سنغافورة: الطبقة الفقيرة تتسع مع تناقص فرص العمل وتراجع النمو الاقتصادي

رخص العمالة في الصين يغري الشركات بإقفال نشاطاتهم في سنغافورة بسبب ارتفاع كلفة المعيشة

TT

سنغافورة ـ رويترز: لا تندرج سينثيا جوه على قائمة الفقراء، فهي تعيش في شقة من غرفتين وان كانت مكدسة في سنغافورة، اكثر دول جنوب شرق اسيا ثراء، أثاثها حديث وتستمتع بجهاز استقبال القنوات الفضائية التلفزيونية.

ولكنها حامل في طفلها الثاني ودون عمل.. جزء من طبقة فقيرة يتزايد عددها سريعا وبالكاد تعيش فوق خط الفقر في دولة تتميز بارتفاع مستوى المعيشة.

وارتفعت نسبة الذين يكسبون اقل من 400 دولار سنغافوري (200 دولار أميركي) شهريا بمقدار 40 في المائة منذ ان ضربت ازمة مالية المنطقة في 1997 ليبلغ عددهم 180650 عاملا في عام 2002 أو نحو تسعة في المائة من القوة العاملة كما تظهر الارقام الحكومية.

وتقول بيانات وزارة القوى العاملة ان هذا يزيد اربعة مرات عن معدل النمو في سنغافورة في نفس الفترة.

قال جوزيف تان الاقتصادي في بنك ستاندرد تشارترد «عدد كبير من الناس يندرجون تحت هذه الشريحة من الدخل».

وربما تكون جوه أفضل حالا اذ تعيش على 1100 دولار سنغافوري، دخل زوجها الشهري من اصلاح اجهزة تكييف الهواء اي ثلث متوسط المرتب الشهري في سنغافورة.

ولكن لانها غير متعلمة اذ تركت الدراسة في وقت مبكر وليست لديها أية مهارة فانها غير لائقة لسوق العمالة الذي يواجه أسوأ وضع منذ 17 عاما في بلد يتميز بأنه يضم احدى اكثر القوى العاملة ثقافة في العالم.. ولكن سائقي سيارات اجرة ومديرو مصانع في وسط العمر يفقدون اعمالهم.

قالت جوه «انني اتساءل هل باستطاعتنا تربية الطفل الجديد. لم أدرك ان الوضع بهذه الصعوبة».

وبعد ثلاثة عقود من الازدهار في سنغافورة ذات الاربعة ملايين نسمة يعيش مديرون في خوف من فقدان وظائفهم.

وارتفعت نسبة البطالة الى أكثر من الضعف بعد ان كانت اثنين في المائة في بداية التسعينات حيث نقلت شركات متعددة الجنسيات ومؤسسات للصناعات التحويلية الوظائف والانتاج الى الصين ودول اخرى نفقات الانتاج فيها أقل مثل ماليزيا والهند.

وبلغ عدد العاطلين في سنغافورة حاليا نحو 90 الف شخص.

وفي الاسبوع القادم ستنشئ جماعة منع الانتحار «سامريو سنغافورة» خطا تليفونيا مخصصا لخدمة العاطلين فقط بعد تلقيها سيلا من الاتصالات من مكتئبين فقدوا وظائفهم.

وأشار الدكتور أدريان وانج من معهد الصحة النفسية الى ان نحو ثلاثة ارباع مرضاه يشكون من اعراض لها صلة بالبطالة.

قال «مرضى كثيرون يشكون من الاكتئاب والقلق والضغط العصبي وأعراض اخرى لها صلة بالبطالة».

وتشكل مواجهة قلق المواطنين من البطالة أو خفض الاجور تحديا رئيسيا لحزب العمل الشعبي الحاكم الذي يقوم على ميثاق اجتماعي بتوفير ميزات اقتصادية مقابل بقاء حكومة شبه سلطوية في الحكم.

وأثار تعديل لنظام التقاعد وخفض الاجور بنسبة ثلاثة في المائة انتقادات غير مسبوقة على صفحات الرأي في جريدة ستريتس تايمز الواسعة الانتشار التي يقبل على قراءتها اغلب سكان سنغافورة.

قال الاقتصادي العمالي شيو سون بنج من جامعة نانيانج للتكنولوجيا «من منظور تاريخي واضح فان هذا شيئاً جديد علينا». ويتوقع ان تلجأ الحكومة الى تقليص حجم العمالة الاجنبية.

وجزء كبير من المشكلة يرجع الى الصين. ومن اجمالي عدد الوظائف التي ألغيت في سنغافورة النصف وسببه انتقال شركات الى الصين.

ويمكن القول ان سنغافورة ايضا ضحية نجاحها الاقتصادي.

بين السبعينات والتسعينات كانت هذه الجزيرة عملاق اسيا الاقتصادي بمتوسط نمو ثمانية في المائة سنويا. وقالت الايكونوميست ان نفقات المعيشة في سنغافورة تكاد تنافس لندن.

ويبلغ اجر عامل المصنع في سنغافورة الان 7.14 دولار اميركي في الساعة بالمقارنة مع 53 سنتا في الصين و2.86 دولار اميركي في ماليزيا كما جاء في تقرير للجنة استعراض الاحوال الاقتصادية.

وبعد انتشار فيروس التهاب الجهاز التنفسي الحاد «سارس» اصيبت سنغافورة بأكبر انكماش في الفترة من ابريل (نيسان) الى مايو (ايار) والذي دفعها الى حافة ثالث كساد في خمس سنوات وسلط الاضواء على هشاشتها في الاسواق العالمية.

ومنظر متسولين ينامون في الشوارع نادر في سنغافورة. والشوارع نظيفة و90 في المائة من السكان يعيشون في بيوت مدعومة من الحكومة تتكون من غرفتي نوم الى ثلاث غرف في مجمعات مزدجمة بالسكان، وحتى الذين لا بيوت لهم يوفرها مجلس تنمية الاسكان التابع للدولة، فان لجنة خدمة العائلات تزودهم بمعونات مالية.