السعودي البريطاني: القوى الطبيعية لسوق العمل قادرة على علاج البطالة

تراجع متوسط أجور الذكور 15 في المائة والإناث 22 في المائة خلال 7 سنوات وارتفاع منسوبي المعاهد الفنية 12 في المائة في عام واحد

TT

تشير نشرة اقتصادية حديثة صادرة حديثا عن البنك السعودي البريطاني الى ان سلبيات سوق العمل السعودي يمكن علاجها على المدى الطويل وذلك بخلق سوق عمل اكثر تحررا، كما ان مشكلة البطالة وموضوع السعودة تتم معالجتها في الوقت الحاضر بواسطة القوى الطبيعية لسوق العمل، والتي تتمثل في هبوط الفروق في الأجور بين العمالة السعودية وغير السعودية مع ازدياد العرض في العمالة السعودية نسبة إلى الطلب، فقد هبط متوسط أجور السعوديين في الفترة من 1995ـ 2001 بنسبة 15 في المائة بالنسبة للذكور و22 في المائة بالنسبة للاناث. وكنتيجة لذلك تقلص فارق الاجور بنسبة كبيرة كما اصبح المواطن السعودي حاليا مستعدا لقبول رواتب أدنى مقابل الحصول على العمل، بل ربما يكون ايضا بسبب إعادة توزيع انواع الوظائف على مدى السنوات السابقة مع قبول السعوديين مهنا اقل مهارة. ويتضح ذلك الى حد ما من خلال مقارنة الأجور حسب الخلفية العلمية في الفترة 1996 ـ 2000 حيث يتضح تقلص فوارق الاجور بين السعوديين وغير السعوديين فقد هبطت فوارق الأجور بالنسبة لحاملي الشهادة الثانوية بنسبة 20 في المائة وهذا الهبوط قابله هبوط مماثل في فروقات الاجور بالنسبة للخريجين الجامعيين.

كما ان هناك بعض التغيرات الرئيسية بالنسبة للتعليم الفني والتدريب المهني اذ ان المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني تطبق الآن برنامجا اصلاحيا بمساعدة شركة الطائرات البريطانية من خلال برنامج التوازن الاقتصادي، حيث تم حتى الآن تحديد اكثر من 250 مهنة، وتم الانتهاء من توثيق معايير التدريب لحوالي نصف تلك المهن، ونتيجة لذلك البرنامج فقد ارتفع معدل انتساب الطلاب الجدد للكليات ذات العلاقة، ففي عام 2000 بلغ عدد المنتسبين الى دورات التعليم الفني 23449 بينما نما ذلك الرقم الى 26535 في عام 2001، ونمى اجمالي عدد الطلاب المنتسبين إلى 56522 طالبا وهي زيادة تقدر بحوالي 12.4 في المائة، ومع اعتماد مستويات التدريب الجديدة وتحديد مسارات أوضح للتعليم الفني بهدف التوظيف في القطاع الخاص فسوف يتم تعزيز توظيف السعوديين في المهن الفنية بشكل قوي.

وتؤكد «النشرة الاقتصادية السعودية» الدورية ـ الصادرة عن الربع الثالث من العام الحالي ـ انه من المبكر القول بان سوق العمل السعودي سوف يتصحح إذا ما تم توظيف أعداد كبيرة من السعوديين الا ان هناك دلائل بدأت تظهر بأن قوى العرض والطلب بالنسبة للعمالة السعودية بدأت تفرض نفسها على السوق. وعلى الرغم من هذا التفاؤل فان النشرة لم تتجاهل بعض الخصائص السلبية التي مازال يعاني منها سوق العمل السعودي والتي منها عدم وفاء التعليم والتدريب باحتياجات القطاع الخاص حتى الآن، انخفاض مستوى إنتاجية العمالة السعودية عن مستوى إنتاجية العمالة الاجنبية بشكل عام، ارتفاع فوارق الأجور في مختلف فئات العمل حيث كانت أجور السعوديين اكثر ارتفاعا. بالاضافة الى ان انظمة سوق العمل تحمي السعوديين اكثر مما تحمي العمالة الاجنبية مما يجعل القطاع الخاص اقل حماسا لتوظيف العمالة السعودية، في حين يوفر القطاع العام ملاذا آمنا للعمالة السعودية ويمنحها أجورا مرتفعة ومميزات مغرية، بالاضافة الى الخلفيات الثقافية التي تجعل بعض الأعمال غير محببة للسعوديين وعدم معالجة دور المرأة كقوى عاملة. وتشير النشرة الى عدد من المؤثرات الايجابية المشجعة بشكل عام والتي تبشر خيرا للفترة المتبقية من العام الحالي وعام 2004 والتي منها تواصل القوة العالية لأسواق البترول حتى منتصف عام 2003 حيث حافظت الاسعار على معدلات أعلى مما كانت عليه في النصف الأول من عام 2002، علاوة على ارتفاع الانتاج والصادرات البترولية الى 9.4 مليون برميل في اوائل عام 2003 وهو مستوى يزيد عن الحصة المقررة للسعودية والتي تبلغ اكثر من 8 ملايين برميل يوميا. وعلى الرغم من هبوط ثقة المستهلكين نتيجة للحرب على العراق الا ان السيولة المحلية بقيت مرتفعة على خلفية ارتفاع ارباح الشركات، وبناء على هذه المعطيات فان النمو الاسمي لإجمالي الناتج المحلي يفترض ان يتجاوز 8 في المائة لعام 2003 بسبب نمو الانتاج البترولي في حدود 10 في المائة عام 2003، أما بالنسبة لعام 2004 فان الانكماش المتوقع للقيمة المضافة لقطاع البترول في عام 2004 سيؤدي الى هبوط النمو الاسمي لاجمالي الناتج المحلي الى حوالي 1.5 في المائة في السنة المقبلة.

