منظمة التجارة العالمية: أربع سنوات من الجدل والاضطرابات

المنظمات غير الحكومية والمناهضون للعولمة يعدون للتظاهر خلال اجتماعات كانكون

TT

شهدت منظمة التجارة العالمية اربع سنوات من الاضطرابات تخللها الكثير من التشكيك فضلا عن اختراقات عدة سمحت باطلاق جولة جديدة من المفاوضات. ففي خريف العام 1999 كان يتم الاعداد لمؤتمر سياتل في مقر منظمة التجارة العالمية في اجواء محبطة. الاوضاع الدولية لم تكن سيئة كثيرا لكن التعبئة كانت متفاوتة. راحت الدول النامية تمارس الضغوط معربة عن استيائها من نتائج الجولة السابقة من المفاوضات، جولة اوروغواي. والوثيقة المعروضة على المفاوضين كانت طويلة ومبهمة وغير كاملة. وشكل ذلك المؤتمر الذي نظمته اكبر قوة اقتصادية في العالم في مدينة تحتضن شركات مثل بوينغ ومايكروسفت، فشلا مدويا. ولم يكن ذلك عائدا الى المتظاهرين المناهضين للعولمة الذين حاصروا مركز المؤتمرات فقط، بل ايضا الى موقف الدول الفقيرة الرافضة لاتخاذ تعهدات جديدة. ومنذ سياتل كان ملف الزراعة حجر العثرة الرئيسي بين الدول الصناعية. وفي مطلع العام 2000 كان العمل في المنظمة معطلاً وقد غرقت في ازمة ثقة كبيرة بعد ست سنوات على تأسيسها. واحتاج احياء العمل فيها الى اشهر طويلة. وبوشرت عندها من دون اقتناع كبير، مفاوضات حول تحرير الزراعة والخدمات. لكن على مر الشهور ظهرت ارادة جديدة على التفاوض مع تدهور الاوضاع الاقتصادية في العالم. في سبتمبر (ايلول) 2001، هزت اعتداءات في نيويورك وواشنطن، الولايات المتحدة والعالم باسره. وللمفارقة، اعتبر محللون ان هذه المأساة ساهمت في رص الصفوف بين الدول الاعضاء في منظمة التجارة العالمية، وفي التوصل الى تسوية في اللحظة الاخيرة في مؤتمر الدوحة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001. واطلقت جولة جديدة من المفاوضات تحت اسم «برنامج الدوحة للتنمية» على ان ينجز في نهاية العام 2004.

التنمية كانت الهدف الرئيسي في هذا البرنامج الطموح في وقت تعهد فيه الاتحاد الاوروبي خفض الدعم لصادراته الزراعية استعدادا «لرفعها التدريجي». واقر في الدوحة اعلان يخفف من نظام براءات الاختراع للادوية للسماح للدول الفقيرة بانتاج ادوية بديلة «جينيريك» لمواجهة الاوبئة التي تضربها. واثار هذا اعلان املا وانفراجا كبيرين. وخلال هذا المؤتمر حصل الاتحاد الاوروبي على وعد بان تكون ملفات البيئة والاستثمار والمنافسة موضع مفاوضات ويفترض ان يتأكد ذلك خلال مؤتمر كانكون المقبل.

وشهد مؤتمر الدوحة ايضا انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية. وبعد سنة على ذلك سلم النيوزيلندي مايك مور رئاسة المنظمة الى التايلاندي سوباشاي بانيتباكدي وبدأت حينها المفاوضات بشأن عشرة مجالات تقريبا في اجواء بناءة. لكن الاختلافات اعمق من اي وقت مضى.

فان على صعيد النسيج او الاسماك او حتى القطن والسكر كانت الدول النامية تصر على اخذ مصالحها المهملة في الاعتبار وذهب بعضها الى اعتماد موقف راديكالي رافض. ومرت مهل عدة حددت في الدوحة من دون التوصل الى تسوية. في ديسمبر (كانون الاول) نسفت الولايات المتحدة اتفاقا كان يهدف الى السماح للدول الفقيرة التي لا تنتج ادوية باستيراد ادوية باسعار مخفضة مع احترام براءات الاختراع.

وتبقى الزراعة الموضوع الذي يقسم اعضاء المنظمة بسبب الدعم الرسمي والدعم الخارجي والمنافسة بين دول الجنوب من جهة ودول الشمال والجنوب من جهة اخرى فضلا عن الخفض التدريجي او الجذري للرسوم. لكن التسوية حول اصلاح السياسة الزراعية المشتركة ضمن الاتحاد الاوروبي المعلنة في يونيو (حزيران) في لوكسمبورغ والمبادرة بين الاوروبيين والاميركيين في منتصف اغسطس (آب) لخفض الدعم، قد حملت بارقة امل.

