محدودية النقد الأجنبي والحرب حرمت الحكومة المصرية من مكاسب تحرير سعر الصرف

خبراء: تحرير سعر الصرف فشل في تحقيق الاستقرار للعملة الوطنية وحرض البنوك على استقطاب الدولار بأسعار غير حقيقية

TT

أوضح خبراء ومصرفيون مصريون ان قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري والذي تم تطبيقه منذ يناير (كانون الثاني) الماضي لم يؤد حتى الآن إلى استقرار سوق النقد، بل على العكس أشاع فوضى شاملة ليس فقط في سوق الصرف، وإنما طال القرار استقرار سوق السلع والخدمات حيث ارتفع بعضها إلى معدلات كبيرة، وأشار الخبراء إلى ان القرار وما أعقبه من تعديلات ومحاولات حكومية لضبط الأسواق قد أدى إلى زيادة الحس المضاربي، حيث ان القرار ترك للبنوك حرية تحديد أسعار العملات وفق آلية العرض والطلب وهو ما أوجد دوراً فعالاً للسوق الموازية من جديد، ورأى الخبراء ان القرار سدد ضربة قوية لشركات الصرافة التي تم ربطها بالبنوك، الأمر الذي اعتبره أصحاب هذه الشركات مؤشرا على خروجها من حلبة المنافسة، وأكد الخبراء على ان ندرة العملات الأجنبية وظروف الحرب قد أدت إلى تدخل الحكومة مرة أخرى بإلزام المؤسسات والهيئات المختلفة بتوريد75 في المائة من حصيلتها من النقد الأجنبي للبنوك وهو القرار الذي أثار جدلا حول مدى شرعيته، وطالب الخبراء البنك المركزي بأن يجد حلا لمشكلة المقترضين بالدولار، وان يحكم الرقابة على المتعاملين في سوق الصرف، ولكن بشرط ان تنتهي وسيلة الرقابة البوليسية التي تهدد الاقتصاد المصري بالكامل . وكشف د. عثمان محمد عثمان وزير التخطيط المصري أن تحرير سعر الصرف لم يؤد إلى النتائج الإيجابية المتوقعة على حركة الصادرات والواردات، معللاً ذلك بتفضيل المنتجين الاتجاه إلى الداخل بدلا من الخارج لأن السوق المحلي أكثر ربحية لهم من السوق العالمي، مشيراً إلى وجود العديد من المشاكل والعوائق الإدارية والهيكلية والبيروقراطية، وقال إن هذه العوائق جعلت الاتجاه إلى الأسواق المحلية أكثر سهولة ويسراً، وأوضح عثمان إن الاقتصاد القومي يحتاج إلى استثمارات خارجية تتراوح بين3 و4 مليارات دولار سنوياً لتعويض النقص في المدخرات المحلية، مؤكداً ان معدل النمو المتوقع للعام المالي الحالي لن يصل إلى الرقم المستهدف من قبل وهو 0.3%. وقال الدكتور شريف قاسم رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات إن الجنيه المصري لم يصل بعد إلى بر الأمان رغم مرور فترة على تطبيق قرار تحرير سعر الصرف، حيث انه فقد في رحلة «التعويم» نحو 27% من قيمته باعتبار ان سعره الرسمي وقت القرار كان 464 قرشا مقابل الدولار بينما بلغ سعره في بعض البنوك الآن ستة جنيهات، مشيرا إلى أن استقرار السوق والحفاظ علي مكانة الجنيه المصري كانت أهم المبررات الحكومية لتحرير سعر الصرف، إلا أن الواقع الحالي أدى إلى سيطرة العديد من الأعراض غير الصحية على سوق الصرف، محذرا من سيطرة «الصفقات» علي سوق الصرف وتسابق البنوك لرفع الأسعار بهدف الفوز بها من دون مراعاة للسوق ككل أو لتأثير هذا الارتفاع على مستويات السلع والمنتجات، وأوضح قاسم أنه على الرغم من التفاوت الكبير في أسعار الصرف بالبنوك والذي وصل في بعض الأحيان إلى عشرين قرشا، إلا أن الفجوة بينها وبين السوق السوداء باتت اقل من أوقات أخرى سابقة.

وأكد الدكتور محمود أبو العيون محافظ البنك المركزي المصري على صدور تحذيرات صريحة للبنوك العامة والاستثمارية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية الممكنة ضدها إذا ما تم تعديل سعر الصرف لأي من العملات الأجنبية دون توضيح مقنع لاسباب الارتفاع، موضحا ان الزيادة التي حدثت في أسعار صرف الدولار أمام الجنيه منذ تطبيق سياسة التحرير وحتى الآن لم تتجاوز نسبتها 8.8%، مشيرا إلى أن الحكومة بصدد إصدار سندات بالجنيه المصري لتمتص جانبا من السيولة في السوق مما يخفف الضغط على سوق الصرف، وتابع أبو العيون ان هناك عددا من البنوك طلب إصدار أوعية ادخارية جديدة لمدة 3 أشهر بأسعار فائدة مرتفعة تتراوح بين 11 و14%، وأضاف انه سيتم عقد اجتماع خلال الأيام القادمة لدراسة إنشاء سوق مصرفية للنقد الأجنبي بين البنوك. وأشار علي نجم الخبير المصرفي ورئيس بنك الدلتا الدولي إلى ان الحكومة أصدرت قرارا بتخفيض سعر الفائدة على الودائع بالجنيه حتى تشجع الاستثمار، ثم أصدرت قرارا بتحرير سعر الصرف رغم أن القرارين متعارضان، موضحا أن كل هذه العوامل أثرت على السوق وأدت إلى ارتفاع سعر الدولار، ويرى نجم انه من الخطأ ان يجعل قانون البنوك الجديد من مهام البنك المركزي المحافظة على استقرار الأسعار وكان الأفضل ان تكون مهمته تحقيق الاستقرار النقدي، وأكد نجم على ان تخطي أزمات الاقتصاد المصري يعتمد على قدرة المؤسسات المسؤولة عن النقد على التخطيط السليم وتحديد الهدف، مبينا أن الحل الوحيد يتطلب ان تحدد الحكومة المشكلة ذات الأولوية وهي حالة الركود التي يجب ان نسخر كل إمكانياتنا للخروج منها.

وترى الدكتورة عالية المهدي الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ان قرار تحرير سعر الصرف انعكس بالسلب على السوق بعد أن بدأ بعض المتعاملين في اكتناز العملات الأجنبية خصوصا الدولار رغبة في المضاربة عليه، وقد تضاعفت المشكلة مع ضعف الموارد من النقد الأجنبي إضافة إلى تزامن ذلك مع تأثيرات حرب العراق، موضحة أن السوق السوداء مستمرة طالما استمرت المشكلات الاقتصادية المزمنة، وأنه من الخطأ أن تسعى البنوك لزيادة أسعار الدولار حتى تخطف زبائن تلك السوق، وأشارت المهدي إلى أن البنك المركزي اكتفى بدور المتفرج وترك الفوضى تسيطر على السوق، بعد أن جمعت الحكومة في يدها السلطة المالية والسلطة النقدية وسيطرت على البنك المركزي نفسه مما عطل فاعلية الأسواق .