كما يواصل القطاع الخاص غير البترولي ازدهاره بالتوازي مع قطاع البترول، حيث يكون النمو العام للقطاع الخاص في حدود 3.8 في المائة عام 2003، مدعوما بعدد من العوامل منها السيولة المحلية ونمو الائتمان لتمويل القطاع الخاص، نمو ارباح الشركات والانتقال الى المزيد من الخصخصة والتحرير الاقتصادي والتطورات المرتبطة بالاستثمارات الاجنبية.

وعلى جانب آخر تتوقع نشرة السعودي البريطاني ان تصل المصروفات الحكومية لعام 2003 إلى 232 مليار ريال (61.9 مليار دولار) والإيرادات الحكومية إلى 235 مليار ريال (62.7 مليار دولار) مخلفة بذلك فائضا قدره 3 مليارات ريال ( 0.8 مليار دولار). أما عن العام 2004 فانها تتوقع نظرا للهبوط المحتمل لأسعار البترول ومتوسط الانتاج اليومي والصادرات في عام 2004 ان تبلغ المصروفات الحكومية 225 مليار ريال (60 مليار دولار) وان تكون الإيرادات الحكومية 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار)، مخلفة بذلك عجزا ماليا هامشيا بواقع 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار).

كما يفترض أن يتجاوز النمو الفعلي لإجمالي الناتج المحلي في عام 2003 نسبة 4 في المائة وذلك على أساس زيادة الناتج البترولي وقد تصل الارقام الحالية الى 6 في المائة. وفيما يتعلق بميزان المدفوعات فتتوقع النشرة ارتفاع فائض الحساب الجاري الى 60 مليار ريال (16 مليار دولار) عام 2003، الا انه سوف يعاود الهبوط إلى حوالي 40 مليار ريال (10.7 مليار دولار) عام 2004 وهذا الوضع التجاري الايجابي يعود لارتفاع قيم الصادرات الى أكثر من 250 مليار ريال (66.7 مليار دولار) مقابل تباطؤ ملحوظ في نمو الواردات المنظورة الى اقل من 4 في المائة في السنة لتصل الى حوالي 125 مليار ريال (33.3 مليار دولار) في عام 2003، ويعد هذا الفائض التجاري المنظور والذي زاد عن 130 مليار ريال (34.7 مليار دولار) اكثر من كاف لمقابلة العجز في الخدمات والتحويلات.

وترى النشرة انه من العوامل التي تعزز الصورة المشرقة للاقتصاد السعودي (باستثناء ارتفاع الدين العام) مستوى التضخم والذي واصل انخفاضه على مدى اكثر من 7 اعوام، على الرغم من النمو القوي لأرقام عرض النقود لعام 2002 وأوائل عام 2003 والذي يعتبر في الاقتصاديات الاخرى اشارة الى تزايد معدلات التضخم. فخلافا للتوقعات فقد هبط مؤشر أسعار واردات التجزئة بحدود 4 في المائة على مدى 6 سنوات مع الأخذ في الاعتباران اقتصاد السعودية اقتصاد مفتوح وان الاقتصاد الداخلي منافس جدا مما يضغط على الأسعار هبوطا. كما ان تضخم الاجور ظاهرة غير موجودة في سوق العمل السعودي مما يجعل الضغوط على الأسعار من هذه الناحية قليلة خلافا لمعظم الاقتصاديات الغربية. ومن هذا المنطلق تتوقع النشرة هبوط الاسعار في عام 2003 مرة اخرى بحدود 1 في المائة كما تفترض ايضا حصول هبوط مماثل في الاسعار في عام 2004 ما لم يحصل تغير مفاجئ في النظام النقدي الحكومي.