ويتوقع ان تشدد المنظمات غير الحكومية والناشطون المناهضون للعولمة مرة جديدة على تأثير تحرير المبادلات على اقتصاد دول الجنوب بمناسبة المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية الذي يعقد في كانكون المكسيك منتصف سبتمبر (ايلول) الحالي. واعلنت حوالى الف منظمة غير حكومية دولية ونقابات وجمعيات عن حضورها الى كانكون على هامش الاجتماع الوزاري «دعما» لاكثر الدول فقرا في العالم فضلا عن نزولها الى الشارع لمواصلة عملية «التوعية الشعبية» حول «مساوئ» منظمة التجارة العالمية.

وتفيد عدة منظمات غير حكومية ان تظاهرات كانكون «قد يشارك فيها عشرات الالاف من الاشخاص» لديهم مطالب مختلفة تتراوح بين «احلال الديمقراطية» في منظمة التجارة العالمية و«الغائها» نهائيا. ويحلم البعض منهم بـ«تكرار ما حصل في سياتل» في اشارة الى مؤتمر منظمة التجارة العالمية العام 1999 الذي اصيب بالشلل ومن ثم علق من دون اصدار اعلان نهائي بسبب التظاهرات الضخمة في الشوارع الامر الذي سلط الاضواء في تلك الفترة على منظمة كانت حتى ذلك الحين غامضة وغير معروفة تماما.

ويأمل البعض الآخر ببساطة «الاستمرار في تسليط الضوء على دور منظمة التجارة العالمية وطريقة عملها التي تصب دائما من خلال المفاوضات المتتالية، في مصلحة الدول الغنية وشركاتها عبر القضاء على الاقتصادات المحلية» على ما توضح آنيك جانتيه المسؤولة عن الحملات في جمعية «اوكسفام فرنسا».

وتقول مصادر في الاتحاد الاوروبي ان «تعبئة المناهضين للعولمة كانت مفيدة نوعا ما لانها دفعت منظمة التجارة العالمية الى معالجة مسائل تهم الدول النامية» مشددة في الوقت ذاته على ان «مواقفهم ليست بناءة».

وخلافا لذلك تعتبر الحركات المناهضة للعولمة ان جولة المفاوضات التي اطلقت في مؤتمر الدوحة العام 2001 واطلق عليها اسم «برنامح الدوحة للتنمية»، «عملية غش» فعلية على ما يفيد بعضها.

وتقول آنيك جانتيه «في الدوحة تعهدت الدول الغنية القيام بخفض فعلي للدعم على الزراعة وهو دعم يؤدي الى افلاس مزارعي دول الجنوب وتسهيل حصول الدول الفقيرة من دون اي قيود على الادوية البديلة لكنها لم تفعل ذلك». وتضيف «رغم ذلك لا تزال تراعي مصالحها الخاصة وتريد الحصول من الدول النامية في كانكون على تسريع تحرير الخدمات وبدء مفاوضات حول الاستثمار والمنافسة التي تنذر بتفكيك المرافق العامة». وهذا يقلق المنظمات غير الحكومية الدولية التي «تأمل ان تنجح الدول النامية في توحيد الصفوف للدفاع عن مصالحها في كانكون».

ويرى خبير الاقتصاد التايلاندي مارتي كور مدير الشبكة الدولية «ثيرد وورد نتوورك» غير الحكومية ان «تطبيق قرارات منظمة التجارة العالمية يطرح مشاكل كبيرة على الدول النامية» شاجبا «الضغوطات التي تمارسها دول الشمال على مندوبي دول الجنوب في منظمة التجارة العالمية». وفي وجه مؤيدي منظمة التجارة العالمية الذين يؤكدون ان «التجارة هي النمو» تشدد المنظمات غير الحكومية على ان جولات التحرير المتتالية لم تمنع حصول زيادة في التفاوت والتباين على مستوى العالم باسره كما يشهد على ذلك التقرير الاخير لبرنامج الامم المتحدة للتنمية الذي يدعو الى سياسات تنمية تتمحور على توزيع اكثر عدلا للثروات.

ويقول بيدرو مونوز من الحركة الفلاحية البرازيلية «بلا ارض» العضو في المنظمة الدولية «فا كامبيسينيا» التي ستحشد ناشطيها المحليين في كانكون «ضد منظمة التجارة العالمية واتفاقات التبادل الحر في القارة الاميركية التي تروج لها الولايات المتحدة»، «في كانكون سنناضل من اجل المحافظة على مواردنا الزراعية والطبيعية في مواجهات الشركات الاجنبية الكبيرة». منظمة التجارة العالمية هيئة تكاد تكون عالمية.