خبير: التستر التجاري في السعودية يستنزف الاقتصاد المحلي وينقص الادخار ويتيح فرصة التلاعب بالأسعار

العمالة الوافدة تسيطرعلى 97 في المائة من تجارة الملابس والأقمشة ومطالبات بإنشاء وحدة تحر سرية لمراقبة المخالفات

TT

المؤكد أن الجميع بمن فيهم الجهات الحكومية التي أنيطت بها مهمة ملاحقة قضايا التستر التجاري في السعودية، يعلمون أن هذه الظاهرة تضخمت بصورة ألحقت أضراراً واسعة بالقطاعين الخاص والعام، وقبلهما وبعدهما بشباب يبحث عن فرص عمل هنا وهناك، ورغم صدور فتوى حرمت التستر بمختلف أشكاله اضافة الى العقوبات القوية فلم ينجح الحد من هذه التجاوزات، التي تفشت في القطاع التجاري والأعمال الخدمية بشكل غير مسبوق ظهرت مساوئها، وستظهر بدرجة اشد في السنوات المقبلة. ويؤكد خبير اقتصادي تحدث لـ«الشرق الأوسط» حول هذه الظاهرة بان التستر التجاري يلحق اضرارا فادحة بالاقتصاد المحلي وتحرم المواطنين من حقوقهم الاساسية في سوق العمل. وإذا كان عدم تفعيل النظام والتراخي في تطبيقه من أهم أسباب توسعها، إلا أن هناك من يرى وجود أسباب أخرى احدها تعاطف المواطن مع المتستر عليه بحسن نية أو لرغبته الحصول على مكاسب سهلة دون أن يبذل أي جهد في سبيل الحصول عليها. وفي هذا الصدد يصف المستشار الاقتصادي في مركز الابحاث في غرفة تجارة الرياض عايض بن عوض الجعيد ظاهرة التستر التجاري بأنها من اخطر الجرائم الاقتصادية التي تعاني منها السعودية خصوصاً، ودول الخليج العربي بصورة عامة، وقال أنها أصبحت معضلة صعبة، تحطم تطلعات الشباب السعودي الطموح الجاد في عمله، مشدداً على أن التستر التجاري يعني تنازل المواطن عن حقه في مزاولة العمل التجاري مقابل مبلغ زهيد مقطوع يتفق عليه بدلاً من ضياع وقته وخسارة ماله في مشروع فاشل حسب رؤيته، مما يتيح الفرصة للأجنبي المقيم وغير المقيم للتلاعب بالأنظمة وارتكاب المخالفات النظامية والقانونية بهدف تحقيق اكبر قدر ممكن من الأموال في اقصر وقت. ويؤكد الجعيد في حديث لـ«الشرق الاوسط» أن التستر يستنـزف الاقتصاد السعودي ويؤدي إلى نقص في الادخار القومي لأن المتستر عليه يقوم بتحويل جميع إيراداته إلى الخارج، ولا يصرف منه في الداخل، ويبين الجعيد بعض الآثار السلبية التي تحصل بسبب هذه الظاهرة غير المشروعة: بأنها عامل مهم في تبديد الثروة لان المتستر عليه يسعى إلى تحطيم المنافس السعودي بكل الأساليب والطرق، وتفضي إلى تدني مستويات الأداء والخدمة في الأنشطة التجارية،وخفض الأسعار بنسب غير طبيعية تزعزع وتهز الثقة والاستقرار في الأسواق، واحتكار الوظائف والفرص الربحية على غير السعوديين في الشركات والمؤسسات المتسترة مما يعرقل ويفشل برامج سعودة وتوطين الوظائف، وانخراط الأجانب في العمل التجاري غير النظامي مما يجعل بعضهم يقدمون على الدخول في جرائم المخدرات والنصب والاحتيال والتزوير وتزييف النقد والغش التجاري وسرقة الكفيل وتوريطه بديون لا يستطيع الوفاء بها، ومشاكل وقضايا محرمة لا يعلم عنها إلا بعد وقوعها أو بعد أن يغادر الأجنبي البلاد بشكل مفاجئ. وتابع: إضافة إلى انهيار الاستثمار في كثير من القطاعات التجارية والخدمية نظراً لارتفاع نسب العمالة الوافدة فيها، ووجودها في العديد من المحلات والمنشآت الخدمية وانتهاجها للمنافسة غير الشريفة في تحطيم الأسعار، وتعاطي الرشاوى مع أبناء جلدتهم الذين يعملون كمندوبي مشتريات في المراكز التجارية الكبرى لأجل تصريف بضائعهم. ويشير إلى مثال صارخ يتمثل في أن العمالة الأجنبية سيطرت على تجارة الجملة والتجزئة في قطاع الملابس والأقمشة، بعد أن أصبحت نسبتها 97.5 في المائة من إجمالي عدد العمالة في السوق الذي أصبحت نسبة السعوديين فيه لا تزيد في أقصاها عن 2.5 في المائة. هذه إحدى نتائج التستر الخطرة جداً والتي يجب الالتفات إليها ومعالجتها بسرعة وحزم. ولا يقتصر التستر التجاري في السعودية على الأفراد وأصحاب المؤسسات الصغيرة أو العمالة الأجنبية الحرفية البسيطة، إنما يشمل قطاعا عريضا من الشركات الكبرى، تحت مسمى «التمثيل التجاري» وهو اصطلاح وهمي يراد به تغطية تعامل لا تجيزه الأنظمة ولا تسمح به القوانين، حيث توجد شركات متستر عليها تمارس أعمالها في المملكة بكامل موظفيها الأجانب من أعلى السلم إلى أدناه وكلهم يحملون جنسية شركاتهم، وذلك تحت مظلة الوكيل أو الممثل التجاري، ولا تسمح هذه الشركات بتوظيف السعوديين إلا في نطاق ضيق جداً، مع انه من المفترض تشغيلهم في هذه الشركات بما لا يقل عن 75 في المائة من عدد موظفيها، وفي الغالب تقوم هذه الشركات بتحويل إيراداتها بالكامل إلى مصارف واستثمارات في الخارج، دون أن تصرف منه ريالاً واحداً في السعودية، باستثناء النسبة التي تدفع للوكيل «المتستر» وهي لا تمثل إلا فتاتاً قياساً بما تجنيه تلك الشركات. والتستر التجاري الذي كلفت بمواجهته وزارات التجارة والداخلية، والمالية، ثبت أنها لم تحقق نتائج حتى وان كانت بدرجة مقبول وهي التي تتصدى لهذه الظاهرة منذ حوالي 23 سنة، لها أسباب أدت إلى استفحالها، يلخصها عايض الجعيد، وهو باحث اقتصادي سابق في وزارة المالية بما يلي: 1 ـ معظم المؤسسات والشركات المتسترة تعمل بشكل نظامي يصعب كشفها فيه، إن لم يكن هناك تكاتف قوي وتعاون مستمر بين المواطنين من جهة، والجهات المتخصصة بمكافحة التستر من جهة أخرى، للإبلاغ عن حالات التستر لان المتستر عليه يعمل بسجل تجاري ساري المفعول وجميع الذين يعملون معه يقيمون بكفالات نظامية صحيحة. 2 ـ تأهيل المواطن السعودي تأهيلاً عملياً وعلمياً يستطيع من خلاله مزاولة العمل التجاري أو الخدمي بطريقة سليمة تساعده على الوقوف في وجه المنافسة الأجنبية، حتى يستطيع إدارة مشروعه بأساليب صحيحة تمكنه من النجاح وتحقيق الأرباح، وجاء فشل تأهيل المواطن بسبب عدم المواءمة بين التخصصات المطلوبة في سوق العمل التجاري والخدمي، وبين مخرجات التعليم العام والجامعي ومعاهد وكليات التدريب الفني. 3 ـ طبيعة وحجم منشآت القطاع الخاص وأكثرها صغيرة مملوكة لإفراد ليس لديهم معرفة بأبسط مبادئ التجارة ومتطلباتها، من تأهيل وحسن تصرف وصبر وجلد على مشاق العمل، مما يجعلهم عرضة لاستغلال الأجانب والتستر عليهم، ليقوموا بعد ذلك بالاستيلاء على مؤسسات هؤلاء المواطنين قليلي الخبرة وفاقدي التأهيل. 4 ـ سهولة دخول بعض الشركات الأجنبية السوق السعودي، للعمل تحت مظلة مؤسسات وشركات وطنية مقابل نسبة معينة يتفق عليها. 5 ـ سيطرة الأجانب على كثير من القطاعات التجارية والخدمية، فعلى سبيل المثال نجد أن تجارة الملابس والأقمشة تستولي عليها جنسيات معينة، وتنفرد جنسيات أخرى بقطاع الدعاية والإعلان، ولا توافق تلك الجنسيات على توظيف السعودي ليعمل إلى جوارهم في هذه المؤسسات، مع تمكنه ومقدرته القيام بكل أعباء الوظيفة التي يشغلها.

