الأخطار في تضخيم علاوة الإصدار

عبد الرحمن إبراهيم الحميد*

TT

شهدت بيئة الأعمال في الوطن العربي اجتياح الموجة العالمية لتحويل المنشآت التجارية العائلية من ملكية خاصة إلى ملكية عامة عن طريق تحويلها إلى شركات مساهمة وطرح جزء منها، أو كلها، لاكتتاب العامة، وهو ما يعرف بالطرح العام ألاولي IPO. ويعتبر هذا التوجه صحياً من الناحية الاقتصادية، وذلك لمنافعها الايجابية المتعددة والتي منها توسيع قاعدة الاستثمار وتنمية المدخرات في المجتمع وكذلك فصل الملكية عن الإدارة وما يترتب عليه من احتراف ومهنية وزيادة في الكفاءة والفعالية، بالإضافة إلى مساهمتها في إيجاد فرص وظيفية محترفة. ولجني ثمار هذه الموجه شجعت الكثير من الدول المنشآت العائلية للتحول إلى منشآت ذات ملكية عامة وقامت في نفس الوقت بوضع أسس رقابية لتنفيذ هذا التحول بكل سهولة وحرفية.

ويشترك عادة في عملية تحويل المنشآت العائلية إلى منشآت ذات ملكية عامة ثلاثة اطراف على الأقل، هم المالك الأصلي، الجهة الرقابية وهي الدولة، والمستثمر. فبالنسبة للمالك الأصلي، فقرار التخلي عن ملكية المنشأة أو جزء منها للعامة يتأثر بعوامل مهنية وعاطفية، فقيمة المنشأة بالنسبة للمالك الأصلي كالجمال، عالية في نظر صاحبها. لذا فإن من الطبيعي أن يطالب المالك الأصلي للمنشأة بقيمة عالية مقابل التخلي عن الملكية أو جزء منها. أما بالنسبة للمستثمر، فعادة ما يقبل بالقيمة التي تحددها الجهة الرقابية لكون اغلب من في المنطقة العربية لا يتوفر لديهم الوعي المالي الجيد وعدم قدرة بعضهم في الوصول إلى قيم عادلة للملكية التي سوف يقومون بشرائها. ونتيجة لذلك، فقد توسع دور الجهات الرقابية من مجرد التوثيق لعملية تحول الملكية والاكتتاب إلى التركيز على حماية المستثمر الجديد. ويتم ذلك عن طريق التأكد من اللجوء إلى المهنيين المتخصصين في التقييم والذين بدورهم يقومون بتقييم المنشآت قبل طرحها للبيع باستخدام طرق تقييم متعارف عليها عالمياً كطريقة التدفقات النقدية المخصومة DCF، وطريقة مضاعف القيمة الدفترية BVM، وطريقة رسملة السعر على الربحية PER، وغيرها من الطرق المنتجة عادة لسعر السهم المقترح والمكون من جزءين، إسمي وعلاوة إصدار.

ومن هنا، يبدو جلياً أن عدالة تحديد القيمة تناط بشكل أساسي في مجتمعنا العربي على كاهل الجهة الرقابية وذلك لأن عاطفة المالك الأصلي تنتج قيما مبالغا فيها، واعتماد المستثمر في قراره على حماية الجهة الرقابية. وأن أي خلل في الإجراءات الرقابية أو تنفيذها سينعكس على عدالة القيمة المحددة وعدم عدالة علاوة الإصدار المضافة على القيمة الاسمية والتي سيدفعها المستثمر للمالك الأصلي. إلا أنه يجب التنبه إلى أنه مهما كانت الإجراءات الرقابية حازمة ومهما كان تنفيذها دقيقاً، إلا أن بعض الملاك الأصليين يمارسون طرقا كثيرة للالتواء على الإجراءات الرقابية، وذلك لتضخيم قيمة الملكية، وبالتالي الحصول على علاوة إصدار أعلى من قيمتها العادلة. وربما اعتقد البعض أنه بهذا العمل قد حقق نجاحاً آنيا بجنيه أرباحاً رأسمالية. ويعتقد ان قبول المجتمع بالقيمة المبالغ فيها هو تقدير للإنجازات التاريخية لشركته العائلية. ولكن العبر المأخوذة من التجارب السابقة في عالمنا العربي وفي العالم بشكل عام، تثبت خطأ هذا التوجه وتبين أن المالك الأصلي بتضخيمه لقيمة شركته فكأنما «يخطف عينه بيده». وتكمن مخاطر تضخيم علاوة الإصدار على الاقتصاد ككل في أن تراكم الخبرة لدى المستثمر حول عدالة القيمة لمنشآت سبق الاستثمار فيها بعلاوة إصدار مبالغ فيها ستؤثر سلباً على قراره بخصوص عدالة القيمة للمنشآت التي تطرح أسهماً للمرة الأولى. وهذا يكون قناعات سلبية لدى جموع المستثمرين، مما قد يؤدي إلى فشل عمليات الطرح الأولي للأسهم وما ينطوي على ذلك من تعطيل عمليات التحويل والتخصيص، وانعكاسه سلباً على الاقتصاد الوطني ككل.

أما بالنسبة للمالك الأصلي، فإن تضخيم علاوة الإصدار، سيؤدي إلى تنامي ضغوط المستثمرين عليه في المستقبل القريب، لكونه عادة مالك الأغلبية والمدير، لتحقيق عوائد على استثمار الملاك الجدد، تعادل على الأقل، معدل العائد الذي يتوقعه كل منهم لاستثماره. وفي حالة الفشل في تحقيق هذا العائد، فإن سمعة العائلة التي تملك الشركة والتي تحمل الشركة اسمها ستتأثر سلباً.

وباستعراض تجارب عدة لعمليات تحويل شركات عائلية فاشلة في العالم العربي، فإن اللوم يلقى عادة على الجهة الرقابية، وفي واقع الأمر، كما أشرنا سالفاً، فان معظم اللوم يجب أن يقع على المالك الأصلي والطرق التي اتبعها لتضخيم القيمة، وليس كما يتداول لدى العامة بأنه يقع بكامله على الجهة الرقابية.

ولتلافي تضخيم علاوة الإصدار يجب أن لا يكون هناك تعارض في المصالح على المستوى القصير والطويل بين الأطراف الثلاثة، المالك الأصلي، الجهة الرقابية ومن يساندها من موظفين ومحترفين، والمستثمر. وذلك لأن الجميع في سفينة واحدة، ويجب بذل قصارى الجهود من الجميع للوصول إلى القيمة العادلة والتي تعطي المالك الأصلي حقه غير منقوص، وتضمن إدارة الشركة العائلية بحرفية، وتعطي المستثمر العائد المتوقع.

* أستاذ المحاسبة والمراجعة بجامعة الملك سعود ورئيس اللجنة الفرعية لسوق المال بالغرفة التجارية والصناعية بالرياض [email protected]