تداعيات حرب العراق والعنف في المنطقة والتعاون العربي تتصدر أعمال المؤتمر التاسع لأسواق المال في بيروت

TT

شكلت تداعيات حرب العراق والأجواء المتوترة في المنطقة من جراء موجات التفجيرات والعنف، ومدى تأثيرهما على سياسات الاصلاح الاقتصادي والهيكلي وعلى النمو الاقتصادي والتعاون بين البلدان العربية، المحاور الاكثر سخونة التي تصدرت اعمال «المؤتمر التاسع للاستثمار واسواق المال العربية» الذي بدأ امس في بيروت، برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وحشد من الوزراء والدبلوماسيين وكبار رجال المال والاعمال والاقتصاد ناهز عددهم الالف بين ضيوف ومشاركين.

وعكست كلمات افتتاح المؤتمر، حالة من القلق حيال التطورات الحاصلة ومدى تأثيرها على المنطقة واقتصاداتها، فيما كان الرئيس الحريري صريحاً بالقول «ان معاناتنا آتية لا من كثرة العمل، بل من قلته لعدم تناغمه مع حاجاتنا وحاجات اقتصاداتنا». وتساءل: «هل ان منطقة الشرق الاوسط والبلاد العربية بوجه التحديد مكان صالح للاستثمار ام ان الاستثمار في بلداننا اصبح غير ذي جدوى وما هي البلدان الاكثر جدوى للاستثمار واخيراً هل الاستثمار في لبنان له جدوى في ضوء ما نسمع عن مشاريع عديدة في المنطقة وللمنطقة». وقال: «هناك حقائق يجب ان لا تغيب عن اذهاننا وهي ان النظام العراقي السابق انتهى وجميع هيكلياته تفككت. القاعدة القانونية هي التي تُسير الاعمال وعلى اساسها يقوم الاستثمار والعمل والاعمار وخلافه. هذه القاعدة القانونية غير موجودة في العراق وايجادها سيأخذ وقتاً ليس بالقصير، الامور ليست سهلة ولا اعتقد ان سوق العراق سيفتح من اجل الاعمار وبالسرعة التي يتصورها البعض. ولا شك في ان العراق يملك ايرادات من النفط وفيه شعب يزيد سكانه عن 26 مليون نسمة وهو في حاجة لامور عديدة جداً.فموضوع تزويد العراق بأمور حياتية امر من المؤكد سيكون كبيراً».

واوضح: «ان صدور قرار مجلس الامن المتوقع اليوم سيفتح الباب امام بيع النفط العراقي ولكن ايضاً كميات النفط العراقي المتوقع تصديرها ستكون في حدود معقولة جداً وستأخذ بضع سنوات لتأخذ الكميات الكبرى طريقها الى التصدير. قضية الاعمار ومشاريع الاعمار بمليارات الدولارات والحركة الاقتصادية القائمة على اقتصاد حر مفتوح ستأخذ الكثير من الوقت حتى تتبلور الصورة كما يجب».

ودعا الى عدم التوهم من وجود فرص كبرى للاستثمار في العراق. واعتبر ان ما اشار اليه عمرو موسى لجهة السوق الحرة بين اميركا والمنطقة «هو موضوع جدي جداً وقد يكون فرصة للدول العربية ولكن قد يشكل نكسة كبيرة لها اذا لم تكن محضرة تحضيراً وافياً لمواجهة التحديات التي تفرضها ما تسمى بسوق التبادل الحر. بلادنا حتى الآن انتاجها ضعيف جداً وامكانيات التبادل في ما بينها تقريباً معدومة وبمستوى ضئيل جداًَ جداً، فكيف اذا اصبحت مفتوحة امام المنتوجات الاميركية الضخمة الجبارة العملاقة؟».

ودعا المستثمرين العرب الى التقاط «الفرص الكبيرة للاستثمار في الدول العربية والدول الناشئة» كما دعا الى ازالة العوائق والحواجر امامهم».

وكان مدير عام مجموعة الاقتصاد والاعمال رؤوف ابو زكي قد استهل جلسة الافتتاح بعرض لاحداث الاشهر الماضية التي ادت بحسب قوله الى «تحولات اساسية في معالم المنطقة العربية وانتجت جملة من التحديات السياسية والاقتصادية. فمن الطبيعي اذا ان يركز المؤتمر هذه السنة على موضوع العراق من زاويتين اساسيتين: اولاً، عملية اعادة اعمار العراق ومتطلباتها ومعطياتها وفرص الاعمال والاستثمار التي تتاح من خلالها. وثانياً، انعكاسات حرب العراق والوضع الجديد الناجم عنه على صعيد المنطقة ككل وعلى الاقتصادات العربية وعلى المناخ الاستثماري عامة وبرامج وجهود الاصلاح الاقتصادي».

واضاف ابو زكي: «ان العالم العربي يقف امام مفترق يتطلب في المقام الاول ضرورة تسريع خطوات الاصلاح الاقتصادي، والشروع في الاصلاحات السياسية المطلوبة التي تشكل المفتاح الاساسي لتوفير مناخ الاستثمار السليم والثابت. ومن دون ذلك يبقى الاصلاح الاقتصادي مبتوراً».

