صندوق النقد العربي: معظم الدول العربية تفتقر إلى بيئة تشريعية جاذبة للاستثمار

TT

حذر تقرير اقتصادي من تراجع معدلات الادخار ومستويات الاستثمار في الوطن العربي ووصفها بأنها ما زالت محدودة ومتواضعة، وانتقد التقرير الذي أعده رئيس صندوق النقد العربي الدكتور جاسم المناعي تحت عنوان «التحديات أمام الاقتصاديات العربية» افتقاد معظم الدول العربية الى البيئة التشريعية الاستثمارية الجاذبة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية، موضحا ان التشريعات الاستثمارية العربية يلزمها الكثير من التحسين فضلا عن ضرورة العمل على الالتزام بمعايير الرقابة والتقييم والمحاسبة الدولية. كما تحفظ التقرير على أداء الاقتصاديات العربية فيما يتعلق بمعدلات النمو ووصفها بأنها ضئيلة بما تحققه دول عديدة في العالم النامي، مشيرا الى انها لم تتجاوز 3.3 في المائة خلال العقود الثلاثة الماضية مقابل حوالي 6 في المائة لمجموعة الدول النامية في جنوب وشرق آسيا على الرغم من ان معدلات النمو السكاني العالية في الوطن العربي (3 في المائة) تحتم تحقيق معدلات نمو اقتصادي أفضل.

وتناول التقرير معدلات الاستثمار العربية خلال السنوات الماضية موضحا انها لم تكن كافية لتحقيق معدلات نمو اقتصادي أفضل بسبب عجزها عن استقطاب رؤوس أموال أجنبية بشكل كاف مما جعل الاستثمار معتمدا على الانفاق العام الذي يعتبر مرتفعا بالمقياس العالمي نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي حيث يصل في بعض الدول العربية الى أكثر من 40 في المائة.

وتابع التقرير انه بالرغم من أهمية الانفاق العام إلا ان ما يخص للاستثمار منه لا يمثل سوى نسبة بسيطة في حدود من 10 الى 15 في المائة بينما يمثل معظم الانفاق العام مصروفات جارية في شكل رواتب ومنافح ودعم واعانات، مشيرا الى ان تحفيز ورفع معدلات النمو مرهون بتوافر عدة اشتراطات منها جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتطوير الاسواق المالية العربية والتي ما زالت رؤوس أموالها لا تتجاوز 200 مليار دولار مقارنة بنحو 253 مليار دولار في كوريا الجنوبية وحدها، علاوة على اصلاح القطاع المالي والمصرفي بالشكل الذي يتناسب أكثر مع الحاجة الى تطوير الاستثمار وتحقيق معدلات نمو أفضل، بالاضافة الى اعادة النظر في هيكل الميزانية العامة بحيث تخصص مبالغ أكبر للانفاق الاستثماري ويتم ترشيد أفضل للانفاق الجاري وبخاصة في مجال الاعانات والدعم.

ويرى التقرير ان أهم المشاكل التي تمثل تحديا كبيرا على صعيد الحاجة الى تحسين مستوى المعيشة هو التصدي لظاهرة البطالة المتفاقمة والتي تقدر في المتوسط بنحو 15 في المائة في الدول العربية بما يوازي 20 مليون مواطن عربي عاطل عن العمل.

ويذكر الدكتور جاسم في تقريره انه اذا لم نستطع ان نحسن من معدلات النمو الاقتصادي فإن هذه المشكلة من شأنها أن تتفاقم بشكل أكبر وتؤدي الى أزمات اجتماعية وسياسية أيضا، موضحا ان مشكلة البطالة في العالم العربي لا تقتصر على البطالة السافرة بل تتعدى ذلك الى البطالة المقنعة وخاصة في مؤسسات القطاع العام علاوة على نقص التأهيل العلمي والمهني بالاضافة الى مشكلة عدم تلاؤم مخرجات التعليم مع حاجات أسواق العمل.

وانتقد التقرير ترهل القطاع العام في الدول العربية وهيمنة هذا القطاع على نسبة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية سواء المتعلقة بالمشروعات أو الشركات الأمر الذي قلص نمو استثمارات القطاع الخاص الوطنية والأجنبية نظرا لضيق المجال الاقتصادي المتاح لها، كما ذكر ان السياسة النقدية لم تنل بعد حظها ولم تمارس دورها الكامل في معظم الاقتصاديات العربية وان دور السياسة النقدية ظل لفترة طويلة محيرا الى درجة كبيرة بسبب عاملين أولهما عدم استقلالية البنوك المركزية وتبعيتها في معظم الأحيان للسياسة المالية ممثلة في وزارة المالية والآخر يرجع الى نظام سعر الصرف الثابت المتبع في أغلب الدول العربية.

فيما رصد التقرير توجهات حثيثة في دول عربية عديدة نحو مراجعة نظام سعر الصرف وجعله أكثر مرونة واتخاذ خطوات جريئة نسبيا في مجال الاصلاح الاقتصادي خاصة في جانب الطلب وضبط معدلات التضخم ومعالجة عجز الموازنة ضمن حدود مقبولة وجعل عملاتها قابلة للتحويل، وشدد التقرير على حاجة الاقتصاديات العربية لتنويع القاعدة الانتاجية ومصادر الدخل لا سيما ان اعتماد هذه الاقتصاديات حتى الآن على موارد محدودة ومنتجات ذات تقلبات سعرية عادة كالنفط والسياحة وبعض المنتجات الزراعية يعرضها لصدمات اقتصادية متلاحقة ويعرقل زيادة التجارة البينية العربية ويكرس الاعتماد على الأسواق الخارجية لاستيراد المنتجات الهامة ومستلزمات الانتاج.