أسعار الأدوية تشعل الخلاف بين الشركات المصنعة في مصر ووزارة الصحة

مسؤولون بالشركات: خسرنا كثيرا بسبب انخفاض سعر الجنيه

TT

احتدم الخلاف بين عدد كبير من الشركات المصنعة للأدوية في مصر ووزارة الصحة المصرية حول أسعار الدواء حيث تطالب الشركات برفع الأسعار لتغطية ما تراه خسائر نتيجة لانخفاض سعر الجنيه أمام الدولار، مما أدى الى ارتفاع تكلفة استيراد المواد اللازمة للتصنيع. ومن جانبها ترى الوزارة ان الأسعار الحالية مناسبة وتتيح تحقيق مكاسب.

وذكر مسؤول بالوزارة ان تعويم سعر الجنيه قد رفع تكلفة استيراد بعض المواد لكن مواد أخرى قد انخفض سعرها بالفعل في السوق العالمية.

ولمح مسؤول في الوزارة طلب عدم ذكر اسمه، الى ان عددا محدودا من رجال الأعمال يسيطر على الشركات التي وجهت استغاثات لكبار المسؤولين وذلك بالملكية المباشرة أو حيازة أغلبية أسهم في الشركات المساهمة.

وكانت أكثر من ثلاثين شركة لتصنيع الدواء قد وجهت استغاثات عبر اعلانات مدفوعة الأجر في صحف محلية لرفع التسعيرة التي تحددها وزارة الصحة على قوائم الأدوية، مؤكدين انهم يتكبدون خسائر كبيرة نتيجة عدم تحريك هذه التسعيرة بالاضافة الى تحرير سعر الصرف، مما يهدد استمرار تلك الشركات في العمل وينذر بالتوقف والافلاس والخروج من سوق صناعة الدواء في مصر.

وعلى الجانب الآخر أشارت بعض المصادر داخل الوزارة الى ان لجنة متخصصة في الشؤون الصيدلية ومراقبة الدواء قد أعدت تقريرا سيرفعه وزير الصحة محمد عوض تاج الدين الى الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء يتضمن دراسة لأوضاع شركات تصنيع الدواء والتكاليف الفعلية للتصنيع وهامش الربح الذي تحققه تلك الشركات من تجارة الدواء.

الجدير بالذكر ان هناك أكثر من 4 آلاف صنف دوائي موضوع على قوائم تسعيرة الأدوية في وزارة الصحة، لتوفير الدواء في الاسواق بأسعار في متناول محدودي الدخل، بينما تخرج من تلك القوائم المكملات الغذائية، وترتفع صيحات المرضى من عدم توافر أنواع من الأدوية الرخيصة الثمن في الأسواق، ووجود بدائل باهظة الثمن.

ومن جهته يقول الدكتور ثروت باسيلي رئيس مجلس ادارة شركة آمون للأدوية ان الدواء يتم تسعيره في يوم انتاجه وليس من المنطقي ان تظل التسعيرة مؤبدة، وطبقا للقرار الوزاري رقم 314 لسنة 1991 فإنه اذا زاد سعر تحويل العملة أو انخفض بنسبة 10 في المائة فأكثر فمن حق وزارة الصحة ان تقوم بزيادة سعر الدواء أو تخفيضه وتتم مراجعة تلك الأسعار كل عامين. ولكن المشكلة ـ كما يقول د.ثروت باسيلي ـ ان هذا القرار لم يتم تطبيقه على أي صنف دوائي.

وتطالب شركات الدواء بمراجعة قوائم الأدوية حيث يتم حساب سعر الدواء من خلال جدول محاسبي يتضمن بنود الرسوم الجمركية، وتكلفة المواد الخام والتعبئة والعمالة والفوائد والدمغة الطبية ونسبة ربح الشركة والصيدلية وتاجر الجملة ونسبة مصاريف الابحاث وغيرها من البنود.

ويشير د.باسيلي الى ان القرار الوزاري توقف العمل به منذ عهد وزير الصحة السابق، وأدى ذلك الى تراكم الخسائر في نوع أو اثنين من الادوية في البداية، ثم بدأ يزداد عدد الأدوية التي تحقق خسائر الى الدرجة الحرجة التي تهدد استمرار الشركة في انتاج الدواء، فلدينا الآن 95 في المائة من المستحضرات الطبية تحقق خسائر و5 في المائة فقط من الأدوية ليست فيها خسائر.

