الملك محمد السادس: المغرب يحظى بثقة المستثمرين رغم مناخ التردد العالمي

خبراء وصناع قرار ورجال أعمال يبحثون في منتجع الصخيرات تأثيرات الإرهاب والنزاعات الثقافية على الاستثمار

TT

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس ان المغرب حافظ على ثقة المستثمرين فيه ويحظى بكامل ثقتهم، رغم حالة التردد التي تطبع اوضاع الاستثمار في العالم بأسره نتيجة الاحداث التي يشهدها، موضحا ان اندماج المغرب على الصعيدين الاقليمي والعالمي وانفتاح السوق المغربي شجع كبريات الشركات العالمية للاستثمار، مشيرا الى ان هذا العام يجسل تحسنا ملحوظا في التوازنات الاقتصادية الكبرى والاستثمارات في البلاد.

واكد الملك محمد السادس في رسالة وجهها الى المشاركين في ملتقى اقتصادي عالمي يعقد تحت شعار «الاستثمار والثقافات والحضارات: العلاقة والتأثير» ان المغرب اختار نهج الاندماج على الصعيد الاقليمي والعالمي. وقد تلى الرسالة محمد القباج، مستشار الملك محمد السادس، امام زهاء 500 شخصية اقتصادية بينهم صناع قرار ورجال اعمال وخبراء ومسؤولون في مؤسسات مالية واقتصادية دولية وعربية.

واوضح العاهل المغربي مسارات الاندماج التي يلجها المغرب، مبرزا ان بلاده اختارت نهج الاندماج المغاربي على اسس سليمة ووحدوية، وعلى صعيد الشراكة مع اوروبا التي قال انها ستتحول الى شراكة نموذجية، كما ان المفاوضات الجارية حاليا بين المغرب والولايات المتحدة ستتوج بتوقيع اتفاق للتبادل الحر. واضاف ان منطقة التبادل الحر التي شكلها المغرب مع عدد من الدول العربية على اساس اعلان اغادير في طريقها لتصبح قطبا حقيقيا للمستثمرين.

وابرز ان الاصلاحات التي يتم تنفيذها في المغرب تسير وفق رؤية شمولية للاصلاح الديمقراطي والمؤسساتي والاقتصادي، وهي اصلاحات نابعة من منظور ليبرالي بدأ تطبيقه مبكرا في المغرب، وتستند الى التعاليم الاسلامية. واشار الى ان قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان تجد مرجعيتها في الدين الاسلامي الحنيف، وهي تشكل نهج المغرب في مختلف الميادين.

وشدد العاهل المغربي على العلاقة الوثيقة بين العمل الاستثماري والبعد الثقافي للتنمية، مبرزا ان اي مشروع للتنمية بمفهومها الشامل يظل رهينا بمنظومة القيم السائدة التي ينجز في اطارها. واضاف قائلاً: «اذا كانت هذه المنظومة منفتحة على المستقبل، مستنهضة للهمم بفضل الرسالة السامية التي تحملها، فانها ستفضي دون ريب الى تعبئة الطاقات المتوفرة والاستفادة من كافة الامكانات التي تزخر بها كل امة».

وحذر الملك محمد السادس من التقوقع في ثنايا الماضي والاعتماد على المفاهيم الرجعية الغابرة التي تبث روح الاحباط والجمود وانحطاط الحضارات.

ودافع العاهل المغربي عن قيم التعدد الثقافي، وقال انه اذا كان من المشروع نبذ المحاولات الداعية للتبعية والتنميط، فانه مع ذلك لا محيد عن التمسك بالقيم الكونية السامية التي تشكل دوما ارثا مشتركا تتقاسمه الانسانية، بغض النظر عن الاختلافات العقائدية والثقافية.

وانطلقت فعاليات الملتقى العالمي للاستثمار، امس، في منتجع الصخيرات السياحي الذي يقع على مسافة 20 كيلومترا جنوب الرباط. ويشكل اول المؤتمرات الدولية التي يحتضنها «مركز محمد السادس للمؤتمرات الدولية» الذي شيدته المؤسسة البريطانية للفنادق والسياحة.

