العمالة الرخيصة لا تعني دوما تحقيق ربحية أعلى

مصانع روسية هدفت إلى خفض الكلفة لكنها تعاني من كسل عمال المناطق الريفية وإدمانهم الكحول

TT

ماكساتيخا (روسيا) ـ رويترز: لا زالت القشعريرة تسري في جسد يفغيني ينيوتين حين يتذكر اليوم الذي قرر فيه اقامة مصنع جديد للاخشاب بامواله.

وبعد مرور ثلاثة اعوام انهارت اماله بان يحقق مكاسب ضخمة بفضل العمالة الرخيصة والخشب الوفير فيما اصبح استرداد ملايين الدولارات التي استثمرها في تحويل مصنع نسيج قديم لمصنع أخشاب حديث حلم بعيد المنال.

وترك ينيوتين حياته المريحة في موسكو ليكابد صراعا مريرا من اجل الابقاء على مصنعه وتحفيز عماله، والاهم منعهم من معاقرة الخمر حتى الثمالة.

وربما تغري روسيا مزيدا من المستثمرين الاجانب للعمل بها الا ان تجربة ينيوتين تذكرهم بان العادات القديمة والعقلية السوفياتية لا تزال موجودة خارج المدن الكبيرة التي نجحت في ملاحقة التغيير بعد عقد من تنفيذ اصلاحات السوق.

ويقول الكسندر فوروبيوب صديق ينيوتين المقرب والرجل الثاني في المصنع «حين جئنا الى هنا قررنا بوضوح ان نوظف فقط من لا يعانون من مشكلة شرب الكحوليات ولكن سريعا ما ادركنا ان هذا يعني اختيار واحد فقط من كل خمسين متقدما للعمل».

واصبح شرب الكحوليات من اكبر المشاكل الصحية للرجال في روسيا، اذ اقبلوا على تناولها بكثرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 مما اوقع ملايين في براثن البطالة والفقر.

وقال ينيوتين «بدا الامر مثيرا للدهشة في اول الامر ولكنه لم يعد كذلك. بعد ان تمضي شهرين هنا وتتعرف على طبيعة الحياة المحلية فسترى بنفسك ان من يعيش هنا ولا يشرب يعد استثناء».

وماكساتيخا، حيث يقع مصنع ينيوتين، بلدة روسية صغيرة ترجع اصولها للقرن السادس عشر وتضم مساحات شاسعة من الغابات الكثيفة ويعني موقعها على بعد 250 كيلومترا شمال غربي موسكو انها اعتمدت دائما على الخشب كمصدر للدخل.

وحاول الاتحاد السوفياتي تنويع مصادر الدخل وتحويل البلدة لانتاج المنسوجات الا ان هذه الصناعة التي كانت توظف نحو 20 الفا انهارت مع تلاشي التخطيط المركزي والدعم المقدم من الدولة. واصبحت فرص العمل نادرة في الوقت الحالي.

ويقول ينيوتين «في الشتاء يغلف الظلام البلدة بعد الغروب في حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر وحينئذ يلزم الناس بيوتهم وليس امامهم سوى قنوات التلفزيون وزجاجة ساموجون (كحول يقطر منزليا). فتخيل الى ماذا سينتهي بهم الحال».

وحذر كبار رجال الاعمال من ان نقص العمالة الماهرة احد اكبر مشاكل البلاد ويمكن ان تمثل عقبة خطيرة للشركات صغيرة ومتوسطة الحجم.

ومع نمو الاقتصاد بنسبة 7 في المائة عام 2003 ودعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمضاعفة حجم اجمالي الناتج المحلي خلال العقد المقبل فان قلة عدد العمال المهرة ربما تكون حجر عثرة امام تحقيق مزيد من النمو.

ويأمل الكرملين ان تساعد الشركات الاصغر على تقليص اعتماد روسيا الكبير على صادرات الطاقة التي يرجع اليها الفضل في معظم ما تحققه البلاد من نمو اقتصادي.

ولكن يبدو ان العديد من الروس غير مستعدين لقبول اقتصاد السوق، وتشير استطلاعات الرأي الى ان عدد من يرغبون في بدء اعمال خاصة ظل عند 5 في المائة فقط في الاعوام العشرة الماضية، وهو اقل كثيرا من النسبة في الغرب.

وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر (كانون الاول) ذهب اكثر من 35 في المائة من الاصوات لاحزاب تدعو الى القومية واعادة توزيع الممتلكات والمساواة الاجتماعية على غرار النموذج الذي كان قائما ابان العهد السوفياتي.

وفي ماكساتيخا وصل الرقم لاكثر من 40 في المائة وفازت الاحزاب الليبرالية باقل من 4 في المائة من الاصوات هناك.

ويقول ينيوتين «من الصعب حقا تحفيز اناس يتوقف اهتمامهم بكل شيء حين يحصلون على اموال كافية لشراء زجاجة فودكا».