مصر: اقتصاديون يطالبون بحزمة سياسات لتدعيم قرار تحرير سعر صرف الجنيه

الصادرات الزراعية الأكثر استفادة من القرار ومطالب بعدم التهوين من الآثار السلبية

TT

ما زال الجدل دائرا في الأوساط الاقتصادية والعامة المصرية حول توقيت قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، حيث أكد بعض الخبراء أن تحرير سعر العملة لا يؤدي إلى إنتاج دولارات جديدة وهي المشكلة الحقيقية في مصر. واوضح اقتصاديون أن الخطوة شديدة الخطورة خاصة في توقيت تعاني فيه جميع الأسواق من الاضطراب في الأسعار، في حين أشاد محللون بدقة التوقيت الذي تزامن مع ارتفاع حدة المخاطر والضغوط السياسية الإقليمية والركود المتوالي في الاقتصاد العالمي، ووصفوا هذه الخطوة بأنها انفتاح اكبر نحو السوق، فضلا عن القضاء على السوق غير الرسمية للعملات الأجنبية، إضافة إلى إمكانية الحصول على المنح والمساعدات التي جرى الاتفاق عليها في مؤتمر شرم الشيخ وهي الخطوة الأهم.

إلا أن تراجع الجنيه المصري لأكثر من 17% خلال الدقائق الأولى من قرار التحرير، والزيادة العشوائية لأسعار كافة السلع، جعلت العديد من خبراء الاقتصاد يطالبون بضرورة أن تسرع الحكومة باتخاذ حزمة إجراءات مالية وتجارية ونقدية مكملة بهدف تفعيل هذه الخطوة.

وأشاد علي نجم، محافظ البنك المركزي الأسبق ورئيس بنك الدلتا الدولي، بتحرير سعر الصرف، خاصة بعد أن أثبت نظام السعر المرجح المتوسط التعامل من جانب البنك المركزي عدم قدرته على التعامل في السوق. ورأى أنه كان من الأهمية بدء تطبيق تحرير سعر الصرف في سياق اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي يتيح لمصر عدة مزايا منها تقديم منح ومعونات من العملات لدعم استقرار سعر الصرف، إلى جانب الترويج عالميا لهذه الخطوة لدى المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية. واوضح أن الصادرات الزراعية ستكون الأكثر استفادة من هذا القرار، إلا أن المنتجات الصناعية ستكون أقل بسبب نسبة المكون الأجنبي الكبيرة الداخلة فيها.

واستعرض نجم الآثار السلبية التي ستنجم عن القرار وفي مقدمتها زيادة الأسعار غير المبررة في بعضها، ومشاكل عملاء البنوك من المقترضين بالعملات الأجنبية، مطالبا بضرورة رفع سعر الفائدة مع بدء تحرير سعر الصرف للمحافظة على قيمة العملة الوطنية.

وقال الدكتور سلطان أبو علي، وزير الاقتصاد الأسبق، إن هناك خصوصية لكل دولة في تحديد السياسات النقدية والمالية مع الأخذ في الاعتبار معايير عامة مهمة، موضحا أن المشكلة هي عدم توافر النقد الأجنبي، وأن تحرير سعر الصرف إذا كان حلا للمشكلة وحقق نجاحا في ظل وجود إجراءات مكملة ضرورية فإن الأمر إيجابي. واوضح أن القرار يجب أن يأتي في ظل الأولويات الاقتصادية للخروج من حالة التباطؤ، والتوقيت في ظل التهديد بالحرب ضد العراق وما قد يترتب عليه من انخفاض يتراوح ما بين 4 إلى 6 مليارات دولار من إيرادات النقد الأجنبي لمصر، إضافة إلى مدى ما سيحققه القرار من تنمية الثقة وعدم الاحتفاظ بالدولار.

وطالب أبو علي بضرورة تحقيق مرونة للجهاز الإنتاج حتى يمكن تفعيل إجراء تحرير سعر الصرف مع ترشيد الطلب على النقد الأجنبي.

واعتبر الدكتور أحمد جلال، مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، خطوة الحكومة في السماح للبنوك بالتعامل بسعر صرف شبه محرر قبل الإعلان عن التحرير عن طريق وضع البنوك لعمولات على استخدامات النقد الأجنبي خطوة ذكية. واوضح أن الحكومة لم تلجأ إلى تطبيق هذا النظام تحت ضغط كبير كما حدث في الدول الأخرى حيث أن معدل التضخم ظل مستقرا نسبيا في حدوده الدنيا. ودعا جلال إلى بذل كل الجهود لضمان كفاءة وفعالية تحرير سعر الصرف ومعالجة الآثار السلبية المحتملة له من دون تضييع الوقت في مناقشة مدى ملاءمة القرار نفسه وتوقيته. وطالب الحكومة بضرورة القيام بإجراءات قوية سواء عن طريق الاقتراض أو التدخل بالاحتياطي الأجنبي ولكن بشكل غير مباشر. وفيما يتعلق بأعباء توزيع الخسائر من جراء سعر الصرف أوضح أن المؤسسات التي عليها ديون دولارية ستتأثر كثيرا وتحتاج إلى معالجة تراعي الفوائد والعوائد للبنوك ومصالح هذه الشركات.

وكشف هشام عز العرب، رئيس البنك التجاري الدولي، عن قيام البنك المركزي بتغطية جميع المراكز المكشوفة للبنوك العامة والخاصة من العملات الأجنبية قبل تحرير سعر الصرف. واعتبر القرار لا يقل في أهميته عن قرار الانفتاح الاقتصادي في مردوده وأهميته الاقتصادية، مشيرا إلى أن حجم الودائع الدولارية بالبنوك المصرية خلال العامين الماضيين بلغ 4 مليارات دولار، معتبرا ذلك كافيا لتحرير سعر الصرف. ودعا إلى ضرورة التدخل غير المباشر والمفاجئ للبنك المركزي في سوق الصرف، كما أن على البنوك خلال اربعة أسابيع أن تقوم بعملية انتر بنك في العملات الأجنبية.

وطالب عز العرب بعدم التهوين من الآثار السلبية لتحرير سعر الصرف بل العمل على معالجتها بشكل متكامل من خلال حزمة إجراءات وسياسات حتى لا نفاجأ بزيادة عجز الميزان التجاري بعد سنوات قليلة.

وأشارت الدكتورة هبة نصار، مديرة مركز الدراسات الاقتصادية بجامعة القاهرة، إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تتبع فيها مصر نظام تحرير سعر الصرف بعد تطبيق عدة سياسات نقدية إضافية للعملة الوطنية خلال التسعينات، مؤكدة أنه حتى يمكن تحقيق الآثار الإيجابية لتحرير سعر الصرف في زيادة الصادرات وجذب الاستثمار من المهم انتهاج مجموعة من السياسات في مقدمتها ضغط إجمالي الطلب الحقيقي بالنسبة للناتج، وسياسات زيادة الدين لارتفاع معدل نمو الناتج لصالح السلع القابلة للتصدير، وثالثا التزام الحكومة بسياسات تشجيع الصادرات.