وقال حسن البرنوصي مدير الادارة المغربية للاستثمارات الاجنبية، لـ«الشرق الأوسط» ان اختيار شعار الملتقى، نابع من المتغيرات المختلفة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن وتأثيراتها في صياغة التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي وانعكاساتها على اوضاع اقتصادات البلدان العربية. وابرز ان الاقتصادات العربية وهي تسعى لرسم موقعها في خارطة الاقتصاد العالمي، يجب ان تدرك اهمية الابعاد الثقافية والحضارية في صنع الروابط الاقتصادية والتجارية. واضاف ان عولمة المال والاقتصاد تقتضي مرافقته بعولمة في التبادل البشري والانساني والثقافي بين الشعوب والبلدان.

واشار البرنوصي الى ان ملتقى الاعمال والاقتصاد الذي يفتتح اليوم هو استمرار وتطوير للمنتدى الاقتصادي العربي الاول الذي نظم العام الماضي في الرباط، ولقي نجاحا كبيرا. واعلن ان شبكة وكالات الاستثمار العربية ستعقد اجتماعا على هامش الملتقى لبحث خطة طموحة لتشجيع الاستثمار في العالم العربي ورصد موارد مالية لتمويل حملات ترويجية للاستثمار في الدول العربية انطلاقا من منظور يتوخى التنسيق والتعاون بين الدول العربية في عالم تحكمه التكتلات الاقتصادية.

ومن جهته، قال عبد الكريم بن عتيق وزير التجارة الخارجية المغربي السابق لـ«الشرق الأوسط» ان العالم العربي يواجه حصارا يبدأ من تشويه الاعلام الغربي لصورة العالم العربي وصولا الى تنفير المستثمر الغربي بعيدا عن فهم خصوصية العالم العربي والامكانيات المتوفرة لديه. ودعا بن عتيق الدول العربية الى بذل جهود تواصلية لتوضيح حقيقة الاوضاع العربية وتصحيح صورتها وابراز مظاهر التعايش والاستقرار التي تعيشها المجتمعات العربية، مضيفاً ان نمو الاستثمار يمكن ان يساعد على خلق ديناميكية اقتصادية في العالم العربي من شأنها تطوير اوضاعه وتحسينها. واضاف ان الدول العربية لها جانب من المسؤولية في تشجيع الاستثمار الاجنبي، من خلال تفعيل اصلاحات داخلية جوهرية في الاقتصاد وتوفير مناخ الشفافية والاطار المالي والمصرفي والاداري والقانوني والاجتماعي مثل منظومة العمل، كعوامل مشجعة للمستثمرين. وقال ان كل ذلك يتطلب جهودا عربية للترويج والتعريف بها على صعيد مراكز صنع القرار الاقتصادي والسياسي الدولية.

وبرأي علي باجابر امين عام نادي المستثمرين العرب بالمغرب، فان العالم العربي يتوفر على مقومات ثقافية ودينية وقيمية يتعين على اي مستثمر مراعاتها واعتبارها، وهو منحى يتنامى دوره في تشكيل قرارات وسلوكات كبريات الشركات في العالم. وقال باجابر لـ«الشرق الأوسط» ان العوامل الثقافية تساهم احيانا بشكل سلبي في مناخ الاستثمار مثل ثقافة السلبية وعدم مراعاة المصلحة العامة وغياب ثقافة العمل والمبادرة الحرة، وهي معطيات ثقاقية منتشرة في العالم العربي وتؤثر سلبيا على الاستثمار الذي يواجه نوعا آخر من المشاكل تتعلق بالعوائق الادارية والتعقيدات البيروقراطية. ودعا امين عام نادي المستثمرين العرب بالمغرب الى تظافر جهود الحكومات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص ووسائل الاعلام العربية، لنشر ثقافة ايجابية تشجع الاستثمار. وبرأي باجابر فان احداث الارهاب التي شهدها العالم منذ 11 سبتمبر (ايلول) لم تؤثر بشكل كبير على ظروف الاستثمار في الدول العربية، بل فتحت فرصة لهذه الدول كي تستقطب الاستثمارات العربية الضخمة التي تواجه صعوبات في مناطق اخرى من العالم.