دراسة اقتصادية تدعو إلى تخصيص الخدمات الصحية في السعودية تزامنا مع تطبيق برنامج الضمان الصحي التعاوني

TT

أوصت دراسة اقتصادية بفتح الباب أمام تخصيص بعض الخدمات الصحية في السعودية نظرا للجدوى التي ستعود على هذه القطاعات بشكل خاص وعلى القطاع الصحي على وجه العموم مما سيمكن من التوسع في دعم القطاع الخاص وتشجيعه وزيادة المرافق الصحية التي يقوم بتشغيلها بآلية السوق خاصة، مع تطبيق برنامج الضمان الصحي التعاوني. كما سيرفع هذا التخصيص من مستوى التنسيق والتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص بهدف بلورة مجالات جديدة للتمويل الملائم والاستثمار في تقديم الخدمات الصحية. علاوة على إمكانية تخصيص بعض الخدمات الصحية مثل تنفيذ عمل الأطباء الاستشاريين السعوديين في غير أوقات الدوام الرسمي، والنظر في تحويل ملكية بعض المستشفيات العامة التي تملكها الدولة الى القطاع الخاص خاصة المستشفيات القديمة التي تتدنى فيها الكفاءة الإنتاجية وترهق ميزانية الوزارة.

وتستعرض الدراسة، التي انجز بها الدكتور عبد الرحمن بن حمد الحميضي مستشار وزير الصحة، المشرف العام على إدارة اقتصاديات الصحة، الوضع القائم حاليا حيث يشارك القطاع الخاص مع الحكومة في تقديم بعض الخدمات الصحية للمواطنين مثل إنشاء المراكز الصحية الأولية والمستشفيات وعقود التشغيل والصيانة للمرافق الصحية التابعة للوزارة. كما يقوم القطاع الخاص بتقديم الخدمة الصحية عن طريق المرافق الصحية التي يملكها مقابل أن تقوم الوزارة بمراقبة المستويين الطبي والمهني، إلا أن مشاركة القطاع الخاص حاليا في تمويل هذا القطاع الحيوي تبلغ 19 % في حين يتولى القطاع الحكومي توفير 81 % من إجمالي التمويل.

ولقد قدر حجم الإنفاق الإجمالي على الخدمات الصحية العام الماضي بـ30.3 مليار ريال (8.1 مليار دولار)، ويشكل الإنفاق على الخدمات الصحية بالسعودية حوالي 4.8 % من حجم الناتج المحلي للسعودية كما يبلغ الإنفاق على الخدمات الصحية على الفرد السعودي حوالي 515 دولاراً.

ويتوقع الدكتور الحميضي في دراسته ،التي نشرها مركز النشر الاقتصادي في نشرته الأخيرة، أن يرتفع حجم الإنفاق الكلي على الخدمات الصحية لعام 2020 من قبل الدولة على القطاع الصحي العام (وزارة الصحة بالإضافة الى القطاعات الحكومية الأخرى) الى 45.4 مليار ريال تقريبا (12.1 مليار دولار)، والتي تم احتسابها على أساس متوسط الزيادة السنوية في اعتمادات وزارة الصحة البالغة 4.65% للسنوات العشر السابقة وتوقع استمرارها في العشر سنوات التالية. وعليه يتوقع أن يزداد حجم الإنفاق الحكومي الخاص بنفس نسبة الزيادة السكانية والتي تقدر بـ 56.6% عام 2020م. كما سوف يزداد حجم إنفاق القطاع الخاص بنسبة 75% خلال العقدين المقبلين.

على أن هناك توقعات بان تفوق الاعتمادات المالية المطلوبة هذه التقديرات إذ أن التطور المتسارع في الخدمات الصحية يصاحبه تصاعد في التكاليف بسبب العديد من العوامل مثل زيادة الطلب الناشئ من الزيادة المستمرة في عدد السكان، والتغير في نمط الأمراض غير السارية كأمراض القلب الوعائية والسكري والسرطان والشيخوخة والفشل الكلوي وإصابات الحوادث. كما يتوقع أيضا ازدياد المشاكل الطبية التي تتطلب رعاية طويلة، علاوة على ضرورة الاستخدام المتنامي لأحدث التقنيات الطبية وارتفاع التكلفة الرأسمالية لإنشاء المرافق الصحية والأجهزة والمعدات مع ارتفاع أجور العاملين.

ولذا تخلص الدراسة الى ضرورة مراعاة النواحي الاقتصادية عند الأخذ بأي من بدائل التمويل وصولا للأهداف المبتغاة بكفاءة وفاعلية وبأقل تكلفة ممكنة مع المحافظة على جودة الخدمة الصحية. ولضمان تحقيق ذلك قسمت الدراسة البدائل المتاحة لتمويل الخدمات الصحية الى قسمين: الأول يندرج تحت السياسات الجزئية التدريجية التي تعمل على زيادة كفاءة الرعاية الصحية الأولية من خلال تجميع المراكز الصحية وإعادة توزيعها طبقا للاحتياجات الفعلية والكثافة السكانية، والحصر الدقيق للاحتياجات. مع عدم التوسع العشوائي في إنشاء المستشفيات مع إقامة مراكز العناية المخفضة/ التمريضية لامراض الشيخوخة، واستخدام البطاقات الضوئية التي تشمل كافة المعلومات عن المريض مما يحد من تكرار المراجعة، وإجراء العمليات الجراحية البسيطة وخروج المريض في نفس اليوم، وترشيد استعمال الدواء والأخذ بأسلوب الشراء التأجيري للأجهزة ذات الطبيعة المتخصصة واجتناب الازدواجية عن طريق التنسيق بين مقدمي الخدمات الصحية.

أما القسم الثاني لبدائل التمويل، الذي تراه الدراسة، فانه يضم السياسات الشاملة والتي تعتمد على الضمان الصحي باعتباره أحد أساليب تمويل الخدمات الصحية سواء كان الآلية الرئيسية أو آلية مكملة، وقد تشكل الإيرادات المحصلة مقابل الاستفادة من مستشفيات وزارة الصحة رافدا ماليا جيدا يضاف الى ما يخصص للوزارة من الميزانية العامة للدولة. كما أن تقديم الخدمات الصحية للمواطنين مقابل رسوم يدفعها المستفيد عند تقديم الخدمة يعد من سياسات الإصلاح الشاملة للنظام الصحي ومن ابرز مصادر التمويل للخدمات الطبية.

ومن جهة أخرى أشار الدكتور الحميضي في دراسته، الى أن استمرار تقديم خدمات صحية مميزة يمثل تحديا للأجهزة الصحية في السعودية في ظل النمو السكاني الذي ينمو بمعدل أسرع من نمو الخدمات الصحية، ولذا تضمنت دراسته استراتيجية مقترحة لتطوير القطاع الصحي السعودي تعتمد على عدة محاور أساسية هي: الرعاية الصحية، إدارة المرافق الصحية وتشغيلها، تمويل الخدمات الصحية، تنمية القوى العاملة، وتطوير النظام الصحي وهيكلته.