تقرير اقتصادي ينتقد نظام سعر الصرف في الدول العربية وهيمنة الحكومات على الأنشطة الاقتصادية والحساسية تجاه العولمة

TT

أكد تقرير اقتصادي أن السياسة النقدية لم تنل بعد حظها ولم تمارس دورها الكامل في معظم الاقتصاديات العربية وأن دور السياسة النقدية ظل لفترة طويلة محيراً الى درجة كبيرة بسبب عاملين أولهما عدم استقلالية البنوك المركزية وتبعيتها في معظم الأحيان للسياسة المالية ممثلة في وزارة المالية، والآخر يرجع الى نظام سعر الصرف الثابت المتبع في أغلب الدول العربية ونتيجة لهذا الوضع ظلت السياسة الاقتصادية في الوطن العربي عرجاء تسير على قدم واحدة هي السياسة المالية. وأشار التقرير الذي أعده رئيس صندوق النقد العربي الدكتور جاسم المناعي الى محاولات جادة لمعالجة هذا الوضع ومنح السلطات النقدية الاستقلالية اللازمة، كما رصد توجهات حثيثة نحو مراجعة نظام سعر الصرف وجعله أكثر مرونة بينما تحفظ على ترهل القطاع العام في الدول العربية وهيمنة هذا القطاع على نسبة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية سواء المتعلقة بالمشروعات أو الشركات الأمر الذي قلص نمو استثمارات القطاع الخاص الوطنية والأجنبية نظراً لضيق المجال الاقتصادي المتاح لها.. وتابع أن بطء اجراءات التخصيص وترددها كرس استمرار الادارة الاقتصادية من خلال القطاع العام بما يتضمنه من ترهل وبيروقراطية وضعف وفي بعض الحالات فساد اداري مكلف مادياً ومعنوياً.

وأضاف التقرير الذي جاء تحت عنوان «التحديات أمام الاقتصاديات العربية» أنه بالرغم من اقدام بعض الدول العربية على اتخاذ خطوات جريئة نسبياً في مجال الاصلاح الاقتصادي خاصة في جانب الطلب وتمكنت من ضبط معدلات التضخم ومعالجة عجز الموازنة ضمن حدود مقبولة وقللت من عجز موازين المدفوعات بالاضافة الى تحقيق الاستقرار المالي وجعل عملاتها قابلة للتحويل وخاصة للمعاملات الجارية إلا أن معدلات الادخار ومستويات الاستثمار مازالت محدودة ومتواضعة البيئة التشريعية الاستثمارية يلزمها الكثير من التحسين فضلاً عن ضرورة العمل على الالتزام بمعايير الرقابة والتقييم والمحاسبة الدولية.

وتحفظ التقرير على أداء الاقتصاديات العربية فيما يتعلق بمعدلات النمو ووصفها بأنها متواضعة مقارنة بما تحققه دول عديدة في العام النامي موضحاً أنها لم تتجاوز 3.3% خلال العقود الثلاثة الماضية مقارنة بحوالي 6% لمجموعة الدول النامية في جنوب وشرق آسيا على الرغم من أن معدلات النمو السكاني العالية في الوطن العربي تحتم تحقيق معدلات نمو اقتصادي أفضل، مشيراً إلى أن معدلات الاستثمار العربية خلال السنوات الماضية لم تكن كافية لتحقيق معدلات نمو اقتصادي أفضل بسبب عجزها عن استقطاب رؤوس أموال أجنبية بشكل كاف مما جعل الاستثمار معتمداً على الانفاق العام الذي يعتبر مرتفعاً بالمقياس العالمي نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي حيث يصل في بعض الدول العربية الى أكثر من 40%. وتابع التقرير أنه بالرغم من أهمية الانفاق العام إلا أن مايخصص الاستثمار منه لا يمثل سوى نسبة بسيطة في حدود 10% إلى 15% بينما أن م عظم الانفاق العام يمثل مصروفات جارية في شكل رواتب ومنافع ودعم واعانات، كما رهن تحفيز ورفع معدلات النمو بتوافر عدة اشتراطات منها جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتطوير الأسواق المالية واصلاح القطاع المالي والمصرفي بالشكل الذي يتناسب أكثر مع الحاجة الى تطوير الاستثمار وتحقيق معدلات نمو أفضل علاوة على اعادة النظر في هيكل الميزانية العامة بحيث تخصص مبالغ أكبر للانفاق الاستثماري ويتم ترشيد أفضل للانفاق الجاري وبخاصة في مجال الاعانات والدعم. وشدد التقرير على حاجة الاقتصاديات العربية لتنويع القاعدة الانتاجية ومصادر الدخل لا سيما أن اعتماد هذه الاقتصاديات حتى الآن على موارد محدودة ومنتجات ذات تقلبات سعرية حادة كالنفظ والسياحة والمنتجات الزراعية يعرضها لتقلبات وصدمات اقتصادية من وقت لآخر ويعرقل زيادة التجارة البينية العربية ويكرس اعتمادها على الأســـواق الخارجية لاستيراد المنتجات الهامة وأضاف التقرير أنه بالرغم أن الاقتصاديات العربية بطبيعتها ذات انكـــــشاف كبير على الخارج حيث تستحوذ التجارة الخارجية على نحو 53% من الناتج المحلي الاجمالي إلا أنها مازالت مترددة وحــــساسة تجاه الانفتاح والتفاعل مع ظاهرة العولمة الأمر الذي قد يعرضها للتهميش ويحرمها من الفرص التي تتيحها العولمة لتصريف كثير من المنتجات وجذب استثمارات لتطوير الأوضاع الاقتصادية وجلب التكنولوجيا الضرورية لتحديث القطاعات الصناعية والزراعية.