ولا يختلف اثنان على وصف التستر التجاري بـ«الجريمة» لمخالفته أنظمة البلاد من ناحية قانونية، ولاعتباره مالاً بلا عوض بنظرة شرعية، حيث أن المتستر عليه يستفيد من ميزانية الدولة في خططها التنموية، وهو لا يفيدها ولا مواطنيها لأنه لا يدفع ضريبة دخل، والأكيد انه يتهرب من دفع الزكاة لمصلحة الزكاة والدخل، كما انه يقوم بتحويل ما يحصل عليه من أموال بطرق مشروعه وغير مشروعه إلى بلاده وبلدان أخرى، دون أن تعود على المملكة بأي فائدة حتى وان تدنى مقدارها.

وللحد من آثار هذه الظاهرة يقترح الجعيد توعية المواطن بمخاطر التستر وإقناعه بأن ضرره أكثر من نفعه، إلى جانب توحيد وتكاتف جهود المواطنين والجهات الرسمية التي تحارب هذه الظاهرة، ويدعو إلى إنشاء وحدة تحر سرية، يتم تدعيمها بكوادر مؤهلة ومتخصصة لكشف المتسترين من خلال المراقبة والتحري عن تردد المواطن على مؤسسته وعمله بها، وحصر إيراداتها، ومراقبة المتستر عليه، وتقصي نزاهة الأنشطة التي يقوم بها، والأموال التي يقبضها من المنشأة على أن يتم إلزام جميع المؤسسات والأفراد من الرجال والنساء المرخص لهم بمزاولة أعمال تجارية بفتح حسابات بنكية خاصة بأنشطتهم حتى تسهل مراقبة المتستر، وللتأكد من مصداقيته، ويمكن الاستفادة من خبرات وامكانات مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» في مكافحة هذه الظاهرة.

=