ويؤكد الدكتور مكرم مهني رئيس مجلس ادارة شركة جلوبال ناجي ورئيس المكاتب العلمية بمصر ان القضية ليست صراعا بين شركات الأدوية ووزارة الصحة، فدور الوزارة هو توفير الدواء الآمن بالسعر المناسب للمواطن المصري، لكن المشكلة ان تكلفة صناعة الدواء زادت منذ تحرير سعر الصرف وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الى الضعف، في حين ثبت سعر الدواء منذ عدة سنوات، وتعاني شركات الأدوية من استيراد أكثر من 97 في المائة من الخامات الدوائية من الخارج مما يشكل ضغوطا وخسائر على الهياكل الاقتصادية وتراكم الديون البنكية على تلك الشركات.

على الجانب الآخر يقول الدكتور محمد بهاء الدين فايز الخبير بوزارة الصحة ان واجب الدولة ممثلة في وزارة الصحة هي مراقبة الأسعار خاصة في الأدوية التي تمس الفئات الحساسة كالمرضى بالأمراض المزمنة والفقراء والأطفال، والتسعير هو آلية رسمية سيادية في يد وزارة الصحة تحقق به التوازن بين مصلحة المرضى ومصلحة أصحاب الشركات، والدولة تسمح بتحريك الأسعار تحريكا معقولا لا يضر بالطرفين.

ويتفق الدكتور محمد بهاء الدين على ان أسعار الخامات الدوائية المستوردة قد تأثرت بارتفاع سعر الدولار لكن يجب ألا ننسى ان هناك عددا من الخامات الدوائية قد انخفضت أسعارها في الأسواق العالمية كلها، بينما تبقى شركات الادوية على أسعارها المرتفعة، وهناك اسلوب تتبعه جميع الشركات في تحميل خسائر بعض الاصناف الدوائية على مكسب أصناف أخرى لتصبح في النهاية تحقق أرباحا، لانه لا توجد شركة دواء ما زالت تعمل في السوق إلا وتحقق أرباحا، وقد زادت اعداد شركات تصنيع الأدوية في مصر من 40 شركة منذ عامين الى 65 شركة هذا العام مما يعني ان تجارة تصنيع الدواء تحقق أرباحا عالية، وأي مراقب لتجارة تصنيع الدواء ويتتبع أخبار ميزانيتها يجد انها تحقق أرباحا تتراوح ما بين الارباح الهامشية الى الأرباح الطائلة لكنها لا تحقق خسائر.

من جانب آخر فالشركات الأجنبية الكبيرة التي لها فروع في مصر من أكثر الشركات التي تحقق أرباحا كبيرة ورغم ذلك فهي من أوائل الشركات المطالبة برفع أسعار الدواء، وهذه الفروع للشركات الأجنبية تستورد المواد الدوائية الفعالة من الشركة الأم التي تمتلكها بأسعار بسيطة وتسجلها دفتريا بأسعار عالية بحيث تظهر ميزانياتها في النهاية خاسرة، وهو أمر مجاف للحقيقة خاصة في ظل انخفاض أسعار المواد الفعالة بصفة عامة في أسواق العالم لتكاثر المنتجين ودخول دول مثل الهند والصين في مجال صناعة الأدوية بأسعار منافسة للمنتج الأصلي، ويحقق هذا التنافس وكثرة المنتجين ارتفاع جودة المواد الفاعلة الدوائية وانخفاض أسعارها، وعددا كبيرا من منتجي المستحضرات الصيدلية المصريين والاجانب الذين يستوردون المواد الكيميائية من السوق العالمية بأسعار رخيصة سواء من الهند أو البرازيل وهي سوق تنافسية وهذا مفهوم سائد ومعروف بين العاملين في مجال الدواء.

من ناحية أخرى قال مصدر مسؤول بوزارة الصحة، رفض ذكر اسمه، ان الشركات التي اعلنت عن تضررها عبر صفحات الجرائد وبلغت عددها أكثر من ثلاثين شركة هي مملوكة لـ6 أفراد فقط من كبار أصحاب شركات تصنيع الدواء في مصر وليست هي المجتمع الصيدلي بأكمله وتحقق تلك الشركات أرباحا طائلة تصل الى 400 في المائة في عديد من الأصناف الدوائية، ومع ارتفاع سعر الدولار انخفضت تلك الأرباح من 400 في المائة الى 300 في المائة على سبيل المثال، لكنها في النهاية تحقق أرباحا، كما تنتج تلك الشركات الادوية التي تحقق أرباحا وتوقف بعض الاصناف الأخرى بغض النظر عن حاجة السوق المصري لها، لعدم تحقيقها هامش ربح مرتفع، مؤكدا ان تقارير لجان الادارة المركزية للشؤون الصيدلية حول أوضاع تلك الشركات تشير الى تحقيق هامش ربح كبير، وهو التقرير الذي ستصدره وزارة الصحة رداً على اتهامات شركات الادوية حول تسعير الدواء خلال الأيام المقبلة.