرة. الغرض من هذه الاتفاقية إلغاء العوائق الجمركية في التبادل التي ليست عضوا في الاتفاقية. نأمل بل ونتعشم ان تشهد منطقة التجارة العربية الحرة تدفقا ملحوظا لرؤوس الاموال العربية والاجنبية. وفي اعتقادنا ان هذه الأمنية يمكن ان يتم تحقيقها لا سيما ان المستثمر العربي يرى، ومنذ تقريبا بداية عام 2000، ان الاقتصاد الامريكي بدأ يدخل في طور الانكماش من مراحل الدورة الاقتصادية، وبعد احداث 11 سبتمبر 2001 بدأ يتخبط، هذا بالاضافة الى ان الفضائح المالية لبعض الشركات واعلان افلاس بعض الشركات الكبرى أدت الى فقدان ثقة المستثمر الاميركي نفسه في الأوعية الاستثمارية، خاصة سوق الاوراق المالية، كما ان المستشارين الاقتصاديين للرئيس الاميركي بوش الابن اشاروا اليه بأن يطلب موافقة الكونغرس على زيادة سقف الاقراض الى ما بعد ستة مليارات دولار وهذا بالطبع سيستنزف مبالغ استحقاقات المحالين على المعاش ومبالغ استحقاقات الفقراء الذين يستلمون الاعانات الحكومية، واستقالة كل من وزير الخزانة الاميركي بول أونيل والمستشار الاقتصادي للرئيس بوش ليند ساي بتاريخ 2002/12/6، التي ربما قد يتبعها استقالة رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي ألن جرين سبان. مما يتضح ان هذه التطورات لا تبشر بالخير بالنسبة للاقتصاد الاميركي والذي بالتالي يلقي بظلاله، في معظم الحالات، على اقتصاديات غالبية دول العالم منها بعض دول الاتحاد الاوروبي، وشرق آسيا، والدول النامية. من خلال هذه الصورة القاتمة للاوضاع الاقتصادية الدولية، نرى بأنه آن الأوان للمستثمر العربي ان يعيد النظر في حساباته لانه سيجد ان الفرص والظروف الاستثمارية الافضل، في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة، هو جلب على اقل تقدير الجزء الاكبر من استثماراته الى المنطقة العربية لما تتمتع وتتميز به من مقومات استثمارية في قطاعات مختلفة (كما اوضحنا) وستكون ذات عوائد مالية عالية. ان اقتناع المستثمر العربي في جلب استثماراته الى المنطقة العربية سيساهم الى حد كبير في اختصار المدة الزمنية لاستكمال معطيات المراحل الخمس في توجهها نحو التكامل الاقتصادي العربي (الوحدة الاقتصادية العربية). وهذا بالتالي سينجم عنه ارتفاع ملحوظ في اجمالي الناتج المحلي للاقطار العربية مما سينعكس ايجابيا على رفاهية المواطن العربي من المحيط الى الخليج. وستتمكن الدول العربية من مواجهة ومجابهة التكتلات الاقتصادية الأخرى، خاصة عند تطبيق بنود منظمات التجارة العالمية.

* كاتب ومحلل اقتصادي سعودي