ثم تحدث رئيس جمعية مصارف لبنان رئيس اتحاد المصارف العربية جوزيف طربيه فقال: «ان ما جرى وما سوف يجري يؤثر في مستقبل شعوبنا وبلداننا واقتصاداتنا، كما هو مؤثر في حاضرها بفعل التغيرات الكبرى التي طرأت على مجرى واهداف السياسة الدولية، ووقوع المنطقة العربية في مرمى قوى التغيير الخارجية التي تسعى لفرض تبدلات وتحولات يتخطى نطاقها خطط العمل القصيرة والمتوسطة الاجل، لتصل الى صلب الاستراتيجيات وعمق المصالح القومية. والثابت حتى الآن ان هذه الحرب تندرج ضمن الاحداث الفريدة غير المسبوقة في مفكرة القرن الواحد والعشرين وتضاهي باهميتها وتداعياتها احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001، مع الاخذ في الاعتبار ما بين الحدثين من روابط، وما يكرسانه من مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية فرضت وتفرض تغييراً منهجياً لقواعد السلوك والتوازنات بين الامم والدول على المستويات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية».

واضاف: «المنطقة العربية معنية اكثر من غيرها بالتعامل والتفاعل مع تطورات ومتغيرات المرحلة المقبلة. فالعراق يحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً في قلب المنطقة بين دول الخليج ودول المشرق العربي، وهو ثاني اكبر دولة عربية من حيث عدد السكان ويملك ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم، كما يمتلك طاقات بشرية مميزة مقيمة ومغتربة، وما يؤهله للعب دور متميز كواحد من اكبر اقتصادات المنطقة بعد اعادة الهدوء والاستقرار الى ربوعه. ومن المهم ان تكون للمصارف العربية جهود فاعلة في ورشة اعادة اعمار وبناء العراق، واقامة منظومة مصالح اقتصادية فاعلة توثق ربط العراق بمحيطه. وضمن هذا الاطار، فإن المصارف العربية مدعوة للعب دور القاطرة لتنظيم وحفز دخول القطاعات الخاصة الى السوق العراقية التي يتنظر ان تشهد احدى اكبر عمليات اعادة البناء والاعمار، والتي تشمل كافة المجالات والانشطة المتضررة، بدءاً من الحرب العراقية- الايرانية وانتهاء بالحرب الاخيرة».

وركز حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة على اهمية الاستفادة من الايجابيات النقدية الحالية والمستمرة لمتابعة ضبط التضخم والمحافظة على الاستقرار النقدي وتطوير القطاع المصرفي وانظمة المدفوعات، مشيراً الى «ان تحسن الثقة بالاوضاع المالية والنقدية بعد انعقاد ونجاح مؤتمر باريس ـ 2، ومبادرة المصارف باقراض الدولة من دون فائدة عشرة في المائة من ودائعها ومشروع موازنة هدف الى تقليص العجز ولجم المديونية، وتراجع مجمل الدين العام 3% بين ابريل (نيسان) 2002 وابريل (نيسان) 2003، كلها امور اسفرت عن انخفاض مهم في قاعدة الفوائد في لبنان ادى الى التعاطي بفائدة هي الاقل منذ انتهاء الحرب اللبنانية. فتراجعت الفائدة على سند السنتين في الليرة من نسبة تتراوح بين 16 و18% الى ما يقارب الـ8%. وتراجعت الفوائد على سند اليوروبوند في الدولار من نسبة تتراوح بين الـ13 و18% الى ما بين 7 و9% تبعاً للآجال».

واضاف سلامة: «ان نتائج اعتماد مقررات باريس ـ 2 سلبية على الدول الناشئة، وستصعب وجود مصارف دولية اجنبية فيها وتصعب تمويل اقتصادات هذه الدول من الخارج اذ تتمتع معظم الدول الناشئة بتصنيف سيادي متدن، الامر الذي يحتم علينا بناء وحدات مصرفية اكبر قادرة على جلب الودائع مما يمكنها من تمويل الاقتصاد المحلي وملء الفراغ المتروك من قبل المصارف الاجنبية التي ستنسحب تدريجياً من هذه الاسواق». كما يفرض هذا الواقع المستجد على الدول الناشئة اصلاحات في مالياتها العامة من اجل تحسين تصنيفها السيادي لتتمكن من تمويل قطاعيها الخاص والعام بتكلفة مقبولة».

وختم: «نريد ان نؤكد هنا ان السرية المصرفية هي القاعدة في لبنان ورفعها هو الاستثناء». بدوره اشار الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى ان الوضع في العراق «سيكون مفتاحاً للاستقرار او عدم الاستقرار في المشرق العربي، فالادارة السياسية للعراق لن تكون بالسهولة التي ظنها بعضهم. فبمثل الصعوبة السياسية القائمة ستكون ثمة صعوبات اقتصادية واجتماعية وفي كل مجالات ادارة البلاد في العراق». وقال: «ان اعادة الاعمار هي من اوائل المسائل التي تتبادر الى الاذهان، وهي تلتقي مع صدور قرار مجلس الامن الدولي المتوقع اليوم في شأن اعلان الولايات المتحدة وبريطانيا دولتين محتلتين للعراق، اي ما شأنه انهاء حال العقوبات على العراق، ويفتح تالياً الباب امام كل المعاملات الاقتصادية وعملية اعادة الاعمار، ونرجو ان يكون الامر ماثلاً لدى رجال الاعمال العرب، اذ لا يصح ان تتركز عمليات اعادة الاعمار بعيداً عن الاستثمار العربي وقدرته على المشاركة».